كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: تكثر التحليلات، وروح المقاومة تحتفظ بالسر العظيم.
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: تكثر التحليلات، وروح المقاومة تحتفظ بالسر العظيم.
حليم الشيخ
21 شباط 2024 , 06:33 ص

كتب الأستاذ جليم الشيخ محمد: 

كل يوم بدل الضيف على الشاشات، يتناوب عشرات الضيوف...

كل يدلي بدلوه...

شاشات الإحباط لها ناسها ولها جمهورها الذي يتراوح ما بين العمالة الذاتية والعمالة الموضوعية...

هؤلاء محتارون، وينشرون الحيرة بين من يصدق ويتبع على "العمياني"..

ساعة يتهمون حزب الله باغتصاب السلطة في لبنان وجر البلد الى حرب تدمير شامل...

وساعة أخرى يتهمون حزب الله بعدم الفاعلية في حرب إسناد غزة من منطلق الإستفزاز لعل الحزب يخطو خطوة ناقصة فتقوم اميركا بتخليصهم من هذا الهم الجاثم على صدور كل عملاء الداخل والخارج معا...

شاشات المقاومة لها أيضاً رموزها...

أكثرهم يوحي بصلات ما له مع المقاومة تسمح له بمعرفة أمور على الأرجح أن المقاومة نفسها غير حاسمة فيها...

أما شاشات المابين بين، فهي على القطعة... لا يعرف المشاهد ماذا تريد... في الظاهر هي مع فلسطين ومع المقاومة... في الحقيقة، هذه الشاشات تبدو وكأنها تريد الشيء ونقيضه في الوقت ذاته...

في الغالب، شاشات المابين بين تجارية كل همها إظهار العناوين المثيرة دون أي أساس فلا يبقى من السياسة أي علم...

ما يهمنا اليوم هم ضيوف شاشات المقاومة...

المفروض بهؤلاء امتلاك شيء من المنطق انطلاقاً من كون مصدر الخبر هو الفاعل الذي يحدد كيفية سير الحرب...

ثم أن معظمهم مروا في حقل العلوم السياسية من منطق أن هذا علم وليس مجرد سفسطة حكي...

يخرج بعضهم ساردا إن العدو اعترف بارتكاب أخطاء عن غير قصد في مجزرتي عيناتا والنبطية، وإن هذا العدو ارسل توضيحا و"اعتذارا!" إلى المقاومة في المرتين...

ربما يأمل هؤلاء تبرير عدم رد المقاومة ردا متناسبا كما يأملون وكما تأمل بيئة المقاومة...

وصل الأمر بأحدهم إلى التشكيك بصواريخ صفد رغم أن عدم تبني هذه الصواريخ ينطلق من سياسة الغموض البناء التي من الأرجح أن حزب الله يتبعها، وألا "بكون الحزب عم يلعب"...

نحن جميعا نعرف أن قدرات محور المقاومة غير متناسبة مع قوة المحور الغربي الصهيوني، لذلك من الطبيعي أن لا تسعى إيران الى حرب نظامية مباشرة...

إيران ليست كما حزب الله أو أنصار الله...

أي حرب مباشرة بين الأميركيين وإيران سوف تعني تدميرا هائلا للدولة الإيرانية ومن المؤكد أن ليس هذا هو المطلوب من المتحمسين في جمهور المقاومة...

المقاومة تحتاج إلى طهران سليمة قوية كما كانت هانوي لسايغون...

كما أمنت هانوي تحويل اسم سايغون إلى مدينة "هو شي منه" الحرة الخالدة، نحتاج إلى طهران لإعادة اسم أم الرشراش إلى إيلات تل أبيب إلى الربيع...

صحيح أن أميركا نفسها سوف تتلقى ضربات موجعة وأن اميركا لن تستطيع احتلال إيران وسوف تهزم بالتأكيد إذا ما هي حاولت ذلك...

لكن الخسائر في إيران قد تكون ضخمة جداً إلى درجة أن المستفيدين من هذا الدمار الهائل مثل السعودية وتركيا لا يمكن التعويل عليهما في مستقبل حرية المنطقة...

ورغم العمل الجبار الهائل الذي قامت به حماس، إلا أن طريقة الحوار القائم الآن عن طريق مصر أو قطر هو شيء لا يطمئن لاتخاذ قرارات مصيرية...

كذلك تعدد الأجنحة داخل حركة حماس لا يدعو إلى الطمأنينة...

هناك جناح تركي لا يعول عليه، وجناح إخواني يكاد يساوي سلطة رام الله في سوء الخيارات...

كل هذا قد يمنع إيران أو حزب الله من الذهاب الى خيارات تاريخية حاسمة...

لذلك على حركة حماس التشبث بشروط تبييض السجون، وفك الحصار لو مهما حصل...

تجربة البوسنة وكوسوفو هنا لا تبعث على الطمأنينة حيث انتهى هذان البلدان إلى الإرتماء في احضان الإمبريالية الأمريكية وحلف الناتو...

بعضهم تصل به الحماسة والإيمان بقدرات خارقة لمحور المقاومة إلى الدفع باتجاه مواقف قد تكون سابقة للأوان...

هناك درسان مهمان في جوهر العلوم السياسية...

الدرس الأول عام ويخص الجميع، أنظمة ومقاومات؛ يقول هذا الدرس بعدم وجوب كشف الأوراق عند أول ضربة...

هذا ما فعلته سوريا مثلا قبيل حرب تشرين يوم خسر الطيران الحربي السوري عشرات الطائرات في معارك جوية متفرقة دون أن يطلق صاروخا واحدا باتجاه الطيران الإسرائيلي...

لكن ما أن بدأت حرب تشرين، فاجأ حافظ الأسد الاسرائيليين بقدرة الدفاعات الجوية على إسقاط طائرات الفانتوم الأميركية والميراج الفرنسية كما الذباب بفضل جدار من صواريخ سام...

الدرس الثاني وهو الأهم في العلوم السياسية يقول إن أي مقاومة مهما بلغت قوتها لا يمكن أن تحقق انتصارا كاسحا على قوة نظامية اكبر منها وأكثر قوة بأضعاف مضاعفة إلا في حالة واحدة:

الاستنزاف العسكري والسياسي في حرب طويلة الأمد وفي معارك غير تقليدية...

لقد تحدى أحدهم اسرائيل بأن دبابة ميركافا واحدة لن تدخل الى مارون الراس في أي حرب شاملة قد تقع مع حزب الله...

قد يستبسل المقاومين فعلا كما فعلوا في حرب تموز ٢٠٠٦، حيث اضطروا إلى دحض مانشيتات صحف الإحباط التي نشرت أن قوات الاحتلال اخترقت الحدود على محور مارون الراس...

لكن سرعان ما تنبهت المقاومة لهذا الأمر وسمحت لدبابات الميركافا بالدخول إلى وادي السلوقي حيث تكبد في يوم واحد أكثر من ثلاثين دبابة إلى درجة أن دولا كثيرة بينها الهند، ألغت بعد معركة وادي الحجير صفقات شراء هذه الدبابات من الجيل الرابع...

تنبأ أحد الضيوف أمس بأن غارة الغازية قرب صيدا بعمق حوالي الاربعين كلم عن الحدود سوف تؤدي إلى رد حازم وقوي من المقاومة...

صحيح أن عدم الرد النوعي أحياناً يؤدي إلى حالات إحباط عند الجمهور الذي يريد ضربة بضربة انطلاقاً من تهديدات السيد نصرالله التي وضعت خطوطاً تحاول أن تحافظ عليها...

هناك من طالب أمس بالرد على صيدا عبر استهداف حيفا، كما هناك من وضع من تلقاء نفسه معادلة عكا مقابل النبطية...

إن عدم قيام حزب الله بالرد الفوري لا يعني على الإطلاق أن الرد لن يأتي...

ترجيح أن تكون إسرائيل هي من فجر مرفأ بيروت لا يعني أن المقاومة لا تعرف ذلك او لا تؤمن بالتحليل الذي يقول بذلك...

لكن قصف مرفأ حيفا مباشرة، وهذه أمنية كل بيئة المقاومة؛ هذا يجب أن لا يحصل إلى بعد اندلاع الحرب الشاملة...

الحرب آتية آتية... لكن بالصبر يتم قطف عناقيد الغضب...

حرب قطاع غزة لم تنته، ولن تنتهي بهذه البساطة...

حتى لو تم تدمير رفح عن بكرة أبيها وهذا احتمال وارد جداً لن تنتهي حرب القطاع...

طالما هناك أسرى مع المقاومة الفلسطينية، وطالما هناك فلسطيني يحمل السلاح لن تنتهي حرب القطاع...

حتى لو استشهد عشرات الآلاف يجب أن لا تقبل المقاومة بأقل من تبييض السجون وفك الحصار...

لمن لا يعرف حقائق عن احتلال فرنسا للجزائر...

قبل حرب التحرير تجاوز عدد ضحايا الاستعمار الفرنسي السبعة ملايين جزائري مقابل خسائر فرنسية تكاد لا تذكر؛ بينما ارتقى حوالي المليون ونصف المليون جزائري أثناء حرب التحرير مقابل خسائر فرنسية فادحة أجبرت الاستعمار على الإنسحاب ونيل الجزائر للحرية...

خسائر الاستسلام والخضوع هي دائما أكبر بكثير من خسائر القتال والصمود...

إن التوقف عن المقاومة لن يقلل من خسائر الفلسطينيين وما يحدث في الضفة خير دليل...

بينما استمرار المقاومة واعتماد الحرب الشعبية الطويلة سوف يكلف الفلسطينيين أقل بكثير من الخسائر، ويجبر الاحتلال على تكلف أثمان عالية جداً سوف تؤدي إلى التحرير ونيل الحرية والعيش بكرامة وإنسانية...

دماء غزة نقلت الفلسطينيين إلى انتصارات عالمية منقطعة النظير...

دماء رفح، ولا احد يتمنى ذلك؛ لكن دماء رفح هي ما سوف يؤدي إلى السقوط الإسرائيلي الكبير...

المهم الصمود وعدم التنازل...

المهم عدم الخضوع للضغوط العربية سواء كانت مصرية أو قطرية أو غير ذلك...

كلهم باستثناء دول محور المقاومة، عندهم أجندات غير فلسطينية...

يقول المثل الشعبي، " وصلت اللقمة إلى الفم"...

ما النصر إلا صبر ساعة...

تكاد الدولة الفلسطينية تصبح حقيقة...

لكن يجب التمسك بشرط تبييض السجون وفك الحصار وربما حتى المطالبة بوضع الضفة تحت سلطة الأمم المتحدة لحماية السكان من المستوطنين...

ربما آن الأوان لتعلن الضفة العصيان المدني السلمي الذي لم يجرؤ عليه محمود عباس حتى اليوم بعد كل المصائب التي تسبب بها هو ومن ماثله...

ربما آن الأوان لإضراب مفتوح في كامل الضفة حتى تتحقق الحماية الأممية للشعب الفلسطيني...

أي تهاون في المفاوضات سيؤدي إلى كارثة ويرمي كل الدماء التي سقطت حتى اليوم في بحر الخسارة والنسيان...

حتى لو بقي طفل في غزة يحمل السلاح أفضل ألف مرة من الهرب إلى اللجوء...

البلدان العربية التي خانت القضية الفلسطينية طيلة سبعة عقود لن تؤمن لكم الحياة الكريمة...

سوف تظلون لاجئين عبيدا داخل غيتوات مخيمات اللجوء...

كل حديث، كل وعد آخر ليس أكثر من عملية تخدير قبل الذبح...

قدر الفلسطيني أن يكون هو عود ثقاب الثورة العربية الكبرى التي سوف تطيح بكل تلك الأنظمة الخائنة...

تذكروا أن النكبة الأولى حصلت بفضل نفس هذه الأنظمة حين دخلت الجيوش العربية وطلبت منكم اللجوء المؤقت ريثما تنهي مهمة التحرير في كذبة دفع الفلسطيني ثمنها خمسا وسبعين عاما من الذل والمهانة...

من يترك وطنه ولا يدافع يعيش ابد الدهر في الذل...

هذا هو الدرس الفلسطيني...

فلتكن دماء رفح هي السيل الذي سوف يجرف الاحتلال...

هكذا ينتصر الدم على السيف...

هكذا يقاوم السيفَ المِخرزُ...

هذا هو سر روح المقاومة العظيم الذي لا يمكن أن يهزم...

القتال حتى التحرير أو الشهادة في حرب طويلة تكون درب آلام شعب يسعى إلى الحرية والمجد وسوف ينالهما حتماً..


المصدر: موقع إضاءات الإخباري