بيروت؛ ٦/٥/٢٠٢٤
ميخائيل عوض
غدر الزمن بسورية مرات وجعل اصلاحها وتطويرها معقدا وتأخر كثيرا.
غاب الرئيس حافظ الاسد في ظروف نوعية عملت بمجملها بعكس ما اسس له وتمناه وكان بصدد احداث نقلة نوعية ببنيتها ودولتها وحزبها بعد ان نجا فيها من اثار انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية نقلة اعد لتؤهلها لقيادة حقبة المقاومة بعد نصر ال٢٠٠٠.
تسلم الرئيس بشار سورية فاشتدت الازمات وتركزت الجهود على استهدافها ولم يهدا لها بال من خواصرها؛ بغداد وبيروت ومن الشمال والجنوب تربصت بها المخاطر والمؤامرات ولم تهادنها يوما.
التهبت الازمات واشتدت وتكاثرت عليها الذئاب من كل حدب وصوب.
اربعة وعشرون سنة من ولاية الرئيس بشار وسورية وعربها والاقليم في مخاضات قاسية بل غير مسبوقة فاحتلت بغداد وهددت دمشق من شرقها وقتل الحريري واشتعلت بيروت في وجهها.
لم تتوفر فرصة و زمن لمشروع الرئيس لاجتثاث الفساد ولإطلاق مشروعه التحديثي والنهضوي لسورية برغم ان رؤيته ومشروعه كان واقعيا واضحا عارفا بالواقع وتجلياته وما سيكون وكيف تدار الامور.
دهمت سورية ازمة سرعان ما تحولت الى حرب عالمية عظمى .فزج اعدائها كل واي ما لديهم من تحالفات واموال وضغوط وقوى ارهاب واجهزة امن وخبراء من كل حدب وصوب ونصبت الخيام باكرا لتهجير اهلها واقيمت غرف العمليات على طول حدودها ومن كل جهاتها وكسرت اسرائيل قواعد واتفاقات فصل القوات وبذلت ما استطاعت وقررت امريكا وحلفها احتلال وفصل اجزاء ثمينة منها وفرضت حصار قاس وتجويع بمشاركة عرب واسلامين وساحات وبلدان محسوبة على محور المقاومة" لبنان والعراق".
قليلون جدا من كانوا واثقين من قدراتها وانها كعاداتها ستتجلى اكثر. فجوهرتها تلمع اكثر كلما عرضت للاحتكاكات والحروب. فأنتجت ظاهرات غير مسبوقة وقررت تشكيلات وقواعد حروب وجيوش القرن الحادي والعشرين واعادت من منصتها روسية لاعبا عالميا اولا وحفزت الصين للانتقال الى المبادرة.
طيلة الحرب التي ضربتها ودمرت عمرانها واقتصادها وبيئتها الاجتماعية لم يكف الرئيس عن محاولات التطوير والاصلاح واولاها هما محوريا وجرب كثيرا وركز الهم على الاصلاح الاداري والتنمية البشرية والادارية.
صارت الاعباء هائلة والضغوط الاجتماعية والحياتية لا تطاق وموارد الدولة تراجعت حديا واشتد الحصار مع قانون قيصر وتجريم التطبيع معها واشتدت العقوبات وزادت رهانات اسقاطها بالجوع واو بالضغوط لتغير نهجها وموقفها والقيم التي انتجتها والتزمتها ودفعت الاثمان.
منذ حين وبتقانة وهدوء وبتفعيل الدولة والمحاسبة واستعادت الاموال والمشاريع التي تم نهبها وتهريبها لأباطرة ورجال اعمال ومال تمكنوا وكانوا نافذين جدا لم يتخيل احد ان يتم تهميشهم بالسرعة والتقانة وبلا اي شوشرة او توترات فحققت حملته غايتها باقل قدر من الاهتزازات.
ثلاثية سورية الذهبية بقيت بفاعلياتها وديناميتها ما مكن الرئيس من تحقيق الغايات بسلاسة فالشعب بأكثريته الساحقة والاه وفوضه وامن به وبقدراته.
والجيش والمؤسسة العسكرية استمرت تجسد روح سورية التاريخية والوثابة التي جبلت كرامة ووطنية وعروبة واخلاص ومقاومة.
والقائد الذي لم تهتز شعرة من جفنه للمؤامرات والحملات والضغوط التي ناءت تحتها الجبال واهتزت لشدتها.
فهذه الثلاثية هي جوهر سورية وخاصياتها وعدتها للظفر بالنصر مهما اشتدت المخاطر وتكاثرت المؤامرات والضغوط.
بالاستناد لها وبمعرفتها العميقة ومعرفة الواقع وتجلياته وتوازناته على كل الاصعدة بذل الرئيس جهودا نوعية وادار وقاد اجتماعات اللجنة المركزية للحزب وراهن على الانتخابات الفرعية وقد اسس نظريا باعادة تعريف الحزب ونظريته ودوره وتعريف العقيدة والاشتراكية والعلاقة بين الدولة والحزب القائد والدعم والاقتصاد والاجتماعي واكد على مقولة اقتصاد السوق الاجتماعي مستندا على تجارب الشعوب والامم وتجربة سورية نفسها التي استعرضها كما جرت . وعرف العروبة والاسلام والمسيحية ومكونات الامة ومشروعها العصري.
وبثقة وتصميم اكد التزامات سورية الوطنية والقومية والتمسك بخياراتها وتعزيزها وبذلك قطع الشك باليقين وافشل محاولات المتاجرة والاتهام التي سوقت ومفادها ان الاجراءات التي يعتمدها بالمصالحات العربية او بالتغيرات العازم على اجراؤها في الحزب ودوره هي بمثابة تأهيل سورية لحقبة تطبيع وخيانة ومغادرة موقعها كقلب وكقبضة محور المقاومة وسندها الاكثر متانة وصدق والتزام.
اما بعد؛
فقد قاد الحزب واهله لنقله متقنة وموفقة وذات دلالات عما يستعد له في المجالات الاخرى خاصة الدولة وبنيتها وهويتها ودورها وقواعدها فجأت الانتخابات بنتيجة اقصاء القيادة التقليدية للحزب وامنت وصول جدد ممن يثق بهم وبخبرتهم وتجربتهم.
احالة قادة الحزب التقليديين الى التقاعد تشي بانه سيفعلها في مجلس الشعب في انتخاباته القريبة وبعده في الحكومة والمؤسسات والمحافظين وشتى الادارة بما يوازي ثورة من فوق تسمى بالنموذج السوري الحركة التصحيحية.
ثورة التصحيح حان زمنها ونضجت ظروفها وتفرضها الحاجات المادية ودور سورية ووجوب ان تقود حقبة عصرنة المشروع القومي وتفعيله، وتؤمن نهوضها واتمام سيادتها بتحرير ارضها المغتصبة من الترك والارهاب وامريكا والاطلسي والاسرائيلية
تجديد قيادة الحزب توصف بانها راديكالية وخارجة عن المألوف وربما مفاجئة لأوساط راقبت الانتخابات الفرعية وافترضا انها تعيد انتاج ذات البنية لترسيخها والحؤول دون الاصلاح والتطوير.
قد تستوجب خطوة تطوير الحزب واعادة هيكلته وتأهليه لدوره المراهن عليه إجراءات متممه بإعلان حالة طوارئ حزبية لسنتين تمكن القيادة الجديدة من اعادة هيكلته من القاعدة وفي مختلف المستويات واعداده ليكون فاعلا في دوره ومكانته ومهامه الجديدة بعد اعادة تعريفه وتعريف الدولة والعلاقة بينهما.
والحركة التصحيحية التي بدأت بالحزب لابد ان تشمل كل اوجه الادارة التي تقادمت وشاخت وتحولت الى بيئة الافساد وانتاج الفساد والهدر والتعطيل.
واعادة تعريف الدولة ووظيفتها وطبيعتها وتاليا اعادة هيكلتها ومؤسساتها باتت واجبا بعد ان يتم تامين الكتلة الهائلة من الموظفين والعاملين معها وحفظ حقوقهم المقدسة فترشيقها ومكننتها وتحريرها من اعباء البطالة المقنعة المرهقة والمكلفة جدا للمجتمع .
سورية تشق طريقها بوعي وثبات الى اعادة الهيكلة والعصرنة والتحديث لتنهض ولتقود كشأنها عبر التأريخ ومنطقه.
فالمنتصر يكتب التاريخ ويقود في المستقبل.
وقد توفرت لها الظروف والشروط والبيئات وحرب غزة تتوج تضحيات ونضالات العرب ومحور المقاومة بانتصار تاريخي يجب ما قبله.
والثلاثية الذهبية الحاملة لمشروعها والامينة على روحها ومكانتها في اعلى تجلياتها وثقتها بالنفس وبالشعب وبمعرفة الواقع الملموس والسعي الى المستقبل.
عن ثورة التصحيح والدولة والادارة والاصلاح الاداري والاقتصادي والسياسي كنا نشرنا دراسات موسعة وسنعود لنواكب الجديد.
كتبنا سلسلة دراسات منها:
مساهمة في النقاش؛ سورية في حقبة احتواء الازمات تأسيسا لحقبة النهوض والقيادة اعتبارا من
٢١/٢/٢٠٢٢ على سلسلة حلقات.
لمن يرغب دراساتنا ومقالاتنا التي قارب الحالة السورية منشورة في وسائط التواصل والشبكات.