شتان بين روسيا الإتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي وزعيمة عالم متعدد الأقطاب، عادل ومتوازن، وبين الولايات المتحدة الأمريكية قائدة أحادية القطب والناتو المتغول على دول وشعوب العالم، والأهم هنا هو موقف كل منهما من حرب غزة بين (إسرائيل) المحتلة وناشرة الإستيطان، وحماس – الأيدولوجيا وحركة التحرر الفلسطينية العربية الإسلامية ، والمعروف هو بأن هجمة واجتياح حماس لمستعمرات غلاف غزة صدر من غرفة قيادتها فجأة بتاريخ 7 / أكتوبر وبمثابة انفجار شديد اللهجة بوجه المحتل الإسرائيلي الغاشم الرابض على ارض فلسطين التاريخية والمعاصرة منذ عامي 1948 و1967، أي منذ 75 عام، يعتقل ويسجن ، ويمارس الإذلال لشعب فلسطين بأكمله وللشعوب العربية ودولها الواقعة تحت الإحتلال، وينشر الإستيطان غير الشرعي، الذي يستهدف المواطنين الفلسطينيين وأطفالهم وليس تنظيماتهم الفدائية المقاومة فقط، وحدث غزة المأساوي على شعب فلسطين ، والبطولي من طرف حماس خير شاهد، ولا أحقية لإسرائيل بالدفاع عن النفس ما دامت محتلة لفلسطين وأراضي العرب .
منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، والعدوان الإسرائيلي النازي، توجهت روسيا الإتحادية وبتوجيه مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين لمجلس الأمن وعرضت وقف اطلاق النار فورا، وهو الأمر الذي قابلته الولايات المتحدة الأمريكية بفيتو رافض لوقف النار تمشيا مع سياسة حزب الليكود المتطرف الحاكم بقيادة النتن – ياهو ، وعرضت الوساطة بين حماس و(إسرائيل) ، وتعتبر حماس حركة تحرر عربية إسلامية غير ارهابية، ودعتها لموسكو فعلا الى جانب الجهاد للتفاوض على الأسرى الروس ولفهم طبيعة الصراع الحالي مع ( إسرائيل )، ووجهت المساعدات الإنسانية لغزة عبر معبر رفح، واعتبرت سلوك (إسرائيل) في غزة إبادة وحصار يشبه ليننغراد، وجهد مماثل للرئيس الشيشاني رمضان أحمد قديروف بتوجيه مساعدات انسانية لغزة واستضافة من قبل سيادته لأطفال غزة وأهاليهم وفتح منتجع راحة واستجمام وعلاج لهم، ولقد بلغ تعداد الأطفال 27 طفلا وسط 51 لاجئا غزاويا، ودفعة ثانية، وهي خطوات روسية – شيشانية مقدرة ومشكورة تشمل مائة لاجئ من قطاع غزة، فيما سيبلغ العدد الكلي 250 لاجئا، وفرص عمل مهيأة لهم ومدارس .
وما نعرفه بالمقابل، هو انشغال موسكو بالعملية / الحرب الروسية الأوكرانية ومع (الناتو) بالوكالة التي نشطت بعد 45 يوما على اندلاع الحرب في غزة، وحققت روسيا تقدما فيها ولا زالت تحقق ذلك ، ولا علاقة لحرب غزة بالحرب الروسية الأوكرانية مدا وجزرا، ولا ننسى هنا بأن روسيا قطب شرقي استراتيجي هام ودولة عظمى لا تأخذ في حساباتها كثيرا تحول التمويل الأمريكي والغربي لإسرائيل في حربها مع الشعب الفلسطيني وحماس، وتحذير حديث للرئيس بوتين من التخطيط الغربي لتقسيم أديان روسيا والجغرافيا الروسية نفسها، ومع هذا وذاك لاحظنا جميعا تراجع الدعم الغربي لنظام "كييف" المتطرف وتياره البنديري المتشابه معه تطرفا من أكثر من 200 مليار دولار الى 100 مليون دولار، والنتيجة الأوكرانية الغربية " كييف " والغربية العسكرية فوق الطاولة الرملية مع روسيا صفر .
وفي المقابل ورغم أن روسيا السوفيتية في زمن الزعيم جوزيف ستالين وجيشها الأحمر هي التي صنعت ( إسرائيل ) بين عامي 1945 و1948، وهو الزعيم الذي عرض على يهود منطقة " باراذبيجان " بداية التوجه الى منطقتي "القرم وسخالين"، ورغم الحضور الديمغرافي الروسي واليهودي في (إسرائيل) الذي يفوق المليون، إلا أن أمريكا تعتبر نفسها راعية وحيدة لإسرائيل، وترتكز عليها استخباريا وسط العرب والمنطقة الشرق الأوسطية، وتزودها بالمال الملياري والسلاح وتشجعها على سياسة الإحتلال ، ومؤسسة " الأيباك " على الخط .
وسبق لها أن أشرفت على تزويدها وأوروبا منتصف أربعينيات القرن الماضي بالسلاح النووي، وهو ما كشفه لنا الخبير الإسرائيلي مردخاي فعنونو عام 1986 عبر صحيفة " الصنداي " البريطانية ، وفي حرب غزة وقفت أمريكا إلى جانب الإحتلال الإسرائيلي ، وقبل ذلك ماطلت بالسلام العربي – الإسرائيلي وأعاقته طويلا خاصة ما تعلق منه بالقضية الفلسطينية العادلة، واعتبرت أمريكا كما ( إسرائيل ) المحتلة حماس ارهابية، وساعدتها على الإستمرار في حربها العدوانية الواسعة التي شملت سكان غزة والأطفال، وكانت النتيجة المأساوية بإستشهاد أكثر من 15 ألف منهم، وتواجد عدد مماثل تحت الأنقاض بين حي وميت، وتعمد إسرائيلي بإعتقال الأطفال واهانتهم وضربهم وتجويعهم الى جانب شباب وشابات وشيوخ وسيدات فلسطين ، فقط لأنهم أصحاب الأرض والقضية العادلة .
لقد وقفت روسيا الإتحادية على الدوام الى جانب القضية الفلسطينية العادلة، ودعت، ولازالت الى يومنا هذا لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية الى جانب دولة إسرائيل، ولتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية فوق الأراضي العربية ، وقالها للتو الرئيس بوتين- من دون قيام دولة فلسطين فإن حدث غزة سوف يتكرر-، وهو خطاب الخارجية الروسية كذلك، ووقفت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا الى جانب ضرورة تصفية حماس متأثرين بالدعاية الإسرائيلية المغرضة التي تعتبر حماس ارهابية وكذلك أي تنظيم مقاومة عربي أو دولة عربية تحمل السلاح بوجهها. وبسبب غياب الوحدة العربية الفدرالية الحقيقية الجامعة، وغياب وجود معاهدة دفاع عربية مشتركة تعتبر أي اعتداء على أي جزء عربي هو اعتداء على كل العرب، واعلان حرب ، فإن ( إسرائيل ) استفردت بغزة وحماس وأهل فلسطين، وكان الأسهل بالنسبة لها للرد على اجتياح حماس المباغت الغاضب تحت شعار صيحة وطوفان الأقصى، هو الإستفراد بمواطني غزة ورفع أرقام القتل وسطهم، غير آبهة بسلوكها السلبي النازي وعلى كافة المستويات مع أهل فلسطين القابضين على الجمر والصبر .
لا يمكن توقع ما تفعله أمريكا الى جانب ( إسرائيل ) من روسيا مثلا ، و( إسرائيل ) بالمناسبة تساند نظام – زيلينسكي المتطرف في حربه المجنونة والغرب الأمريكي ضد روسيا ، وسيادة أوكرانيا أضاعها نظام " كييف " الحالي عبر رفضه للحوار مع موسكو ومن خلال اتفاقية " مينسك " الضامنة لأمن أوكرانيا بالمجمل شرقا وغربا، وبسبب نقض اتفاقية انهيار الاتحاد السوفيتي التي تمنع إجراء تحالفات معادية حالة الاستقلال ولتحريكها ثورات برتقالية معادية لروسيا تحت حجة الإصلاح ، وبسبب انقلاب " كييف " الدموي غير الشرعي الذي وجه لمناهضة روسيا تحديدا، ولم يكن الاتحاد السوفيتي عام 1947 الوحيد الذي اعترف بإسرائيل على حدود عام 1948 ، فكان من بين 163 دولة بهدف ايجاد حل للهجرات اليهودية الى دول العالم ، والآن قلبت ( إسرائيل ) سحرها على الساحر وبدأت تفكر من جديد بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ولديها استعداد مماثل لتهجيرهم من رام الله الى الأردن، وهو الأمر الذي رفضته مصر والأردن بصرامة، واعتبرت المضي بهكذا مشروع من قبل ( إسرائيل ) إعلان حرب .
وأخيرا وليس آخرا.. لا زالت ( إسرائيل ) المتغطرسة تراهن على تحرير مزيد من الرهائن لدى حماس، وتشكك بالرقم المفرج عنه لتواصل عدوانها على غزة السكان الأصليين وليس على حماس فقط، والأيام المقبلة على ما يبدو ستنذر بفتح جبهات على (إسرائيل) لا تتوقعها تماما كما لم تتوقع مهاجمة واجتياح حماس لها استخباريا، والظلم ظلمات ، وشمس الحق والحرية والاستقلال لابد لها أن تبزغ من جديد، وستبقى فلسطين ، كل فلسطين عربية ، والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وتجميد المستوطنات وحق العودة مطلب وطني فلسطيني وقومي عربي وإسلامي ومسيحي .