كتب الأستاذ حليم خاتون: غزة تدهش العالم... العبور الثاني
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: غزة تدهش العالم... العبور الثاني
حليم خاتون
8 تشرين الأول 2023 , 05:09 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

بعد نصف قرن بالتمام و الكمال، وفي آخر أيام أعياد الغفران، اعاد الفلسطينيون كتابة التاريخ في عملية عسكرية خاصة لن تنتهي كما انتهى العبور الأول بكل تأكيد...

في السادس من أكتوبر ١٩٧٣، في تمام الثانية بعد الظهر، وتحت غطاء مدفعي وصاروخي وغارات جوية مكثفة، عبر جنود الطليعة في الجيش المصري قناة السويس وأمنوا مد رؤوس جسور لعبور الدبابات والمشاة وحطموا اهم تحصينات الجيش الصهيوني في ما سمي حائط بارليف المنيع...

لكن، وبكل أسف، انتهى هذا الإنجاز التاريخي بمعاهدة صلح منفرد في كامب ديفيد الأميركية حيث باع محمد انور السادات مصر وفلسطين وكل العرب في صلح منفرد لقاء وعود ابليس في الجنة...

اليوم، في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، عبر حوالي ألف مقاتل من كتائب عز الدين القسام جدران حصار غزة واقتحموا المستوطنات في عملية محدودة تهدف إلى تحرير آلاف الأسرى وتأمين حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومنع الاحتلال من استمرار عمليات المداهمة والقتل اليومي الذي يمارسه في الضفة الغربية...

"اعطني مقاومة، وخذ ما يدهش العالم..."

بإمكانيات محدودة نسبياً، وسط صمت عربي ودولي قاتل وحصار عربي / دولي أكثر فتكاً، ومساعدة عسكرية يتيمة من الجمهورية الإسلامية في إيران، قلبت كتائب عز الدين القسام كل أوضاع الشرق الأوسط رأسا على عقب...

زلزال فاق كل مقاييس ريختر...

ذُهل العالم...

صُدم الغرب...

صمتت أنظمة الذل العربية وسط بيانات كتبت على ورق حمّام...

كل هذا مهم... لكن ماذا بعد...

هل يبتلع الكيان ذلك الزلزال ونتائجه الكارثية...

أسرعت حكومة الاحتلال في إغلاق المطار وإعلان منع التجول، ليس بسبب القصف، ولكن لمنع انهيار كامل دولة الكيان وهروب آلاف المستوطنين يحملون ما خف وزنه وغلا ثمنه يريدون العودة من حيث أتوا...

أنها أقرب إلى ساعة القيامة...

نفس الموقف حصل سنة ٧٣ يوم وصلت طلائع الجيش العربي السوري إلى مشارف بحيرة طبريا...

القائد محمد ضيف طلب صراحة دخول محور المقاومة في هذه الحرب...

اليمنيون استجابوا فوراً وأعلنوا جهوزية كاملة...

حزب الله الذي يعتبر الثقل الأساسي في المعادلة أعلن التعبئة العامة مما أجبر العدو على حشد جزء مهم من الجيش على طول الجبهة الشمالية مع لبنان...

اتصل الاميركيون يحذرون حزب الله من المشاركة في الهجوم على الكيان...

رد الحزب كان واضحاً،

إذا حاول العدو اقتحام غزة برا، لن يقف حزب الله متفرجاً...

إذا، كل شيء مرهون بمدى العملية العسكرية...

حتى الآن، لا تزال العملية محدودة الأهداف...

وحدها المقاومة الفلسطينية تستطيع توسيع بنك الأهداف وبالتالي الطلب الفعلي من محور المقاومة الدخول في حرب لن تكون محدودة بالتأكيد...

صحيح أن كتائب القسام حققت المستحيل؛ لكن محدودية العملية تحمل في طياتها خطر كامب ديفيد جديد...

حتى الآن، لا يبدو أن المقاومة الفلسطينية تريد تطوير الهجوم والاعتماد الفعلي على وحدة كل الساحات...

يبدو كأن محور المقاومة نفسه فوجئ بما حصل، وهو لا يزال يقيّم الأمور...

تماما كما حدث في حرب تموز ٢٠٠٦، أهدى الله نصرا يجب عدم التفريط به...

حتى الآن، ومن سير العمليات، يبدو أن المقاومة الفلسطينية لا تزال على نفس الموقف وتسعى فقط إلى الهداف المحدودة التي أعلنتها...

إذا يمكن القول إن الهدف كان تحريكيا أكثر منه تحريريا دون أن ينتقص هذا من قيمة النضال وقيمة العمل الذي قام به شباب المقاومة...

لكن ما حققه الفلسطينيون لم يكن مجرد نصر عسكري ضيق...

حتى المقاومة نفسها، ربما فوجئت بالنتائج الباهرة التي تحققت...

دفن الفلسطينيون كل عمليات التطبيع بالضربة القاضية، وصار أي مطبع اجرب كما الكلاب وسط جو مقاوم هدّار...

ارسلت المقاومة كل المطبّعين دون استثناء إلى مزبلة التاريخ...

سقط طريق الخط الهندي "العربي" الاسرائيلي، وتحول إلى حكاية خرافية كتب الفلسطيني نهايتها...

الصين، وطريق الحرير الصيني ممتنان...

روسيا تنظر الى الغرب مبتسمة، وقد مرغ الفلسطينيون أنفه بالتراب...

قصف العدو غزة بوحشية انتقاماً، ردت عليه المقاومة بقصف تل أبيب وغوش دان تحديداً...

حتى الآن، تنزف جراح الكيان الصهيوني دون أي أمل له بالعودة للوقوف على رجليه...

لقد انتصرت غزة سلفا لأنها اتخذت القرار، ولم تتردد...

أي تراجع؛ أي بيع أو شراء، سوف يضعف الموقف الفلسطيني...

حذار من أي تنازل...

الاهداف المعلنة متواضعة جداً، ويجب تحقيقها بالكامل...

الكيان في وضع لا يحسد عليه، وهو مضطر للقبول إذا أراد أن لا تفتح الجبهات عليه...

ليته يغلط ولا يقبل...

المطلوب من المقاومة الفلسطينية الثبات حتى لو اضطرت إلى جر كل محور المقاومة إلى المعركة...

أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أقل بكثير مما سوف يحصل إذا ما ساومت المقاومة بعد هذا الإنجاز التاريخي...

تذكروا كيف أجهض العدو انتصار سيف القدس...

لذلك، يبدو أن كل الأطراف مجبرة على الذهاب أبعد في هذه الحرب...

حتى لو جاء كل الحلف الأطلسي إلى حرب مفتوحة مع المحور، وهو لن يجرؤ على هذا الفعل...

سوف تكون النتيجة زوال دولة الكيان قبل خمس سنوات من الموعد الموعود في التوراة...

قاومتم بأكثر من عود ثقاب، فاحرقتم خيوط بيت العنكبوت...

قاوموا بالصمود على القرار...

ليموت العنكبوت ومن يرعاه...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري