جولة قتالية ثانية بدون أفاق وإنجازات
فلسطين
جولة قتالية ثانية بدون أفاق وإنجازات
راسم عبيدات
4 كانون الأول 2023 , 16:18 م

بقلم : راسم عبيدات

الجولة الثانية من الحرب العدوانية على قطاع غزة ،إستئنفت بعد هدن متقطعة لم تزد على أسبوع، وقلنا بأنها ستستأنف لإعتبارات داخلية " اسرائيلية" فحكومة نتنياهو تعيش أزمات عميقة تنذر بتفككها،بن غفير وسموتريتش هددا بالإنسحاب منها وبالتالي اسقاطها اذا لم يجر استئناف العملية العسكرية ،ونتنياهو وغالانت لا يستطيعان عدم العودة للعملية العسكرية،لأنه لم يجر تحقيق اي اهداف استراتيجية ملموسة لا عسكرياً ولا عملياتياً ولا امنياً ولا سياسياُ،بل شهدنا حتى هزيمة على الجبهة الأخلاقية والإنسانية، فرضتها قدرة المقاومة على إدارة هذه المعركة بإقتتار وكفاءة عالية في عمليات إستلام وتسليم الأسرى في الجولات السبعة من هذه العملية،والفيديوهات التي بثتها كتائب القسام وسرايا القدس لأسيرات وأسرى " اسرائيليين" مدنيين...ولذلك نتنياهو الذي يدير المعركة هو وغالانت بأفق شخصي يعرف تماماً بأن حكومته قد وصلت الى خط نهايتها،وكذلك لم يعد مستقبله لا السياسي ولا الشخصي محصناً،فهو يدرك بأن مستقبله سيكون السجن بالتهم الثلاثة المنظورة ضده أمام قضاء دولة الإحتلال ،الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة يضاف لها تحميله المسؤولية الكبرى عن الهزيمة الإستراتيجية في معركة " طوفان الأقصى" والفشلين الإستخباري والأمني ...ولذلك اعتقد بأن هذه العودة للعملية العسكرية،لن تكون على نحو اوسع وأشمل من الجولة الأولى ،فطوال 48 يوماً من العدوان الشرس والذي ألقيت فيه على القطاع حمم قنابل وصواريخ وقذائف تزيد عن 45 الف طن،ثلاثة أضعاف ما ألقته أمريكا من قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناغازكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية.لم يتم تحقيق أي انجاز ملموس من الأهداف الإستراتيجية التي خرجت حكومة الإحتلال من أجل تحقيقها، القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس ،وتدمير القدرات التسليحية والعسكرية والأنفاق الهجومية للمقاومة ،والوصول الى الأسرى " الإسرائيليين" عند المقاومة بدون مفاوضات ،ورفض أي هدن مؤقتة وإدخال الوقود وغاز الطهي والمساعدات الإنسانية طبية ودوائية وغذائية ..الخ. ومن ثم تحقيق الهدف الإستراتيجي الأكبر، اعادة رسم خرائط المنطقة من جديد،وبما يعيد تشكلها نحو شرق أوسط جديد.ورفض استمرار حكم حماس وسيطرتها على القطاع بعد إنتهاء الحرب .....ولذلك اذا لم تنجح هذه الحرب العدوانية في ذروتها في تحقيق أي إنجاز حقيقي ملموس،فكيف وبعد هذه الجولة الأولى،حدثت جملة متغيرات منها، الضغوط الخارجية الكبيرة، على دولة الإحتلال من خلال التحولات الكبرى في الرأي العام العالمي ،بسبب إنكشاف حجم الجرائم والتدمير الذي طال كل مظاهر الحياة المدنية في القطاع،من منازل ومشافي ومراكز طبية ودور عبادة ومدارس ومراكز ايواء ووسائل إعلام وصحفيين ..الخ،وانفراط عقد الجبهة الإعلامية السياسية التي شكلتها دولة الإحتلال الى جانب أمريكا ودول الغرب الإستعماري، بهدف " شيطنة" و "دعدشة" حركة حماس والمقاومة الفلسطينية،وكان المُنظر لهذه الجبهة وهذه الرؤيا العنصري ماكرون الرئيس الفرنسي،والذي بات يتحدث عن أن مسألة قضاء دولة الكيان على حماس غير واقعي،وهذا ربما يحتاج لعشر سنوات ..وكذلك سقوط الرواية والسردية "الإسرائيلية" حول إرتكاب حماس والمقاومة لجرائم حرب وقتل بحق اطفال رضع واغتصاب نساء يهوديات،وإرتكاب جرائم ،كالجريمة التي إرتكبها الإحتلال بحق المشفى المعمداني ..وأيضاً صمود المقاومة الفلسطينية،وتحويلها الحرب مع دولة الإحتلال الى حرب استنزاف يدفع فيها ثمناً باهظاً عسكرياً،بشرياً ومادياً ،جنود وضباط ومدرعات ودبابات .يضاف لذلك المناعة القومية "الإسرائيلية " التي تشهد تصدعات وتفكك على صعيد الوحدة،وما تعانية الجبهة الداخلية من أزمات عميقة أمنية وعسكرية،واقتصاد متهالك على وشك الإنهيار،واحتجاجات واسعة ضد نتنياهو من أهالي الجنود والمستوطنين المأسورين لدى المقاومة والمطالبات الداخلية والخارجية بإقالته ،من داخل الليكود وخارجه، قيادات امنية وعسكرية واعلامية حالية وسابقة ...ولذلك أرى بأن هذه المعركة،وإن كان من اهدافها توجيه رسائل بالنار للمقاومة الفلسطينية،لكي تستجيب للشروط الإسرائيلية في صفقة التبادل،حيث كان رد المقاومة الذي عبر عنه القائد العاروي ،بإغلاق باب التفاوض حول الجنود الأسرى قبل وقف العدوان ورفع الحصار ،والثمن سيكون تحرير كل الأسرى الفلسطينيين،وكذلك السعي لفك العلاقة ما بين المقاومة وحاضنتها الشعبية،عبر تكثيف القصف الهمجي والوحشي وإرتكاب المجازر ،ودفع السكان الى مثلث رفح،دير البلح خانيونس،وتقسيم المنطقة الجنوبية الى مربعات، ولكن هذه العودة للحرب موجهة للداخل الإسرائيلي ،لكي يتم تنفيس حالة الإحتقان والغضب الكبيرة في داخله وطمأنته وتهدئته،بأن الأوضاع لن تعود الى ما كانت عليه في السابق،ولعل الإنجاز الذي سيعمل على تحقيقه نتنياهو في العودة لهذه الحرب،هو العمل على إقامة منطقة عازلة على طول قطاع غزة،من اجل توفير الأمن والأمان لمستوطناته،وهذا المشروع جرى نقاشه وإقراره في الزيارة الأخيرة لليهودي بلينكن الى دولة الإحتلال،وكذلك أعلمت به دولة الإحتلال دول عربية اخرى مصر والأردن والإمارات وتركيا والسعودية ،ولا نعرف كيف ردت هذه الدول على هذا الطلب،ولكن يبدو بلينكن يمارس ضغوط كبيرة عليها للموافقة عليه،وخاصة مصر.

نعم هذا الإنجاز الذي سيحمله نتنياهو الى المستوطنين في مستوطنات الغلاف وكذلك للجمهور الإسرائيلي،ولكن هل يمكن تحقيق هذا المطلب ؟ في ظل تآكل قوة ردع جيش الإحتلال،وحرب استنزاف شاملة ستشنها على جيشه قوى المقاومة.

ولعل هدف التغيير الديمغرافي في قطاع غزة،بات يطرح بقوة من قبل دولة الإحتلال ومعها أمريكا،ولذلك يأتي القصف المتجدد على المنطقة الجنوبية خانيونس ودير البلح ودفع سكان قطاع غزة للتوجه نحو منطقة رفح مؤشر على هذه النوايا،وعملية الطرد والتهجير لسكان قطاع غزة الى خارج حدودها ،أيضاً يصاحبها مشروع طرد وتهجير جزء كبير من سكان القدس والضفة الى الأردن،مشروع الوطن البديل.

هذه الحرب التي يتحدث نتنياهو ومعه غالانت وهليفي وبن غفير وسموتريتش بانها ماضية نحو تحقيق أهدافها في القضاء الى المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس،وتحرير اسراهم بدون مقابل،وخلق واقع في القطاع يكرس إحتلالهم ويشرعنه،هم يعرفون جيداً بأنها حرب بدون أفاق وأهداف واضحة ومحددة،فقط يحركهم فيها عقليتهم الثأرية الإنتقامية بقتل المزيد من المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة في القطاع....وسيجبرون على وقفها من جديد بعد فترة لن تتعدى اسبوعين ،فهم يعرفون حقيقة وضعهم الداخلي وعمق أزماتهم.

فلسطين – القدس المحتلة

3/12/2023

[email protected]

المصدر: موقع إضاءات الإخباري