جرائم الإبادة الإسرائيلية، وشراكة الدول الغربية.
مقالات
جرائم الإبادة الإسرائيلية، وشراكة الدول الغربية.
د. أحلام بيضون
18 تشرين الثاني 2023 , 20:30 م


د. أحلام بيضون

لا يحتاج المشاهد او الباحث في القضايا القانونية أو القضائية إلى كبير عناء حتى يقرر أن الكيان الصهيوني يرتكب جرائم فظيعة ضد الشعب الفلسطيني، كان أبشعها ما يقترفه اليوم ضد قطاع غزة. إنما يحتاج إلى تصنيفها فقط، في:-

1- جريمة العدوان

وهي تتمثل بلجوء دولة أو جهة إلى استخدام القوة ضد دولة أو جهة بعينة، شرط أن تكون البادئة. وتعتبر بادئة. ولا تعتبر الدولة او الجهة معتدية إذا كانت في حالة دفاع عن النفس، كالشعب الواقع تحت الاحتلال، والساعي إلى التحرر وتقرير المصير.

2- جرائم حرب

وهي تلك التي تقترف إبان العمليات القتالية، في انتهاك لاتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف أو ما يعرف بالقانون الإنساني، وتتمثل باستهداف المدنيين، أو المؤسسات المدنية، بما فيها المستشفيات والمدارس ودور العبادة، او التراث الثقافي.

3- الإبادة الجماعية

وهي التي تحكمها الاتفاقية الدولية حول الإبادة الجماعية، والتي تتمثل بإبادة أو محاولة إبادة مجموعة بشرية أو قسم منها، وذلك إما بالتقتيل أو بالتجويع، أو بمنع العلاج، أو بأي وسيلة أخرى تؤدي إلى النتيجة المقصودة. وجريمة الإبادة الجماعية هي من ضمن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على قدم المساواة مع جريمة العدوان.

4- انتهاكات حقوق الإنسان

وتشكل انتهاكات حقوق الإنسان كالإهانة والتعزير او الاعتقال غير المبرر، أو المعاملة السيئة للأسرى جرائم أيضا، ومحاولة التهجير القسري للسكان.

لقد ارتكبت إسرائل الدولة العضو في الأمم المتحدة كل تلك الجرائم. ولعل أهم ما نريد تسليط الضوء عليه هنا، هو جريمة الإبادة الجماعية، والتي ظهرت لأهل الاختصاص، مكتملة الأركان، خاصة في الحرب الإسرائيلية ضد غزة، بعد عملية الدفاع عن النفس التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية.

لقد صدر عن مسؤولين إسرائيليين أقوال صريحة، بأنهم يسعون من وراء حربهم إلى التخلص، ليس فقط من حركة حماس، بل أيضا التخلص من سكان غزة وذلك عن طريق إبعادهم إلى خارج القطاع، كما أن أحد وزراء العدو لم يخف هدف التخلص من المواطنين الفلسطينين سواء في الضفة أو القطاع، وذلك عن طريق إخضاعهم أو إبعادهم أو قتلهم، وضم كل الاراضي الفلسطينية وإقامة الدولة اليهودية بين البحر والنهر.

لقد باشرت أسرائيل ومنذ بداية تنفيذ مشروعها الاستيطاني الإحتلالي، بارتكاب جرائم إبادة جماعية، هدفت إلى دب الرعب في نفوس السكان وجعلهم يرحلون.

ثم اعتمدت أسلوب القتل الممنهج واليومي ضد الشباب الفلسطينيي، حيث تتذرع بأي سبب لتطلق النار على الفلسطينيين، وتمنع عنهم الإسعاف وتتركهم ينزفون حتى الموت، ولا تكتفي بذلك بل تكمله باعتقال أقاربهم، ثم تقوم بتهديم منازلهم.

حاولت إسرائيل، بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣، أن تبعد الفلسطينيين بشكل قسري إلى خارج القطاع، بأن اعتمدت قصف الأبنية على رؤوس ساكنيها، وامرت من تبقى من شمال القطاع بالنزوح إلى جنوبه، ثم لاحقت النازحين تقصفهم بالشوارع.

ولما لجأت أعداد منهم إلى المدارس والمستشفيات؛ فكانوا هدفا لطائراتها. ثم جاء ما عرف بحرب المستشفيات، استهلته القوات العدوة بقصف مستشفى المعمدان التاريخي، فكانت الحصيلة أكثر من ٨٠٠ شهيد ومئات الجرحى. ثم كانت جريمة مجمع أو مستشفى الشفاء والذي تبلغ مساحته ٤٥٠٠ متر, حيث حاصرته ومنعت عنه الامداد، بكل أشكاله، مما أدى إلى وفاة العشرات من مرضاه، وقصفت محيطه حيث يزدحم بالنازحين، ولم تكتفِ بذلك، بل اقتحمته، ودمرت أجهزته، وفجرت مستودعات الأدوية فيه. وحاصرت طواقمه الطبية، والهندسية، وأهانتهم وتوَّجت ذلك بأمر إخلاء المستشفى من النازحين والمرضى، دون ان يكون هناك وسائل لنقلهم بشكل سليم، ولا مستشفيات لاستقبالهم.

ولم تنج من العدو بقية المستشفيات، كمستشفى الأندونيسي، ، ومستشفى الرنتيسي، ومركز طب العيون، والمستشفى التركي، ومستشفى القدس، وغيرها، كما لم تنج مستشفيات الضفة الغربية.

فاستهداف المستشفيات هو واضح الغاية، فهو يهدف إلى إحداث أكبر عدد ممكن من الوفيات سواء بين المرضى أو الجرحى أو حتى النازخين، الذين بقوا على قيد الحياة بعد أن دمرت منازلهم، وأصبحوا في العراء.

إن استهداف المستشفيات يشكل جريمة بحد ذاتها، بالإضافة إلى كونه يشكل في حالة غزة جريمة ضد الإنسانية وأحد عناصر أو القرائن على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

بالإضافة لمنع الغذاء والماء والكهرباء وموارد الكاقة، ومنع شاحنات الاغاثة من الدخول، كما عمد الجيش الصهيوني إلى قصف مخازن القمح، ثم قصف المطاحن، في هدف واضح لتجويع المواطنين. لقد اضطر المواطنون إلى شرب المياه الملوثة، واستخدام عربات تجرها الحيوانات لنقل موتاهم وجرحاهم.

إن استهداف المستشفيات بشكل خاص، لا يعني أنه استثنى المدارس، ومراكز الامم المتحدة التي لجأ إليها النازحون، فارتكب فيها المجازر.

إن مجموعة الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الجيش الصهيوني، يتحملها ليس فقط أفراد الجيش وقادته بل القادة السياسيون في الدولة الصهيونية، وتتحملها معهم، الأنظمة التي غطت العدوان المتمادي على قطاع غزة تحت عنوان باطل وهو حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ثم سكتت على جرائمها، وحالت بين مجلس الأمن واتخاذ قرار بفرض وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني، ليس فقط في قطاع غزة بل أيضا في الضفة الغربية، رغم معرفتها بالجرائم المرتكبة والتي تعرض على شاشات التلفزة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتبر مسؤولو تلك الدول، محرضين ومشاركين، بشكل كامل.

فهذه الجرائم التي لا يشبهها إلا تلك التي ارتكبها النظام النازي في ألمانيا النازية، يجب أن تكون موضع ملاحقة أمام المحاكم الجنائية الدولية والوطنية، ومنع المجرمين من الإفلات من العقاب.

يجب أن تتكاتف كل الجهود لجعل ملاحقة ومعاقبة مجرمي الحرب الصهاينة، ومن ساعدهم وتحالف معهم وغطى جرائمهم، سواء الإدارة الأميركية أو النظام الفرنسي أو البريطاني أو غيرهم أمرًا واقعًا وناجزًا، خصوصًا أمام تبدل الرأي العام العالمي الذي استوعب حقيقة العدو الصهيوني ومدى الظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، والمتمثل أولا بالعدوان الذي بمنعه من تقرير مصيره، والاستيلاء على وطنه وأرضه ظلما وعدوانا، وتعريضه لأبشع أنواع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية.

بيروت، في ١٨/١١/٢٠٢٣

المصدر: موقع إضاءات الإخباري