كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: آفاق الحرب، والمشروع الأميركي في الشرق الأوسط
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: آفاق الحرب، والمشروع الأميركي في الشرق الأوسط
حليم الشيخ
22 كانون الثاني 2024 , 11:03 ص

كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: 

الى اين تسير الأمور في الشرق الأوسط؟

هذا هو السؤال الطاغي على كل التحليلات التي تسيطر على كل وسائل الإعلام إلى درجة أن اخبار أوكرانيا تحولت إلى فنجان قهوة بعد وجبة الاخبار التي تخرج من الشرق الأوسط، كل يوم، وكل ساعة...

لماذا الحديث عن الشرق الأوسط عامة، وليس عن غزة خاصة، أو عن الضفة على الأخص...

الضفة، حيث تجري هناك حرب الإبادة الفعلية ضد وجود الشعب الفلسطيني شبه الأعزل...

استطاعت الولايات المتحدة الأميركية ومعها جماعة الأنكلو ساكسون زائدا ألمانيا التي لا تزال تحت الاحتلال الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ استطاعت اميركا هذه، تحويل الأنظار عن الإبادة الجماعية في الضفة خاصة، وفي غزة، عبر دفع الأمور في البحر الأحمر إلى الواجهة بعد النجاح إلى حد ما في نزع الصبغة الفلسطينية عن موقف أنصار الله ومحاولة إظهار الأمر وكأن جماعة الأنكلو ساكسون هم في حرب مع منظمة إرهابية خدمة للاقتصاد العالمي...

طبعا معظم الشعوب العربية تعرف حقيقة موقف أنصار الله الذي فرض الحصار حصرا على العدو الصهيوني، وربط ذلك بفك الحصار عن الشعب الفلسطيني...

لكن يكفي للدلالة على نجاح الأميركيين إلى حد ما في الخسة في تدويل النزاع في البحر الاحمر، متابعة الإعلام الغربي حيث يتم استضافة مجموعات من اهل الخسة من الأعراب أمثال سامي الجميّل مثلاً...

تفوّق ابن الجميّل على الضيف الاسرائيلي على شاشة فرنسية في تجريم الفلسطينيين الذين ليس فيهم محاور من أجل السلام كما قال، قبل أن يجعل من حزب الله مجرد تابع لإيران، ولا يملك أي مشروع وطني مستقل...

سامي الجميل ليس سوى نسخة لبنانية عن عهر عربي منتشر بالاخص في معظم النظام العربي خارج محور المقاومة...

هذا ما شاهدناه أكثر من مرة على شاشات مصرية وسعودية و إماراتية...

أيضاً على شاشة فرنسية، خرجت "سيدة" من بيت الهاشل على ما اذكر، تلتحف حجابا كاذباً يحوي رأسا بلا دماغ، تمثل ما يسمى مجلس جنوبي في اليمن (رحم الله سالم ربيع علي والمناضلين القدامى، وما كان يسمى حزب اشتراكي يمني لم يعد اشتراكيا، أو حزب إصلاح لا صلاح فيه، أو حتى ناصريين في اليمن يخجل بهم جمال عبد الناصر)؛

تنطحت تلك "السيدة" غير المحترمة لمهاجمة أنصار الله "التابعين لإيران!" دفاعاً عن حلف حماية إسرائيل في البحر الاحمر من أكبر وأهم ضربة تعرض لها الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر...

المهم...

تتركز التحليلات على ألسنة الكثير من المحللين وبينهم من ينتمي إلى محور المقاومة على استبعاد إمكانية التدحرج نحو الحرب الشاملة لأن حزب الله لا "يريد هذه الحرب!"؛ ولأن اميركا لا تريدها أيضاً...

أما كيف توصل هؤلاء إلى أن أميركا لا تريد الحرب الشاملة، ربك أدرى...

لو يقول لنا هؤلاء ما هو المشروع الأميركي للشرق الأوسط... ربما فهمنا كيف لا يريد الاميركيون هذه الحرب وفهمنا "عمق" هذا التحليل...

لأنه ببساطة، آفاق ما سوف تؤول إليه هذه الحرب يرتبط حصرا بالمشروع الأميركي...

المهم هو المشروع الأميركي...

هذا إذا وجد؟

من تابع الاعلامي الاستاذ سركيس نعوم في مقابلاته الأخيرة، والرجل يملك مصادر معلومات من قلب القلاع الأميركية، يجد أن كل هم أميركا ينحصر ليس فقط في مصلحة إسرائيل، بل يتلخص في براغماتية أميركية مع مشروع مطاط وفق موقف الخصم...

خصم الولايات المتحدة الأميركية هو كامل محور المقاومة الذي تحاول اميركا اختزاله بإيران...

لذلك نجد أن الأميركيين يقبلون الاعتراف بأن تكون إيران أحد أضلع المثلث الذي يحكم الشرق الأوسط...

ليس حباً بإيران طبعا، لكن من منطلق محاولة إغراء طهران بدور قوة عظمى إقليمية مع تركيا وإسرائيل وتجاهل الطرف العربي في محور المقاومة...

اميركا لا ترى مصر؛

اميركا لا ترى السعودية، ولا ترى الإمارات ولا الأردن، رغم أنهم اتباعها...

تريد أميركا من إيران أن لا ترى بدورها المقاومة الفلسطينية، ولا أنصار الله ولا حزب الله ولا الحشد ولا غيره...

هذا هو باختصار موقف أميركا...

هذا هو مشروعها...

يقوم المشروع الأميركي اليوم على فصل إيران عن حركات المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن طبعاً...

تتحدث اميركا عن مشروع الدولتين فقط لأنها فشلت حتى اليوم في الفصل بين الجمهورية الإسلامية وحركات المقاومة العربية هذه...

لكن ما هو شكل الدولة الفلسطينية التي يقبل بها الأمريكيون؟

كما سبق القول؛ أميركا براغماتية...

كلما كان الخصم اقوى، ترضخ هي أكثر...

لكن أقصى ما يمكن أن توافق عليه أميركا اليوم هو دولة على قياس أوسلو...

يعني باختصار "شبه دولة تقوم على حكم بلديات متفرقة لا تملك سيادة ولا دستور ولا سيطرة، لا على الاقتصاد ولا على الحدود...

حتى هذا لا يقبل به نتنياهو ولا اليمين الإسرائيلي...

نتنياهو هو من خرج في المظاهرات في التسعينيات ضد "دولة" أوسلو المسخ أصلا...

لم يأبه نتنياهو لشرح إسحاق رابين يومها بأن هذه الدولة هي دون مستوى وصف دولة وان رابين نفسه لا يقبل بوجود دولة فلسطينية كاملة الأوصاف...

حتى حين اغتال متطرف صهيوني رابين لم تتردد زوجة رابين في توجيه تهمة التحريض على قتل زوجها إلى بنيامين نتنياهو...

الدولة الفلسطينية التي يقبل بها الاميركيون هي ما رفضته منظمة التحرير الفلسطينية في محادثات كامب ديفيد...

الدولة الفلسطينية التي يقبل بها الاميركيون هي في أقصى ما يمكن أن تصل إليه...

دولة يتم فيها تطهير عرقي لكل مناطق فلسطين ال ٤٨ والا ما معنى الاصرار على يهودية الدولة... ورفض حق العودة...

لقد رفض أجدادنا في فلسطين أثناء الثورة الفلسطية الكبرى ضد الانتداب البريطاني إعطاء ٢٠٪ لدولة يهودية لأن المطلوب كان تطهيرا عرقيا لأكثر من ثلث الشعب الفلسطيني يومها من أراضيه ومن البيوت والقرى والمدن...

فهل نأتي نحن اليوم ونوافق على تطهير عرقي وعلى رفض حق العودة الذي هو حق فردي لكل فلسطيني...

حق لا يحق لأي كان التصرف به؛

أو هل نقبل بمبدأ تبادل الأراضي بحيث نخلق سجن غزاوي اكبر على أقل من ٢٠٪ من أرض فلسطين التاريخية يحشر فيها أكثر من ١٢ مليون فلسطيني هم عداد الشعب الفلسطيني اليوم...

حتى لو قبل الكثيرون بهذا، سوف يخرج الشعب الفلسطيني غداً يطالب بكل الحقوق ويحاسب كل من قبل بالمساومة على ما ليس من حقه المساومة عليه...

هذا ما يقوله حرفياً المؤرخ الإسرائيلي إيلان پاپيه، وهذا هو القول الحق...

عودة إلى المشروع الأميركي المطاط...

إيران تتصرف حتى الآن على أساس التعاطي مع الواقع، يوما بيوم...

كذلك يفعل حزب الله الذي جاء على لسان امينه العام أن الأمور هي رهن الميدان...

القول إن الأميركي لا يريد توسعة الحرب هو نكتة سمجة...

الأميركي القبيح الذي ورث البريطاني الخبيث يعمل على أساس "فرق تسد"...

الأميركي يعمل على تجميد الجبهات الأخرى من أجل الاستفراد بمحور المقاومة، جبهة جبهة...

هو يفتك اليوم بالجبهة الفلسطينية، ويعمل جاهدا على منع الجبهات الأخرى من المشاركة الفعلية...

فشل في لبنان جزئيا، فحرك أدواته في الداخل اللبناني الذين يتراوحون ما بين اليمين المسيحي إلى اليمين الدرزي وصولا إلى التكفيريين السُنّة الذين يقفون على أهبة الاستعداد للانقضاض على حزب الله حين يدخل الحرب الشاملة...

لم ينس الاميركيون تجنيد شيعة السفارة الأميركية كما هو موقف مكرم رباح الذي يريد إقناعنا بأن القضية الفلسطينية غير قابلة للحياة...

أو المقالات المحبطة لمحمد علي المقداد...

أو خربشات نديم قطيش الإماراتية دون الوصول إلى أدنى السلالم مع ديما صادق...

هل يملك حزب الله الأعذار بسبب هؤلاء...

ليس حزب الله من النوع الذي لا يأخذ هكذا مسائل في الحسبان...

الحزب الذي ذهب إلى سوريا، وقاتل جحافل التكفيريين الذين تدفقوا من شمال إفريقيا ومن لبنان والأردن والخليج وواجه مؤامرة أكثر من ثمانين دولة وأكثر من مئة الف ارهابي تنبه منذ ذلك الوقت، وحَسَبَ للساحة اللبنانية حساباتها إذا ما خطر لاسرائيل وهم استغلال الأمر...

(على فكرة اين كل تلك الجحافل من نصرة أهل السنة والجماعة في فلسطين!!!)

الحزب يعرف أن البطرك الماروني ومطران بيروت الارثوذكسي وسنة اميركا واسرائيل، ولفيفا غير قليل مما يسمى ١٤ آذار وحتى قسما من ٨ آذار يتبعون التقويم الأميركي في مسائل الحرب والسلم...

مع هؤلاء وتحت رعايتهم ينتشر الآلاف من التكفيريين بين النازحين السوريين ومعهم الكثير من التكفيريين اللبنانيين...

يعرف حزب الله هذا وهو بالتأكيد رصد لهؤلاء من يؤدبهم حين تقع الواقعة...

انصار الله فعلوها...

تجاوزوا كل العوائق الأميركية...

ربما من أجل ذلك وبعد أن رأى الاميركيون أن صمود غزة تجاوز كل المتوقع...

ربما لهذا بدأ الاميركيون الحديث عن حل الدولتين...

هل يمكن الوثوق بالأميركي أو جماعة الأنكلو ساكسون؟

بالتأكيد لا...

الأمور رهن قوة موقف محور المقاومة...

كلما راوح القتال مكانه على جبهات مساندة فلسطين، زادت شراسة الصهيوني، وصغُرت صفات السيادة على الدولة الفلسطينية...

العكس صحيح أيضاً...

كلما اثبت المحور عزما اكبر على الذهاب بعيدا في الوقوف إلى جانب شعب فلسطين، تراجع الأميركي ومعه حكما البريطاني والألماني وزادت نسبة السيادة على الدولة المزعومة...

إذا، وباختصار، يمكن القول إننا نعيش لحظات براغماتية الأميركيين الذين ينظرون إلينا قبل أن يقرروا...

لذا من الواجب ارسال رسالة لا لبس فيها...

دولة واحدة من النهر الى البحر...

لا للتطهير العرقي...

لا لنظام فصل عنصري...

حق العودة لكل الفلسطينيين من الداخل ومن الخارج...

إعادة كل الحقوق إلى أصحابها...

... الخ.

فقط في هذه الحالة يمكن القبول بدولة واحدة منزوعة السلاح من كل الأطراف (العرب وغير العرب)...

تتم الانتخابات على أساس المساواة الكاملة بين كل السكان على أساس one man one vote، كما حصل في جنوب إفريقيا أو يتم إعادة وضع كامل فلسطين التاريخية تحت انتداب مؤقت تحت إشراف قوات دولية محايدة، وشرطة دولية محايدة أيضاً يستبعد منها كل الدول التي تقف اليوم مع الإبادة الجماعية وعلى رأس هؤلاء اميركا وبريطانيا وألمانيا...

المهم، عدم التفريط بأي حق من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وعلى رأس هذه الحقوق، حق العودة الذي نصت عليه الشرعية الدولية رغم كل التحيز (يا من تتغنون دائما بالشرعية الدولية)...

على الأميركي أن يفهم أن هذا هو مشروعنا الذي لن نقبل بأقل منه...

اصرارنا كفيل بإجبار الأميركي...

عند قبول الأميركي، يصبح الآخرون مجرد ملحقات لا قيمة لها، بما في ذلك كل الغرب، وكل النظام الرسمي العربي...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري