كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: اسرائيل سقطت... متى تزول؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: اسرائيل سقطت... متى تزول؟
حليم الشيخ
25 كانون الثاني 2024 , 05:11 ص

كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: 

بين السقوط بالضربة القاضية او السقوط بالنقاط فروقات تتراوح بين المسافة صفر، ومسافة بضعة أمتار زمنية...

سقوط الكيان يحتاج إلى ضربة قاضية واحدة...

لقد تحققت هذه الضربة...

هو تلقى هذه الضربة أكثر من مرة، وعلى جرعات عدة منذ بدأ العد العكسي لقوة الجيش الذي لا يقهر...

من المفروض أن هذا الكيان سقط ولا مجال كي يقوم من جديد...

يشبه وضع الكيان الصهيوني اليوم ذلك المريض الذي وقع في "كوما" لا أمل بالخروج منها إلا بمعجزة؛ لذلك تم ربطه بأجهزة إنعاش كما في المستشفيات...

ما أن يتم فصل الأجهزة عنه سوف تعلن الوفاة...

هكذا هو وضع إسرائيل...

اسرائيل سقطت منذ زمن بفعل الضربات المتلاحقة التي تشكل مجتمعة، أو كل على حدة، ضربة قاضية مطلوبة لزوال هذا الكيان...

ثلاثة عوامل لعبت دور أجهزة الانعاش هذه:

اولا- الغرب وعلى رأسه في هذه الحقبة، أميركا...

أميركا التي كلما وقع الكيان، وكاد يذهب في كوما لا رجعة منها، تُسارع إلى إقامة جسور جوية وبحرية تصل إلى حد القيام بالدخول المباشر كما فعلت في حرب ٧٣ على الجبهتين المصرية والسورية؛

وكما تفعل الآن من داخل فلسطين المحتلة عبر وجود مستشارين وأكثر من ألفي عنصر مارينز مع تسخير كل الاقمار الصناعية وتكنولوجيا التجسس لخدمة الكيان؛

في لبنان، عبر النفوذ الهائل الذي تملكه أميركا داخل السلطة وعلى عناصر الدولة العميقة، كما عبر الأدوات داخل بعض القوى الشعبية؛

في البحر الاحمر وبحر العرب عبر قتال أنصار الله دفاعا عن إسرائيل؛

في العراق وسوريا عبر قطع طرق إمداد المقاومة وزعزعة البلدين الأساس في قيام الجبهة الشرقية في وجه الكيان، العراق وسوريا...

ثانياً- النظام الرسمي العربي الذي تعامل مع الكيان بشكل أو بآخر مما ساعد هذا الكيان على البقاء في عالم الأحياء عبر عمليات التطبيع التي تشبه عمليات التجميل عبر إزالة التجاعيد ومن ثم النفخ بالبوتوكس...

٣- قوى الرفض الرسمية والشعبية، وفصائل المقاومة على اختلافها التي حتى وقت قريب لم تذهب في معركة التحرر الوطني الى الأخير وكانت دائما تقبل بتسويات عقيمة بحجة إعادة مراكمة القوة بانتظار يوم آخر...

أو الموافقة على وقف إطلاق النار بعد نكسة حزيران بدل الاستمرار في القتال واستدراج العدو لينتشر وتشن عليه حرب شعبية كما حصل مع الإنكليز والفرنسيين سنة ٥٦...

فعلت هذا بعد معركة الكرامة منذ حوالي ستة عقود، كما فعلت هذا يوم دخلت في خلافات فيما بينها بفضل كذبة أميركية تم رميها بين الفصائل تحت مسمى حل الدولتين...

دار شدّ الشعر بين قابل ورافض حتى سيطر القابلون على جبهة الرفض قبل أن ينتهوا هم أنفسهم حراسا للكيان بفضل اتفاقيات أوسلو...

فعلت هذا حين لم تقم منظمة التحرير بخوض الحرب ضد اسرائيل في لبنان، وكانت دائما تنسحب إلى الشمال أكثر وأكثر حتى وضعوها في سفن حملت المقاتلين بعيدا جدا عن فلسطين وعن حلم التحرير...

فعلت هذا سنة ٢٠٠٦ يوم وافقت على القرار ال ١٧٠١ بدل العمل على فتنمة الصراع والذهاب بالمقاومة إلى أفق الصراع على وجود هذا الكيان نفسه...

فعلت هذا حين توقفت بعد سيف القدس ولم تحقق على الأقل رفع الحصار عن غزة...

للمفارقة، نقف اليوم في نفس الموقف، كما في المواقف السابقة كلها...

نطلب وقف إطلاق النار لأننا نريد إعادة مراكمة القوة وانتظار يوم اخر...

مرة أخرى عادت اميركا ومعها أوروبا إلى لعبة حل الدولتين...

ليس إيماناً منهم بهذا الحل، بل محاولة لربح جولة بينما نتلهى نحن في حل غير واقعي على الإطلاق...

هل سوف نقبل بحل يعطي جزءًا من فلسطين لتقوم عليها دولة يهودية والسماح ليس فقط بتجاوز حق العودة الذي يشكل حلا فرديا لكل فلسطيني على حدة، ولا يحق لأي كان القرار بدلاً عنه؛ بل يتجاوز هذا ليصل إلى التطهير العرقي عبر تهجير السكان بين الدولتين والوصول إلى دولة فلسطينية نقية ولكن مكتظة بالمواطنين واللاجئين داخل الوطن، وقيام دولة يهودية نقية تكرس مبدأ سرقة الأرض وطمس الهوية التاريخية لجزء من فلسطين التاريخية...

حتى حديث البعض عن رفض قرار التقسيم على أساس حدود ٦٧، والمطالبة بالعودة إلى قرار التقسيم لسنة ٤٧ على أساس حوالي ٥٥٪ لليهود، وحوالي ٤٥٪ للعرب... لا يحل المشكلة بقدر ما إنه يعطيها أفقا يلائم "الشرعية الدولية العمياء"...

إن عودة الأميركيين للحديث عن حل الدولتين رغم كونه مجرد خدعة، يعني تسليم اميركا بهزيمة إسرائيل والتفتيش لها عن مخرج يسمح لها ببضعة سنوات أخرى بانتظار عودة العرب إلى نوم أهل الكهف كما كان وضعهم سابقاً...

كما كان يردد الدكتور جورج حبش دائما...

امل الانتصار في حرب التحرير يعتمد على "وطنية!" الخصم، أي على (تعصبه وعناده) على عدم التسوية...

إن الضربة التي وجهت الى الكيان في السابع من أكتوبر تحولت إلى ضربة قاضية بفضل الجنون الإسرائيلي نفسه وبفضل غباء معسكر الاستعمار...

لو كان الاسرائيليون قد قبلوا بما طالبت به حماس في اللحظات الأولى بعد السابع من أكتوبر، وجرى تبادل كامل للاسرى بين الطرفين، لكانت نتائج عملية ٧ أكتوبر توقفت عند تلك المطالب، ولما كانت مسألة وجود الكيان وضعت على المحك...

لكن الرد الاسرائيلي من جهة، وتهافت دول الاستعمار الغربي للوقوف إلى جانب الكيان؛ كل هذا رفع مستوى ما حصل إلى مستويات ارفع وأكبر بكثير...

لم يعد الفلسطينيون يستطيعون القبول بأقل من إزالة الحصار بالكامل، وقيام دولة فلسطينية حرة مستقلة على جزء محرر بالدم هذه المرة، بدل سلطة مسخ تلعب دور حراسة الإحتلال...

إذا كانت حرب ٢٠٠٦ رفعت حزب الله إلى مصاف قوة إقليمية تكرست أكثر مع اندلاع الحرب الكونية على سوريا فإن حرب غزة اليوم رفعت اليمن، وأنصار الله تحديدا إلى مصاف قوة إقليمية ثانية لن يلبث أن يلحق بها العراق مع الحشد الشعبي الذي بدأت ضرباته تزيد من المستوى التدميري للقواعد الأميركية...

لكن، وحتى إشعار آخر، يجب أن تظل هذه القوى تضرب باسم فلسطين وتحت بند جبهات مساندة لفلسطين كما قال السيد نصرالله...

يجب أن تظل فلسطين هي القضية...

يجب أن تظل المبادرة، وقيادة محور المقاومة بأيدي الفلسطينيين إلى أن تتكرس المقاومة الفلسطينية قوة إقليمية بدورها...

وحده هذا ما سوف يجبر العالم على الاعتراف بشعب فلسطين...

لكن وبما أن الأميركي ومعه البريطاني والألماني والناتو بشكل عام قد دخل المعارك بشكل أكثر مباشرة، وأكثر جنونا وأكثر لاعقلانية؛ يستوجب هذا الأمر خروج كل تلك القوى عن دور المساندة في لحظة ما والدفع باتجاه أعلى...

يجب طلب قيام دولة ديمقراطية واحدة من النهر الى البحر يتساوى فيها كل السكان من عرب ويهود مع عودة كاملة لكل اللاجئين إلى فلسطين والعمل على رفض أي تطهير عرقي وإقامة انتخابات على أساس صوت واحد لكل فرد...

كما يجب ارتفاع طلبات المحور إلى أقصى المطالب لكل فريق بما يخصه تحديدا...

هذا وحده ما سوف يفرض إعادة النظر في الطابع الوجودي للكيان، ويعمل على إنهاء المشروع الكولونيالي مرة واحدة والى الأبد...

حتى الآن تتعالى وتيرة الحرب وترتفع درجات عمقها...

حتى الآن يسير الجميع إلى توحيد كل الجهود من أجل إنهاء الاستيطان كمقدمة لإنهاء الاستعمار حيث يحدد الفيلسوف نعوم تشومسكي هذا الاستيطان كأعلى مرحلة من مراحل الإمبريالية...

أنها نهاية سيطرة الرجل الأبيض...

زوال اسرائيل يستوجب استكمال المعارك ضد الإمبريالية الأميركية وأذنابها حتى الإطاحة بكل هذا الوجود تماما كما تنبأ فوكوياما مع فارق بسيط:

إن صراع الحضارات سوف ينتهي بأفول العصر الأميركي...

سوف تجد اميركا نفسها دولة، ربما عظمى لكن بالتأكيد ليست الأعظم...

سوف يصل هذا التحرر ليشمل حتى أوروبا نفسها وفقا للمؤرخ الفرنسي ايمانويل تود الذي يرى أن كل بلاء الغرب ناتج عن الخضوع لهيمنة الأنكلو ساكسون (هو يطلق عليهم صفة هيمنة نزعة البروتستانت)...

أنها نهاية تاريخ الحضارة البيضاء، وعودة الأمة العربية إلى هذا التاريخ...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري