الباحث محمد محفوظ جابر
5/6/2024
حققت "إسرائيل" في حرب حزيران 1967، نصرا كبيرا، له نتائج مهمة عسكريا وسياسيا واقتصاديا الخ... وخسر العرب في هذه الحرب المزيد من الأراضي لصالحها، (69 ألفا و347 كلم مربع)، ولتجميل المصطلح استخدموا كلمة "نكسة" بدل نكبة رغم ان الاحتلال في 1967 توسع 3 اضعاف مساحته في حدود 1948.
وفي هذه الحرب 1967، جرى تدمير قرى اللطرون شمال غرب القدس وتهجير اهلها، وهي عمواس وبيت نوبا و يالو، وقرية بيت عوا جنوب غرب الخليل، وحي المغاربة وحي الشرفا في القدس القديمة.
أجبرت تلك الهزيمة حوالي 300 ألف عربي من سكان الضفة الغربية على الهجرة من ديارهم، معظمهم اتجه إلى الأردن، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة أضيفت إلى مشكلة اللاجئين عام 1948، وكتب المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس حول ذلك:
"هناك أدلة أن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي أمروا عبر مكبرات الصوت سكان الضفة الغربية ترك منازلهم وعبور الأردن. وأن الحافلات بدأت بنقل المواطنين من 11 يونيو يوميًا ولمدة شهر تقريبًا، وعند الجسر كان عليهم التوقيع على وثيقة تنصّ على أنهم غادروا بمحض إرادتهم.
ووفقا للإحصاء الفلسطيني، قتل في هذه الحرب ما بين 15 ألفا إلى 25 ألف عربي، وأصيب حوالي 45 ألفا، ضمن الاستراتيجية الصهيونية في حرب الابادة والتهجير للشعب الفلسطيني.
منذ هزيمة حزيران، تطبّق السلطات الإسرائيلية سياسة هدفها تهجير عشرات التجمّعات السكّانية التي تنتشر في منطقة تبلغ مساحتها نحو 60% من مساحة الضفة الغربية تلك التي جرى تصنيفها كمناطق C ويعتاش سكّانها على الزراعة ورعي الأغنام، عبْر خلق واقع معيشيّ يصعب تحمّله إلى حدّ اليأس منه، ومن ثمّ الدفع بهم إلى الرحيل عن منازلهم وكأنّما بمحض إرادتهم. (بتسليم 13تشرين الثاني 2023)
كتب وليد حباس في 15في أبريل 2024 حول إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان المستوطنات.
وتستخدم السلطات وسائل التهجير التالية:
1- اعلان الجيش الاراضي المستهدفة مناطق اطلاق نار لإخلاء السكان منها.
2- اقامة مستوطنات وتوسيعها بعد مصادرة الاراضي
3- هدم المباني ومنع البناء للسكن او لمنشآت للاستفادة منها للزراعة او الثروة الحيوانية والحرمان من الكهرباء والماء للضغط على الفلسطينيين للهجرة.
4- استخدام المستوطنين في الاعتداء على الفلسطينيين، ويعملون بدعم الدولة وبرعاية الجيش والشرطة، ويتم ذلك عبر تقديم التدريب العسكري لهم وامدادهم بالسلاح واصدار الفتاوى الدينية لأعمالهم العدوانية. وقد تضاعفت مؤخرا هجماتهم على الفلسطينيين، ضمن خطة ممنهجة صهيونية لتفريغ الضفة المحتلة من سكانها، بعد وصول قادة متشددين لسدة الحكم، سموترتش وبن غفير، كما ان العديد من ضباط وعناصر لواء "كفير" العامل في الضفة الغربية هم من خريجي المدارس الدينية العسكرية للمستوطنين. واشتدت الهجمات في العام 2023، بعد تشكيل الحكومة المتطرفة، وتفاقمت بعد طوفان الاقصى، ودفعت بأكثر من 1500 مواطن فلسطيني من 25 تجمعًا على الأقل إلى الفرار من منازلهم ومناطقهم، ما يرفع نسبة المهجّرين في العام الماضي إلى ثلاثة أضعاف، ما كانت عليه الأمور في العام السابق.
وتروي هيئات الأمم المتحدة العاملة في الضفة الغربية في تقاريرها الدورية الى الامين العام، أن هجمات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين تواصلت على امتداد السنوات، ولكنها تضاعفت بعد السابع من أكتوبر، ووصلت إلى متوسط خمس هجمات يوميًا، ما أدى إلى استشهاد عدد غير قليل من الفلسطينيين، وبلغ عدد الشهداء من هجمات الجيش والمستوطنين 500 شهيد.
في أوائل الثمانينيات، تشكلت منظمة إرهابية سرية "محتيرت" من المستوطنين المتطرفين التابعين لتيار الصهيونية الدينية. في الثاني من حزيران 1980 حاول أعضاء المنظمة اغتيال ثلاثة من رؤساء البلديات الفلسطينيين ووضعوا لهم متفجرات في سياراتهم: كريم خلف وإبراهيم الطويل وبسام الشكعة (أدت إلى بتر رجليه).
في العام 1994، نفذ باروخ جولدشتاين مجزرة إرهابية في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وكان ناشطاً في حركة "كاخ".
ما ورد ليس الا نماذج من اعمال المستوطنين الارهابية، وقد نشرت وسائل الاعلام الكثير منها حرق البيوت على من فيها واشارت الى المنظمات الارهابية الجديدة ومنها "لهافا" التي تقود مسيرات الاعلام في القدس و"تدفيع الثمن" التي تهاجم الممتلكات.
وتركّز السلطات الإسرائيلية مساعي التهجير في المناطق التالية، بهدف خلق ظروف تسهّل ضمّ هذه الأراضي إلى حدود "دولة إسرائيل" قانونيًّا في إطار تسوية مستقبلية، وحتى ذلك الحين تعمل "إسرائيل" على ضمّها فعليًّا:
1. القدس وهي ضمت فعليا، وامعانا في سياسة التهجير قال نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس أريه كنج : يجب ان ندرك ان عرب القدس مثل عرب غزة ، اغلبيتهم صامتة تدعم الارهاب، يجب طرد هؤلاء الملعونين وعائلاتهم من اسرائيل.
وتم التركيز على:
ا- سلوان والشيخ جراح: تم الاستيلاء على بيوت فيها وطرد السكان منها واحلال المستوطنين.
ب- منطقة "معليه أدوميم": تم التهجير في ما يعرف بـ"بوابة القدس الشرقية" على أراضي عناتا، والعيساوية، والزعيم، في محاولة منها لربط كتلة مستوطنات "معاليه أدوميم" بمدينة القدس، والتمدد منها الى تجمعات يسكنها عرب الجهالين في المنطقة المعروفة (E1) ، وصولاً إلى البحر الميت.
2- جبال الخليل: في أيار 2022، قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إن إسرائيل مخولة صلاحية الإعلان عن جزء كبير من منطقة تلال جنوب الخليل كـ "منطقة إطلاق نار" وتهجير نحو ألف من السكان الفلسطينيين، وسبق أنْ رحّل الجيش سكّانًا من هذه المنطقة في نهاية عام 1999 بحجّة إعلانها "منطقة إطلاق نار" ويعملون الآن على ترحيل باقي السكان.
3. منطقة الأغوار: هنالك ما يقارب 2,700 شخص يسكنون في نحو عشرين تجمّع رعوي في الأغوار، في أراضٍ أو على أطراف أراضٍ أعلنها الجيش مناطقَ إطلاق نار. تسعى الإدارة المدنيّة بوسائل مختلفة إلى منع هؤلاء الفلسطينيين من مواصلة السّكن في مناطق الأغوار الشمالية، ومناطق شفا الغور.
4- منطقة نابلس: تم تهجير خربة طانا / شرق نابلس وتجمع بيت دجن في محافظة نابلس.
5- منطقة رام الله: تهجير اهالي: قرية عين سامية شمال شرق رام الله بسبب هجمات مستوطني "كوخاف مشاحر" وتجمع الرعاة في البتلعة شرق رام الله بسبب هجمات من مستوطني متسبيه حجيب ونفيه إيرز ومتسبيه دانا.
6- منطقة بيت لحم: تعرضت للتهجير الكلي تجمعات برية تقوع، وخلّة الحمرا، واستولى مستوطنون على كهوف البادية الشرقية في المحافظة، وحولوها الى مسكن.
ان ما يتم من تهجير داخلي في الضفة المحتلة ليس الا مقدمة لعملية الترحيل الأهم والأكبر وهي باتجاه الاردن:
أفاد تقرير صادر عن "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان"، بأن "منظمات المستوطنين" تنظر إلى الحرب التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة باعتبارها "فرصة ذهبية للتهجير والتطهير العرقي في الضفة الغربية المحتلة"، ودعت الفلسطينيين إلى الهجرة إلى الأردن.
ومن هذه الجماعات منظمة تطلق على نفسها اسم "هاجروا الآن"، وتدعو على صفحتها في "فيسبوك"، "الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الهجرة إلى الأردن قبل فوات الأوان.
و تنشر صورة لخريطة يظهر فيها أجزاء من الأراضي الأردنية ضمن الخريطة الإسرائيلية الجديدة، وهي خريطة حملها "بتسلئيل سموتريتش" معه الى باريس العام الماضي، يتوسطها شعار منظمة "الأرغون" الارهابية الصهيونية.
وحسب هذه المنظمة فإن خرائط التهجير وتوزيع المهجرين واضحة: أهالي محافظة طولكرم الى عجلون، ومحافظة جنين الى اربد، ورام الله الى عمان، واهالي الخليل الى الكرك، فيما أهالي قطاع غزة الى سيناء.
إن الانتصار للمقاومة العربية والفلسطينية وأهالي غزة الذين سيدخلون الشهر التاسع من الصمود امام العدو الذي هزم ثلاث جيوش عربية في ستة ايام من حرب حزيران ، سيحول هزيمتهم الى مقدمة لهزيمة العدو الصهيوني وكنس الاحتلال.