رسالة مفتوحة الى الرئيس الفرنسي ماكرون:
مقالات
رسالة مفتوحة الى الرئيس الفرنسي ماكرون: "حوار عقلي منطقي في جو ملتهب متوتر"
د.محمد كاظم المهاجر
15 تشرين الثاني 2023 , 09:48 ص

في 20 / 11/ 2020 كتبت رسالة مفتوحة إلى الرءيس الفرنسي ماكرون ، وللمواقف الانية لنفس الرءيس مما يجري في غزه ونزعته حتى اللاإنسانية اتجاه العمل الصهيوني المعتدي المتوحش في غزه أرى نفسي أعيد نشر هذه الرسالة للدلالة على خلفية الفكر الغربي الاستعماري من قضايا الشعوب المقهورة.

"حوار عقلي منطقي في جو ملتهب متوتر "

رسالة مفتوحة الى الرئيس الفرنسي ماكرون

___________

فخامة الرئيس ..........................

رغم علمي ويقيني ان رسالتي هذه لن تلقى اي اهتمام من لدنك , لابل لن تُقرأ مطلقا , وهي ايضا قد لاتعني لكم شيئا .

ولكن من خلالها اكتب الى كل باحث عن الحقيقة والفكر والمنطق والحق, وبغض النظر عن اي انتماء ديني , سياسي , اقليمي او عرقي ؛ فانا مواطن لبناني هاله المنحى والمنهج والسلوك الذي تنحوه بلدكم و بما تمثلوه انت وفي سياقها التصرفات واساليب التعبير تجاه الدين الاسلامي الحنيف , بما ينم عن محدودية الرؤية وانخفاض مستوى المعرفة , وبنفس الوقت عاكسه لمكونات المنظور الغربي وسياقات التفكير السائد المنطلق من قاعدة التفوق والهيمنة التي تسم منحى وتصرف هذا الفكر واصولياته .

وحتى اكون منصفا وموضوعيا وبعيدا عن اية نظرة عدائية , فإنني ساستعرض امامكم ما يستوجب الدلالة عليه من خلال رؤيةفكريةوسياسية، وما ينجم عن المنحى السياسي من مرتفقات ووقائع على المدى التاريخي , وبمنهج استقرائي، دون اغفالي لمنهجية اصدار الرأي / الحكم عبر الاستنباط والاستدلال و البينة العلمية .

اعتقدانك ستقول لي:مهلاً، ما علاقة الفكر والسياسات واستقراء الاحداث التاريخية والاستدلال والاستنباط بموضوع الحدث الراهن , كل مافي الامر ان اناساً ينتمون للاسلام قاموا باعمال ارهابية ضد حرية الرأي التي نحرص عليها ونصونها , لذا كان موقفنا المعروف وانتم اصحاب ردة الفعل على هذا الموقف وانتم من يتسبب بالازمة ؟؟!! .

يؤسفني يافخامة الرئيس ان اقول لك ان هذا المنظور وبهذا الشكل المبسط ان هو الا رؤية سطحية للامور , ودلالاتي على ذلك , كما هي معظم الدلالات التي سأسوقها في رسالتي هذه تستند في مصادرها على مفكرين غربيين ,فاطمئن يا فخامة الرئيس، لن اتكلم معكم بدلالات مفكرينا رغم عظمتهم وعمق فكرهم ,بل بدلالات مفكرين غربيين موضوعيين باحثين عن الحقيقة ؛ اعود لاقول ان سوقي للمنهج الذي حددته في مناقشة الحدث الراهن والقائم على الفكر والسياسات ومقترناتها من الاحداث , تنطلق من ان الفكر هو علية للارادة كما يقول المفكر والفيلسوف الغربي عمانؤيل كنت , واذا ماتوفر الامكان والاقتدار للارادة تحول هذا الفكر الى فعل .

اذاً، لننطلق اولا من الفكر: من الواضح ان مناقشة فكرية تحيط بشكل شمولي بمعطيات الفكر سواء الليبرالي او الاسلامي تحتاج مجلدات بالتأكيد , والعرض هنا استحالة , لذا ساكتفي باشارات حول اصول الفكر كدلالات على المنحى الذي يعكسه وفي مجال محدد محصور بالتعامل مع الغير .

فالفكر الليبرالي الذي تبلور خلال عدة قرون وبكتابات كم وفير من المفكرين والفلاسفة يحوي تباينات واتجاهات مختلفة ومدارس فكرية تصل في بعض جوانبها حد التناقض ؛ وانا لااعرف بالضبط يا فخامة الرئيس الى اي تيار منها يتجه فكركم , الوضعي , التجريبي , الطبيعي , المادي , الوجودي . الالحادي

...........الخ لذا انا مضطر الى اللجؤ الى المنطلقات في اصولها المؤسسة, كونها عاكسة للفكر بمحاور اكثر اتساعا وشمولية .

ففي مجال موضوعنا المشار اليه والذي اسس لتحديد المنحى نبدأ مع هوبز الذي يرى في الانسان ( الانسان الذئب ) والذي هو عدو لاخيه الانسان , ويسبغ عليه اوغست كونت بفلسفته الوضعية , اي على الانسان الغربي , قانون التفوق والاستعلاء مما يحدوه تعيين نفسه مسؤلا عن استعمار العالم بأسره , اما نيتشه منظر القوة والملهم للفكر النازي كان دافعاً مضافاً لسحق الغير .

وبالمحصلة نجد الفكر الليبرالي في بداياته قد شرعن الاستعمار وبادواته الارهابية التي قضت على الملايين من البشر ناهيك عن اساليب التعذيب والقهر والتهجير والابادة الجماعية , وكان لكم انتم الفرنسيين حصة رئيسية كدولة استعمارية كبرى . وفي المرحلة المتوسطة نظر فكركم لاستراتجيات ومنهجيات اخضاع العالم عبر التبعية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا , وفي المرحلة الاخيرة التي تمتد الى وضعنا الراهن يفرز هذا الفكر اساليب الهيمنة والترهيب والتهديد . هذا ليس استنتاجي انا وليس استقرائي هذا راي مفكرين غربيين كثر يشخصون منحى انعكاسات الفكر الليبرالي على ارض الواقع , قد تقول لي يا فخامة الرئيس ان هناك محطة رئيسية في الفكر الغربي سميت بعصر التنوير ودخل الانسان الغربي الى الحداثة, وبذلك اجريت عملية قطع مع كل الماضي بمنظوره الفكري وسياقات التطبيق العملي بأساليبها السوداء الرهيبة والمسؤلة عن ابادة البشرية وقمع العلماء وتسفيههم لابل قتلهم واستعمار الشعوب , وان عصر التنوير فتح لنا آفاق جديدة في منظورنا وتعاملنا مع الغير , وان ارهاب الدولة قد طوي، ومنهج فكرنا اصبح يتسم بالواقعية والتعامل مع الشعوب واستخدام العلم والتكنولوجيا للتطور والارتقاء .

انا سأقبل معك _ وعلى مضض _ بأن لا اناقش المرحلة التاريخية لما قبل عصر التنوير , ولكن ماذا عن المرحلة الراهنة المعاصرة , هل حقا ان لديكم منظوراً ومنهجية انسانية تقبل الغير .

لا يا فخامة الرئيس المنحى الفكري لا يزال يغزو النهج والاساليب، ومنظوركم للوجود لايزال يعود الى اصوله في مرحلة التكوين , اقرأ جيمس كولينز عن منظوركم الفكري للوجود , القطع الذي جرى لديكم هو قطع مع الحكمة النظرية , وقطع مع التنوير الإلٰهي , ومعاييركم للخير والشر لا تزال تستند على الفردانية والمنفعة ومنظومة القيم والاخلاق في فكركم لا تزال مغيبة تحت وطأة الفكر الطبيعي الذي يرى في سيرورة المادة الدائمة الحركة وقوانينها الحتمية بأنها لا ترى الاخلاق بل لاتعرفها فهي عمياء في قوانينها الحتمية , لقد الّهتم الطبيعة وشيئتم الانسان وليس الفكر الوضعي ببعيد عن ذلك . وفي المجال الاستراتيجي المنعكس من الفكر لا تزال قواعد كامبل بنرمان _ رغم انها القليل الذي تسرب _تشكل هدياً لحركتكم ( قانون التفوق , قانون المصلحة , قانون الهيمنة ) ونماذج تعاملكم مع شعوب العالم لا تخرج عن متطلبات تنفيذ هذه القواعد , ومنظوركم للانسان تجسده نماذج , انظر النموذج السنغافوري في تشييء الانسان وجعله مجرد الة ,انظر النموذج التايلندي كيف دفعتم به في التعامل الجنسي , اي انسان هذا الذي تتعاملون معه؟!

اما منهجكم الاستراتيجي في التعامل مع الشعوب فلاتزال هي هي , امثلة صارخةمن منطقتنا ( قضية فلسطين ) , التكفيريون الارهابيون الذين انشأتموهم ورعيتموهم وسلحتموهم وموّلتهم ربيبتكم السعودية تنفيذاً لأهداف الهيمنة على العالم .

ماذا اذكر لكم عن سياساتكم المعاصرة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينبة , فكركم بأصوله العنصرية واساليبه كإرهاب دولة حاضر معاصر في المناحي الاستراتيجية التي تتعاملون بها مع الشعوب . وقبل ان تسرد لي عن تفوقكم العلمي والتكنولوجي الذي تطورت به انماط حياة الشعوب , وتسألني: ماذا عن الفكر والمنهج الاسلامي , ماذا عن الارهاب الاسلامي ( كما تسمونه ) ابادر لاقول لك هل اطلعتم على مصادر التأصيل للفكر والمنهج الاسلامي هل اطلعتم على نظريتنا في الوجود, في الحرية, في الانسان , في منظومة القيم والاخلاق , في العدالة .............الخ، وهي مسالك تحدد تعاملنا كفرد واخر ومجتمع وشعوب , نحن نؤمن بالعقل الى جانب التنوير الإلٰهي الذي تنفونه لابل تسفهونه _ عند بعضكم _ ولكن بدلا من اطلاعكم على الموضوع والمحتوى تصديتم للذات، وتحت عنوان الميتافيزيقيا , فان حضور العقل في شرعنا لايتناقض مطلقا مع الشرع الآلهي، واذا ماحدث التباس بأمر محدث وجب تأويل الشرع بما يتناسب مع العقل , لذلك كانت منطلقات الفكر الاسلامي انسانية تنظر الى الانسان كمحور للوجود مرجعيته الباري عز وجل، و حرية الاعتقاد لديه مصانه {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لايؤمن به وربك اعلم بالمفسدين }. (سورة يونس 40 ) وحتى تعاملنا مع العقائد التي تتباين معنا كان منهج الاحترام والتحاور والاعتراف: {ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون}. (سورة البقرة 62 ) قد تقول لي انكم في عصر الفتوحات اجتحتم ثلاث قارات في العالم فكيف تعاملتم معهم ؟!

هنا سأكتفي بما قاله مواطنك المفكر والفيلسوف روجيه غارودي عن معركة بواتيه ( بلاط الشهداء ) التي خسر فيها العرب المسلمون , يعتبرها غارودي يوماً أسوَد في تاريخ اوروبا،لأنّهاحرمتها من اعظم حضارة في الوجود,.

وايضا، حتى نكون اكثر اطلاعا: انظر الباحثة الالمانية سيغريد هونكه في كتابها ( شمس العرب تستطع على الغرب ) ؛ والحضور الفكري في مناهجنا دعامة اساسية , فمنظومة القيم والاخلاق التي لاتعترفون بها قائمة في سياق كل حركة يومية, والفضيلة التي استعضتم عنها بالمنفعة هي معيارنا الاساس بين الخير والشر , ومفهومنا للحرية التي فطرنا الله سبحانه وتعالى عليها تأخذ معنىً مطلقاً في تكوين الانسان , فالانسان معلول لعلة وجوده وهو الخالق، وكما ان المعلول بحاجة الى وجوده في علته فانه بحاجة ايضا في استمراره الى تلك العلة، وهي بذلك تعطي للحرية معنىً حتى لاتتحول الى انحلال .

انتم تتناولون الحرية من منظور العقل العملي وفي مجمل الفكر الليبرالي ولم اشهد لديكم اي معنى مطلق للحرية _ على حد اطلاعي _

اذا اردتم يا فخامة الرئيس فهم الاسلام بعمق وموضوعية فأتمنى ان تتطلع على القرآن الكريم , لا على اعمال السفهاء التكفريين الذين انتم انشأتموهم وعبر اعمالهم اوجدتم مصطلح ( الارهاب الاسلامي ).

اكتفي بهذا العرض السريع المقتضب جدا لأعود الى الحدث الحالي الذي اوجد الازمة, ونتسا ءل هنا هل ان عملاً فردياً _ مدان اصلاًمن الاسلام _ يستدعي ادانة اكثر من مليار ونصف مسلم في العالم، ووسم الاسلام بالارهاب , وطرد آلاف المسلمين العاملين في فرنسا من عملهم، واغلاق مدارس وجمعيات، والاعتداء في الشوارع على المسلمين وعلى المحجبات, اهذا منطق العقل ام ارهاب بعينه.

إنَّ في الشرع الاسلامي ان كل فرد يتحمّلُ نتائج عمله وحده: {ولاتكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى}.(سورة الانعام 164 )أوَلَيْسَ قطعُ الارزاق من قطع الاعناق؟ اوليس ذلك ارهابا منظما ؟؟؟!!!!!

اما الرسوم الكاريكاتورية فنحن نعرف، وعلى يقين انها لا تضير مطلقا رسولَ الهداية النبي محمد (ص ) ولا تمسُّ شعرة منه , وما اللجوء للكاريكاتور بهذه الصورة الا تعبيراً عن افلاسٍ فكريٍّ يلجأ اليه الفارغُ للتنفيس عن حقدٍ دفين , وما ردة الفعل عليه الا تصرفَ فردٍ أحسَّ بجرحٍ ومهانة.

امّا ردةُ فِعلكم، فنسقٌ جمعيٌّ، لولا الخلفية التي استعرضناها وحللنا اتجاهاتها لكان هناك تصرف آخر يقضي بمحاكمة الجاني وعدم خلق هكذا ازمة .

يا فخامة الرئيس , هذه محاورة داعية للعقل والحكمة شرطُها الاساس احترامُ الانسان بغض النظر عن اي انتماء , فهل انت محاور عقلاني ؟

مع الاحترام والتقدير

محمد كاظم آل ابراهيم المهاجر

المصدر: موقع إضاءات الإخباري