تدقيق الحسابات وتقييم الاوضاع
مقالات
تدقيق الحسابات وتقييم الاوضاع
م. زياد أبو الرجا
26 كانون الأول 2025 , 20:31 م


*بعد وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية والموافقة على تفعيل القرار الاممي ١٧٠١ الذي صدر بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان عام ٢٠٠٦، وحرب الاثنتي عشرة يوما على ايران في حزيران/ يونيو ٢٠٢٤، ثم وقف الحرب على غزة بناء على خطة الرئيس ترامب التي تبناها مجلس الامن الدولي بالقرار ٢٨٠٣ اتخذ الصراع اشكالا اخرى.

بالنسبة لاسرائيل لم تلتزم بهذه القرارات،واستمرت قواتها بالتمركز داخل مناطق في جنوب لبنان،مع استمرار الخروقات والاعتداء على مناطق متعددة في الجغرافيا اللبنانية،وانتهاك الاجواء اللبنانية بالمسيرات والطائرات الحربية،واغتيال قيادات وكوادر عسكرية ومدنية في حزب الله.

على جبهة قطاع غزة احتفظت اسرائيل بحزام امني حول القطاع اسمته (( الخط الاصفر داخل القطاع )).هذا الحزام ،ليس خطا،بل حزام عريض يشمل محافظة رفح بالكامل،ونصف مساحة خان يونس،واجزاء واسعة من محافظتي وسط القطاع وشماله،وشرق محافظة غزة.يتيح الحزام لقوات الاحتلال الاسرائيلي تنفيذ عمليات وفرض مناطق نفوذ لمليشياته،التي تعمل امنة وراء حزام امني متقدم،على غرار جيب لحد في جنوب لبنان،في ظل مخطط لمفاقمة الاوضاع المؤدية الى التهجير.الخط الاصفر سيتحول الى حد فاصل طويل الامد يقسم القطاع الى قسمين،بدلا من كونه حدا عسكريا.ولهذا السبب تماطل اسرائيل وتناور لعدم الانتقال الى المرحلة التالية،والتلاعب بالملف الانساني.هذا الحزام يقسم القطاع ويصادر ٥٥ بالمئة من مساحته ويهجر نحو مليون مواطن فلسطيني عن بيوتهم.

تقوم القوات الاسرائيلية المتمركزة على الخط الاصفر باطلاق النار على المدنيين غرب هذا الخط وتواصل المسيرات والطائرات الحربية الاسرائيلية استهداف القيادات الفلسطينية والمدنيين.

ان استمرار اسرائيل بمواصلة اعتداءاتها على لبنان وفلسطين،هي فرض لواقع ان الحرب لم تتوقف وانما خفت حدتها،وان عدم الرد من قبل حزب الله في لبنان وحماس في غزة مرده ان لا مصلحة لهما الان في التصعيد واستمرار الحرب،ولكل منهما حساباته وتقييمه للظروف الذاتية والموضوعية.

* تقييم وحسابات محور المقاومة تنطلق من ان عملية طوفان الاقصى،وجبهات الاسناد على انها معركة من معارك مستمرة وطويلة مع الكيان الصهيوني وليست محددة بسقف الوقت.لكنها على المستوى السياسي احبطت مشاريع ومخططات كانت على وشك التنفيذ مثل طريق بومباي من الهند الى المتوسط عبر قطاع غزة،ومشروع القناة البديلة عن قناة السويس،ومشاريع التطبيع مع الكيان وهيمنته على المنطقة.

لم يعلن محور المقاومة ان هذه المعركة الفاصلة والنهائية مع الكيان لكنها دمرت اكثر من نصف الته الحربية البرية دبابات ومدرعات ومصفحات وناقلات جند،وقضت على قوات النخبة المقاتلة والالاف من جنوده،وحطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر.اما على المستوى السياسي ايضا فقد قضت على السردية الاسرائيلية وحفزت الرأي العام العالمي ضد اسرائيل كدولة مجرمة ومغتصبة للوطن الفلسطيني وان الدولة الاسرائيلية دولة تمييز عنصري ونظام ابرتهايد منبوذ من قبل المجتمع المتحضر.

لم يعلن محور المقاومة انه حقق النصر النهائي والبائن.وعليه فان عملية النقد والدحض والانكار الداخلي على المستوى الفلسطيني بقيت محصورة بين طرفي المعادلة الفلسطينية،"فتح" والسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جانب وحماس وخي ليست مستجدة بل قائمة.

* التقييم على الجانب الاسرائيلي: ذهب رىيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الى اعلى السقوف في الحرب على غزة،معلنا على الملأ ان الهدف الاستراتيجي من هذه الحرب هو القضاء المبرم على حماس والمقاومة الفلسطينية وتهجير كافة مواطني قطاع غزة،وانها لن تتوقف حتى تحقيق هذه الاهداف وعودة المختطفين الاحياء منهم والاموات.

التلاحم الاسطوري بين قوات المقاومة والشعب والتشبت بارض الوطن رغم الدمار والمجازر الدموية وحرب الابادة الجماعية افشلت خطط نتنياهو.وعليه فان التزامه بوقف الحرب نهائيا سيفتح عليه ابواب الجحيم وعلى حكومته.فالداخل الاسرائيلي ومن ارضية الحق الديموقراطي وحرية التعبير نجد ان جبهته الداخلية قامت بعملية دحض وانكار للنصر الذي ادعته الحكومة ورئيسها نتنياهو.جاء هذا الدحض والانكار من قبل شخصيات فكرية وسياسية ودينية وعلى القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي،تحولت حرب اسرائيل الى حرب نتنياهو شخصيا بصفته صاحب استراتيجية حرب الوجود.وبما انه لم يحقق النصر النهائي،فهو يؤكد في تصريحاته المتكررة،بانه سيقضي على حزب الله وحماس ومعهما ايران.وانه وافق على خطة ترامب لكي يفرمل الاندفاعة العالمية التي تبنت السردية الفلسطينية ووضعت الكيان تحت المسائلة الاخلاقية ووصفته بنظام التمييز العنصري الابارتهايد الذي تجب مقاطعته ومحاكمة قادته امام محكمة الجنايات الدولية.

* تقوم الفضائيات ووساىل الاعلام الاخرى وخاصة المحسوبة على الداعمين لاسرائيل بحملة منظمة ومتناغمة،بان اسرائيل جاهزة لتوجيه ضربة ساحقة ماحقة لايران،وذلك للقضاء على قدراتها الصاروخية وبرنامجها النووي.وان نتنياهو سيطلع الرئيس الامريكي ترامب على الخطة خلال لقائه معه بتاريخ ٢٩ ديسمبر الحالي.وانه سيأخذ موافقة ترامب ومشاركة الولايات المتحدة الامريكية فيها.

* ومما تناولته الحملة نتنياهو يدق طبول الحرب،وايران تطور صواريخها.وقامت باكبر مناورة تأهب للضربة الاسرائيلية في جميع المدن الرئيسية في ايران تحسبا لاي عدوان.صرح قائد الجيش الايراني: نسعى لتعزيز جاهزيتنا لمواجهة التهديدات غير المتكافئة.اي هجوم على ايران سيقابل برد حاسم.

صرح نتنياهو: اي تحرك من ايران سيقابل برد قاس جدا. تحجيم دور ايران اقليميا من غزة الى لبنان والعراق ( هدف التحركات الامريكية ).يرى اسماعيل مسلماني الخبير في الشؤون الاسرائيلية ان نتنياهو يوجه نداءا الى امريكا لتشاركه في الحرب على ايران لانه لا يستطيع ان يقول انه فشل.لذلك وحده لا يستطيع ويطالب امريكا.واذا امتنعت يجد المبرر امام المجتمع الاسرائيلي.واسرائيل قلقة جدا من الصواريخ الايرانية.ويقول مسلماني ان ايران قد تقوم بضربة استباقية،وليس لدى ايران ما تخسره اذا قامت بذلك.لكن اسرائيل سيتعرض وجودها للزوال.

من جهته الدكتور اسماعيل النجار الكاتب والباحث السياسي اللبناني والمقرب من حزب الله يقول في مقابلة تلفزيونية: (( بالمعلومات،اذا قامت اسرائيل بشن حرب شاملة على حزب الله في لبنان،فان ايران ستدخل الحرب في النصف ساعة الاولى ))..

نتنياهو سيعرض على ترامب اسقاط النظام في ايران،وسيحمل معه الى الرئيس الامريكي دونالد ترامب في لقائهما المرتقب اواخر الشهر الحالي ما تصفه مصادر اسرائيلية بمعلومات سرية تهدف الى اظهار ضعف ايران ودورها في زعزعة الاستقرار الاقليمي.

سيسعى نتنياهو بحسب ما اوردته صحيفة (( يسرائيل هيوم يوم الاثنين ٢٢ ديسمبر الحالي )) الى اقناع ترامب بضرورة مقاربة (( جذرية )) لمعالجة ما تسميه اسرائيل المشكلة الايرانية،في اشارة صريحة الى اسقاط النظام في طهران.وبحسب الصحيفة،تكتسب قضية ايران اهمية متزايدة في اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب الاسبوع المقبل في ولاية فلوريدا.وتعد اسرائيل ملفا استخباراتيا شاملا حول ايران،يتضمن معطيات عن محاولات طهران استئناف برنامجها النووي،واعادة بناء ترسانة الصواريخ الباليستية،الى جانب ما تصفه تل ابيب بنشاط (( الحرس الثوري،على ماتصاعد تسميه الارهاب العالمي،فضلا عن التمويل الايراني لحماس وحزب الله والحوثيين وتنظيمات مسلحة اخرى.وبهذه تهدف اسرائيل وفق التقرير الى فرض هذا الملف على ترامب ومستشاريه من اجل التوصل الى تنسيق اسرائيلي امريكي يفضي الى معالجة جذرية للمشكلة الايرانية،وتعتقد تل ابيب ان الرئيس الامريكي يدرك ان ايران تمثل راس اخطبوط الارهاب في الشرق الاوسط والعامل المركزي في زعزعة الاستقرار الاقليمي،اضافة الى كونها الطرف الذي يعرقل التقدم نحو اتفاق اقليمي شامل،او ما يعرف "بالصفقة الكبرى" التي يسعى ترامب الى انجازها )) .

ومع ذلك تشير الصحيفة الى ان ترامب لا يتعجل اتخاذ خطوات حاسمة ضد النظام الايراني،وان اللقاء المرتقب يهدف الى رسم معالم واضحة للتعامل مع ايران في المرحلة المقبلة.تروج اسرائيل فكرة ان اسقاط النظام الايراني (( مرة واحدة والى الابد )) سيؤدي الى اضعاف حزب الله ونزع سلاحه تدريجيا،وتقليص نفوذه في لبنان،كما سيؤدي الى اضعاف حركتي حماس والجهاد الاسلامي نتيجة انقطاع الدعم المالي،اضافة الى احتمال انهيار سلطة الحوثيين في اليمن.

نقلت اسرائيل هيوم عن مسؤول امني اسرائيلي لم تسمه ان (( احدى النقاط المفاجئة التي ستستخدمها اسرائيل لاقناع الامريكيين تتمثل في الحرب الروسية الاوكرانية،وان اخراجها من هذا المشهد سيقلص التهديد الروسي للامن والاستقرار في اوروبا )).

بحسب التقرير،تطرح اسرائيل الخيار العسكري بوصفه احد السيناريوهات المحتملة عبر توجيه ضربة اضافية وقاسية للنظام الايراني،رغم ادراكها ان الثمن قد يكون مرتفعا.وفي هذا السياق لمح رئيس اركان جيش الاحتلال ايال زامير الى احتمال تنفيذ عمليات جديدة ضد ايران،قائلا خلال مراسم تبديل رئيس شعبة التخطيط في الجيش: (( في صدارة التهديدات التي تواجه الجيش الاسرائيلي،تقف المواجهة مع ايران،التي اختتمت بانجازات مهمة.اعداؤنا شعروا مجددا بالذراع الطويلة للجيش الاسرائيلي،التي ستواصل توجيه الضربات حينما يلزم،في جبهات قريبة وبعيدة )). في المقابل اعلن وزير الخارجية الايراني عبا س عراقتشي ان بلاده مستعدة لاي هجوم اسرائيلي محتمل.

يرى فراس ياغي الخبير في الشؤون الاسرائيلية: ان اسرائيل فشلت في تغيير الواقع الجيوسياسي،والتركي لن يسمح لنتنياهو بان يفرض نفوذه كاملا على الاقليم.

الخلاصة

* بعد مرور عام على ترامب في البيت الابيض ،لم يأل جهدا في اشاعة الفوضى في العالم.طالب بضم كندا واجزاء من امريكا الجنوبية الى الولايات المتحدة،وقال ان خليج المكسيك خليج امريكي،كما طالب بملكيةالولايات المتحدة لجرينلاند،وطالب زيلنسكي بالتخلي عن القرم والمقاطعات الاوكرانية التي احتلتها روسيا،وهدد بخروج امريكا من حلف الناتو،ولجأ الى فرض الرسوم الجمركية،وشارك اسرائيل في حربها على ايران وحشد الاساطيل في الكاريبي ضد فنزويلا الخ.

واضح ان ترامب يسترشد بما استشرفه الدكتور جورج فيدمان المستشرف والعالم السياسي الذي استشرف السياسة الامريكية في القرن الحادي والعشرين كالتالي: (( لا تحتاج الولايات المتحدة الى الانتصار في الحروب.ما تحتاجه بكل بساطة هو اغراق الاخرين بالفوضى بحيث لا يمكن لهم اعادة انتاج ما يكفي من القوة بحيث تشكل تحديا لها،سوف يشهد القرن الحادي والعشرون في احد مستوياته سلسلة من المواجهات تخوضها قوى اقل شأنا وذلك في معرض محاولاتها تشكيل ائتلاف يهدف الى احتواء السلوك الامريكي وعمليات الولايات المتحدة الامريكية العسكرية الهادفة الى التشويش عليها.سوف يشهد القرن الحادي والعشرون حروبا اكثر مما شهده القرن العشرون الا ان هذه الحروب سوف تكون اقل كارثية.وذلك بسبب المتغيرات التكنولوجية وايضا بسبب طبيعة التحديات الجيوسياسية )).

ترامب محكوم الان بعدة جبهات رئيسية اختلقها ضمن سياسته باغراق العالم بالفوضى.فسياسته لحل القضية الاوكرانية مزقت الموقف الاوروبي،وحشده الاساطيل في الكاريبي وقرصنته لناقلات النفط من فنزويلا وتهديده باسقاط نظام مادورو ايقظ الروح الوطنية في امريكا الجنوبية.صرح الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو يحذر ترامب،من ايقاظ النمر.من جهتها اكدت موسكو دعمها لكاراكاس في مرحلة اقليمية ودولية حساسة. من جانبها صرحت الصين ان احتجاز امريكا للسفن انتهاك خطير للقانون الدولي.

يرى المحللون السياسيين ان تهديدات ترامب لمادورو هي دعوة لفتح حوار معه على مجمل العلاقات الامريكية الفنزويلية.اما لماذا يصر نتنياهو على اقناع ترامب بمشاركته الحرب على ايران؟ اعتقد انه يحاول ان يثبت للعالم وللاسرائيليين انه طرف على قدم المساواة مع ترامب والولايات المتحدة الامريكية بعد ان صادر ترامب قرار اسرائيل وصار هو المتحكم بالقرار الاسرائيلي السياسي والعسكري. يعرف نتنياهو ان اية حرب شاملة تشنها امريكا هي الحرب على قلب اسيا،وجبهتها الامامية وخط النار هي ايران. ولن تقدم امريكا على خوض هذه الحرب الا اذا امتلكت المعلومات الاكيدة مئة بالمئة ان كلا من روسيا والصين ستقف موقف المتفرج،وهذا هو المستحيل بعينه.وسيبقى حلم نتنياهو باخذ امريكا الى حرب مع ايران مثل حلم ابليس بالجنة.اما وقد اقترب موعد لقاء نتنياهو مع ترامب، فسنرى هل نحن امام حملة اعلامية ام وقاىع مادية؟ .بتقديري المتواضع اننا امام حملة بالونية ستنفجر الاسبوع القادم.

مهندس زياد ابو الرجا