أطلقت الصين في 11 أبريل عام 2001 طاقم طائرة تجسس أمريكية يتكون من 24 فردا. الطائرة الأمريكية كانت هبطت في جزيرة هاينان الصينية عقب اصطدامها بطائرة مقاتلة صينية حاولت اعتراضها.
حادث التصادم وقع بتاريخ 1 أبريل عام 2001، فوق بحر الصين الجنوبي في منطقة تبعد عن مقاطعة هاينان الصينية بحوالي 110 كيلو مترا، بين طائرة تجسس أمريكية من طراز لوكهيد "إي بي -3 إي أريس"، ومقاتلة اعتراضية صينية من طراز "جي – 8"، كانت أرسلت مع طائرة أخرى من نفس الطراز لاعتراض الطائرة الأمريكية وإجبارها على الابتعاد.
كان يقود إحدى الطائرتين الصينيتين طيار برتبة ملازم أول يبلغ من العمر 33 عاما. نفذ من قبل عملية اعتراض مشابهة في يناير 2001. هذا الطيار اقترب عدة مرات من طائرة التجسس الأمريكية في محاولة إبلاغ طاقمها بضرورة الابتعاد. فجأة اصطدمت الطائرتان وهوت المقاتلة الصينية نحو البحر. تمكن الطيار الصيني من مغادرة الطائرة إلا أن مظلته لم تفتح في الوقت المناسب. سقط ولم يتم العثور على جثته. لاحقا، كرمت الصين الطيار القتيل، ومنحته لقب "الوصي على المجال الجوي والمياه الإقليمية".
طائرة التجسس الأمريكية تعرضت لأضرار نتيجة الاصطدام. أطلق طاقمها نداء استغاثة، وطلب النزول اضطراريا في جزيرة هاينان. سمح له بذلك. هبطت الطائرة واستلمها الصينيون، وقاموا برعاية طاقمها المكون من 24 شخصا لمدة 11 يوما قبل أن يسمح لهم بالعودة إلى بلادهم بعد دفع تكاليف معيشتهم!
الصينيون دخلوا الطائرة الأمريكية وقاموا بتفكيك أجهزتها السرية وفحص معداتها، ثم أعيدت في 3 يوليو من نفس العام. أصرت السلطات الصينية على تفكيكها وشحنها إلى الولايات المتحدة في صناديق.
كتاب بعنوان "سقوط الجاسوس" من تأليف خبير شهير في شؤون أجهزة الاستخبارات يدعى جيمس بامفورد، كشف الكثير من الاسرار التي اكتنفت هذا الحادث الخطير. المؤلف توصل إلى نتيجة مفادها أن أخطاء اقترفها "كبار جواسيس" الولايات المتحدة جعل من ذلك "التصادم المميت" في الجو، انقلابا استخباراتيا.
الخبير روى أن رحلات طائرات التجسس الأمريكية المكثفة بالقرب من تخوم الصين، كانت وترت العلاقات بين البلدين، وان مسؤولين عسكريين صينيين اشتكوا لنظرائهم الأمريكيين في مايو عام 2000 من خطورة تزايد رحلات التجسس الأمريكية الجوية وأنها تقترب بشكل متزايد من السواحل الصينية، إلا أن الأمريكيين لم يأبهوا بتلك الاعتراضات.
الخبير الأمريكي يصف الموقف الأمريكي بأنه كان متعجرفا، "لأن أي رئيس أمريكي لن يتسامح أبدا مع رحلات تجسس شبه يومية على بعد خمسين ميلا من سواحل أمريكا من قبل الصين أو روسيا أو أي دولة أخرى. غالبا ما ينظر إلى مثل هذه الرحلات على أنها تحضير للحرب. ولكن بدلا من تقليل الرحلات الاستفزازية، زادت منها وكالة الأمن القومي".
المؤلف ذكّر بمواجهة مشابهة بين طائرة استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية ومقاتلات صينية جرت في عام 1956. تلك الحادثة اسفرت عن سقوط الطائرة الأمريكية وتحطمها في البحر ومقتل جميع أفراد طاقمها المكون من 16 شخصا.
الخبير الأمريكي يروي أن الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور خاطب في اجتماع سري الأدميرال آرثر رادفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة في ذلك الوقت قائلا: " يبدو أننا نقوم بشيء لا يمكننا السيطرة عليه جيدا"، مضيفا في تلك المناسبة قوله: "إذا حلقت طائرات على بعد 20 إلى 50 ميلا من شواطئنا، فمن المحتمل جدا أن نسقطها إذا اقتربت، سواء بالخطأ أم لا".
أما بشأن طائرة التجسس الأمريكية في عام 2001، فالكتاب يشير إلى أن أفراج الطاقم قبل أن تهبط طائرتهم اضطراريا قاموا باستخدام الفؤوس "لإتلاف بعض أجهزة الكمبيوتر المحمولة، فيما تركت دون أن تصاب بأذى محركات الأقراص الصلبة الداخلية التي تحتوي على البيانات الحساسة. بالمثل تركت مكونات النظام المهمة مثل الموالفات ومعالجات الإشارات سليمة".
الخبير يروي حادثة طريفة. حين هبطت طائرة التجسس الأمريكية وخرج جميع ركابها، توجه حينها ضابط صيني إلى السلم وأراد الصعود. قطع الطريق عليه ضابط أمريكي قائلا: "لا يسمح لكم بالصعود على متن الطائرة... إنها ملكية أمريكية"، رد الضابط الصيني وهو يضحك قائلا: "لا بأس، سنحرسها لكم".
من بين التداعيات الهامة الناجمة عن الحادث، يستشهد الكتاب بقول الخبير العسكري الصيني تشو تشين مينغ، في معرض حديثه عن مقتل الطيار الصيني، إن "وفاته كان حادثا، لكنه تسبب في العديد من التغييرات".
خبير بحري صيني أخر يدعى لي جي، ذكر أن حادثة التصادم تلك في عام 2001، أعطت الصين درسا مفاده أن الدولة القوية لا يمكنها الاعتماد على اقتصاد نابض بالحياة فقط، بل وتحتاج على جيش قوي".
المكسب الصيني الرئيس، والذي يصفه المؤلف بالخطير يتمثل في أن حادثة إي بي -3 إي، زودت "الصين بقدرة هائلة على اكتشاف النجاحات التي تمكنت وكالة الأمن القومي من تحقيقها على مر السنين والعقود. الآن هم يعرفون الرموز التي فكوا شفرتها والأهداف التي كانوا يحاولون الوصول إليها، ما يمنح الاستخبارات الصينية القدرة على تعديل الأنظمة وسد آذان وكالة الأمن القومي لسنوات أو عقود قادمة".