لست أدري أهم مجانين أم فقدو عقولهم، فلم يعودوا يميزوا بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، وبين الطاهر والنجس والنظيف والقذر، والطيب والخبيث، أم تراهم يستهبلوننا ويستخفون بعقولنا، ويظنون أننا بلهاء مثلهم، سفهاء نشبههم، وجهلاء نصدقهم، وأذلاء نتبعهم، وصبية نقلدهم.
أم تراهم يضحكون على الله عز وجل ويهزأون منه، ويظنون أنه يستجيب لهرائهم ويلبي أمنياتهم، عندما يسألونه سبحانه وتعالى الشفاء للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومعافاته من المرض ونجاته من كورونا، ويطلبون من المسلمين عامةً، وأئمة المساجد والخطباء وجموع المصلين، الدعاء له بالسلامة والشفاء والصحة والعافية، وكأنه ولي أمرهم وسلطان بلادهم، أو الخليفة عليهم، الذي تجب طاعته وتلهج الألسن باسمه، وتدعو الله عز وجل له بالصحة والسلامة وطول العمر.
ما شأننا نحن وترامب وزوجته، فليذهب إلى الجحيم هو ومن معه، وحتى صهره وابنته، وليصبه الوباء الذي أنكره، وليحل به المرض استخف به واستحقره، وليذق من ذات الكأس التي ذاق مرارتها ملايين البشر من قبله، وليتجرع السم الزعاف الذي يستحقه، فقد أصابه من الله عز وجل ما يستحقه، ونزل به العقاب الذي يليق به، وإن كنا نعلم يقيناً أنه لن يعاني كما عانى ملايين المصابين من قبل، فالدولة الأمريكية بكل إمكانياتها تقف معه، وأضخم المستشفيات تستقبله، وأمهر الأطباء يشرفون عليه ويسهرون على صحته، وهو يتلقى العلاج المناسب والدواء الشافي، الذي يحبسونه عن فقراء المرضى، ويخصون به كبار المصابين وأثريائهم.
لا يعنينا أمر ترامب وشأنه، ولا يهمنا إن أصيب أو شفي، أو إن مات وهلك، أو فطس ونفق، فأمره موكولٌ إلى الله عز وجل، لا نتدخل فيه ولا نؤثر في حكمه، ولا نقف في وجه قضائه، وإن كان عامة المسلمين وفقراء العالم، يدعون عليه ويتمنون هلاكه، ويكرهونه ويرجون موته، فقد استعلى واستكبر، وطغى وتغطرس، وبغى وظلم، وعلا في الأرض واستبد بالخلق، وأغرق العالم بالمشاكل والأزمات، وتسبب في مقتل آلاف المسلمين وتدمير بلادهم، ونهب خيراتهم وسرق أرزاقهم، وما زال يخطط للنيل منهم وتجريدهم، وحرمانهم مما أفاء الله عليهم وخصهم به من نعمٍ وخيراتٍ وأموالٍ.
غريب أمر ولاة أمورنا، الأوصياء علينا، الأمناء على ديننا، الناصحين لأمتنا، الغيورين على عقيدتنا، الذين يحملون أمانة ديننا ومسؤولية أجيالنا، يطلبون من الضحية الدعاء للجلاد، ويسألون المظلوم الدعاء لظالمهم، ويتوقعون من المعتدى عليهم والمساء إليهم، الدعوة لمن نابذهم العداء وبادرهم بالعدوان، وطغى عليهم بقوة السلاح وجبروت القوة، وأثخن فيهم قتلاً، واعتدى على حقوقهم ظلماً، وصادر أموالهم وأرضهم غصباً، وفرض عليهم شروطه ذلاً، وضغط عليهم وعاقبهم ليأتوه ذاخرين صاغرين، خاضعين لحكمه، راضين بقضائه، ومسلمين بسلطانه، وهو الأهوج المعتوه، العتل الزنيم، الهائج المجنون.
نسي هؤلاء الجهلاء وإن كانوا يسمون في بلادهم علماء، أن الرئيس الأمريكي ترامب وصف المسلمين بالهمج، وأنهم إرهابيون قتلة، وغوغاء دهماء جهلة، وحاربهم في بلاده، ومنعهم من الهجرة إليها أو زيارتها، ثم قام بسلخ مدينة القدس عن عمقها العربي والإسلامي، واعترف بها جزءاً من الكيان الصهيوني، وعاصمةً أبديةً موحدةً له، ومضى يعترف بالاغتصاب، ويشرع الاستيطان، ويوافق على سياسات الاحتلال، ويمهد الطريق لطرد الفلسطينيين من بلادهم، وحرمانهم من وطنهم، ضمن ما عُرف باسم صفقة القرن، التي تعترف بفلسطين كلها للكيان الصهيوني، وتفرض على الفلسطينيين أشكالاً من الحلول المسخة التي تتجاوز حقوقهم، وتجهض أحلامهم، وتحرمهم من كل ما كان لهم.
ألا يدري هؤلاء الذين يدعون أنه علماء وأنهم ورثة الأنبياء، أن الذي لا يستطيع النوم قلقاً وخوفاً على صحة ترامب وسلامته، ويخشون أن يموت مبكراً قبل أن يحقق أمانيهم ويلبي طموحاتهم، إنما هم اليهود الصهاينة والمسيحيون الإنجيليون المتطرفون، الذي يعادون العرب والمسلمين، ويؤمنون بالتفوق اليهودي والاستعلاء الأنجليكاني، ويؤمنون بأن فلسطين هي أرض الميعاد وهي وطن اليهود، وأنه آن الأوان لأن تعود لهم خالصة نقية من كل الأغيار، فلا يسكنها غيرهم ولا يعيش فيها سواهم، وقد استبشروا خيراً بالرئيس الأمريكي الذي آمن بخزعبلاتهم وعمل على تحقيق أساطيرهم، ولهذا فإنهم يخشون على حياته، ويخافون من موته، فيسألون الله عز وجل له الصحة والسلامة وطول العمر، فقط لأنه يخدمهم وينفعهم وينفذ مشروعهم، فهل استوى هؤلاء العلماء معهم، واشتركوا وإياهم في الهدف والرؤية، وفي الحلم والأمل.
اللهم يا الله، يا رب السماوات السبع والأرضين، يا قاهر الجبارين ومهلك العتاة الظالمين، يا ربنا ورب المستضعفين، اهلك ترامب ومن والاه، ودمره ومن أيده، وأذقه اللهم الهوان صنوفاً والعذاب ألواناً، وانتقم منه يا الله شر انتقام، ولا تعده إلى بيته إلا حطاماً، وإلى مكتبه إلا بقايا حي، وجرده اللهم من ملكه وماله، واحرمه قوته وسلطانه، وأدم اللهم عذابه، وأطل ألمه، وزد في مرضه، وافجع به أهله وشعبه، ولا تريه في حياته يوماً أبيضاً ولا حياةً كريمة، واجعله اللهم ومن أحبه وأيده عبرةً لذوي الأبصار، ودرساً لكل العصاة الطغاة، فإنه لا يستحق الرحمة ولا يستأهل غير العذاب، ولا يجوز عليه غير اللعن والرجم، فإنه شيطان رجيمٌ، عدوٌ ماكرٌ لئيم، متآمرٌ خبيث، قاتلٌ عنيدٌ، عنصريٌ بغيضٌ، فاشيٌ مريضٌ، أهوجٌ سقيمٌ، مجنونٌ غريبٌ.
بيروت في 6/10/2020