يوم الجمعة الماضية كانت كل الأنظار متجهة صوب مدينة نيويورك حيث مقر مجلس الأمن، أحد أهم الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، والمنوط بها حفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث كانت هناك جلسة للمجلس من أجل التصويت على مشروع قرار بشأن وقف إطلاق نار إنساني فوري على غزة، وبالطبع كان الرأي العام العالمي ينتظر القرار الحاسم، بعد مرور ما يزيد عن شهرين من العدوان الصهيوني الغاشم دون جدوى، خاصة وأن العقل الجمعي العالمي قد تخلص من الرواية الصهيونية الظالمة والتي تصف أبناء الشعب الفلسطيني بالإرهاب، بل استقر في الضمير الجمعي العالمي أن الصهاينة هم من يمارس الإرهاب ضد أصحاب الأرض الحقيقيين.
وجاءت الجلسة استجابة للخطاب الذي أرسله الأمين العام للمجلس مستخدماً فيه المادة ٩٩ من ميثاق الأمم المتحدة، وكان مشروع القرار الذي طرحته الإمارات العربية المتحدة يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ويكرر مطالبته لجميع الأطراف بأن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين، ويطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية، وجاء التصويت على النحو التالي: قامت ١٣ دولة بالتصويت لصالح مشروع القرار، وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، في حين عارضت الولايات المتحدة الأمريكية القرار واستخدمت حق الفيتو وبالتالي لم يتم اعتماد القرار، وأصيب الرأي العام العالمي بصدمة جديدة في الديمقراطية الأمريكية المزيفة، وشعارات حقوق الإنسان الوهمية.
وباستخدام العدو الأمريكي لحق الفيتو في مجلس الأمن تستمر المذبحة الوحشية التي يرتكبها العدو الصهيوني في حق أهالينا في غزة، وبذلك تكون قد سقطت كل المزاعم الأمريكية التي تقول أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكاً في عملية السلام المزعومة في منطقتنا، وعلى كل من راهن ولازال يراهن على العدو الأمريكي كشريك في وقف العدوان الصهيوني على غزة، أو المساهمة في توصيل المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني المحاصر داخل القطاع، والذي يعيش لما يزيد عن شهرين تحت القصف دون ماء أو غذاء أو كهرباء أو وقود للتدفئة مع قدوم فصل الشتاء أن يسقط هذا العدو الأمريكي من حساباته، وبالطبع كل من راهن على العدو الأمريكي كان يغفل أنه من يدعم العدو الصهيوني منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، وهو من حرك آلته العسكرية الجبارة تجاه المنطقة ليقول للجميع أنه سيناصر العدو الصهيوني إلى أبعد مدى حتى يحقق أهدافه غير المشروعة إما بتهجير أهالينا في غزة وتوطينهم بسيناء، أو بإبادتهم لتخلو غزة من أهاليها ويسيطر على أرضها العدو الصهيوني كما سيطر على باقي الأرض الفلسطينية المحتلة منذ ٧٥ عام وحتى الآن.
وهنا يطرح السؤال نفسه بعد السقوط المدوي للعدو الأمريكي على المستوى الإنساني ما هو الموقف الذي يجب أن تتخذه الدول التي صوتت لصالح القرار في مجلس الأمن ؟ وكذلك الدول المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بصفة عامة وسكان قطاع غزة بصفة خاصة ؟ فمنذ الإعلان عن الفيتو الأمريكي على القرار لم نشهد إلا مجموعة من التصريحات الإعلامية النارية المنددة بالموقف الأمريكي من هنا وهناك وكان أكثرها حدة من الأقطاب الجديدة في العالم روسيا والصين، وبالطبع هذه الإدانة والتنديد لن تنقذ أهالينا في غزة من الإبادة الصهيونية، ولن تردع العدو الأمريكي الذي سقطت عن وجهه كل الأقنعة المزيفة، وبرز بوجهه الإرهابي القبيح، لكن لابد من موقف حاسم على الأرض، يجبر العدو الأمريكي على التدخل لوقف الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة التي تعمق جرح أهالينا في غزة كل يوم.
وبالطبع لن تتوقف هذه الآلة العسكرية الصهيونية إلا إذا شعر العدو الأمريكي أن مصالحه في المنطقة في خطر، وهذا الموقف هو ما أعلنه محور المقاومة منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، وقد شاهدنا تحركات مؤثرة للمقاومة اللبنانية والعراقية واليمنية على هذا المستوى أدت للتراجع الأمريكي الصهيوني خطوة للخلف، حيث قبل العدو بالجلوس على طاولة المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية، وقبل بالهدنة المؤقتة وتبادل الأسرى، قبل العودة للعدوان من جديد، لذلك لابد لكل من يدين العدوان الصهيوني على غزة، أن يساهم في الضغط على العدو الأمريكي عبر كل الآليات والوسائل الدبلوماسية والسياسية والمقاطعة الاقتصادية، ولنترك للمقاومة تهديد مصالحه عسكرياً، فبغير ذلك لا يمكن تضميد جرح أهالينا في غزة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد