بطولات الميدان، نقطة أم فاصلة
مقالات
بطولات الميدان، نقطة أم فاصلة
حليم خاتون:
26 كانون الأول 2024 , 05:22 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

بعد الهزيمة الساحقة التي ألحقتها الامبرياليات الغربية بمشروع القومية العربية في التحرير والتحرر والوحدة خلال خمسة أيام من حزيران ٦٧؛ وبعد القبول بهذه الهزيمة عبر القبول بوقف إطلاق النار؛ أعلن جمال عبدالناصر بشجاعة تحمل كامل المسؤولية، والتنحي عن مركز قيادة محور القومية العربية الذي كانت تقوده القاهرة...

هل كان الخامس من حزيران ٦٧ نكسة ام هزيمة؟

كل شيء مرتبط بما سوف يجري بعد وقف النار...

خرجت الجماهير العربية في كل مكان تطلب من عبد الناصر العودة إلى القيادة ومحو آثار ما حصل في الخامس من حزيران...

لم يكن الأمر مسرحيا...

طغى الشعور بالعزة القومية على كل شيء...

قاد عبد الناصر حرب استنزاف رغم كل الجراح ورغم كل الألم، تماما كما فعل رجال حزب الله خلال ٦٦ يوما في الميدان على شريط حدودي مع الأراضي المحتلة تراوح عرضه بين عدة أمتار وستة كيلومترات في الحد الأقصى...

بعدالبدء بحرب الاستنزاف سنة ٦٧، طلبت اسرائيل النجدة كما هي العادة دوما من الامبريالية الأميركية؛

جاءت مبادرة روجرز لوقف النار ومحاولة الوصول إلى حل سياسي!!...

رغم علمه بأن الوصول الى حل لا يمكن ان يحصل الا بعد الانتصار على محور الامبريالية، قبل عبدالناصر مبادرة روجرز من أجل بناء جدار من الصواريخ لحماية الداخل المصري من عربدة الكيان، تماما كما العربدة التي تحصل اليوم على لبنان...

توفي عبد الناصر عن ٥٢ عاما على الأرجح اغتيالا، فتحولت نكسة حزيران إلى هزيمة تكرست مع توقيع معاهدة كامب ديفيد التي اخرجت مصر من الصراع وحولتها إلى جمهورية موز يبني فيها رئيس الدولة(عبد الفتاح السيسي) قصورا فارعة بينما نسبة كبيرة من شعب مصر تعيش على حافة الفقر...

زاد ارتهان مصر للخارج بسبب ديون كانت أيام عبد الناصر حوالي مليار دولار فاذا بها اليوم تزيد على مئة وخمسين مليارا...

كل ذلك لم ولا يمنع تقويم المرحلة الناصرية في مصر ووضع الأصابع على الجراح عبر الاعتراف بالخطايا المميتة التي ارتكبها النظام الناصري والتي توجها بانتظار هجوم الكيان عليه بدل المبادرة إلى الحرب، تماما كما فعل حزب الله ومحور المقاومة منذ الثامن من اكتوبر ٢٠٢٣ وحتى وقف النار في ديسمبر ٢٠٢٤...

تحت بند الصبر الاستراتيجي، استمر المحور بتلقي الضربات تحت وهم الشرعية الدولية او الضمير الإنساني العالمي...

من يعتقد أن بالإمكان التعايش مع الكيان الصهيوني عليه ان يعرف ان زرع هذا الكيان له هدف واحد رئيسي وهو عدم السماح لأي منطقة او قطر عربي بما في ذلك لبنان ان يكون دولة...

ممنوع التطور في كل المجالات...

ممنوع النمو الاقتصادي المنتج...

ممنوع الخروج من التبعية...

نستطيعان نكون كازينو...

نستطيع ان نكون ملهى ليلي...

لكن ابدا لا يمكن أن تسمح إسرائيل بأن نكون دولة...

لهذا وقعت الحرب الأهلية سنة ٧٥، لهذا أُغرق البلد في الفساد...

لهذا تمت محاصرة لبنان ماليا واقتصاديا حتى انهار...

يكفي ان نعرف ان تدمير مرفأ بيروت لم يكن كما يعتقد الاغبياء من اللبنانيين بحجة وجود أسلحة وذخائر...

تم تدمير مرفأ بيروت...

يمنع تطوير مرافئ في طرابلس او صيدا او صور لأن المطلوب ان تكون مرافئ حيفا واسدود وعسقلان وإيلات هي مراكز التجارة البحرية في المنطقة، وصلة الوصل بين آسيا وأوروبا...

حتى لو تخلينا عن فلسطين، لن يتركنا الكيان بحالنا...

الذي لا يصدق هذا عليه مراجعة التاريخ، ورؤية ما كان يفعله الكيان في لبنان وعلى لبنان بين ١٩٤٨ و١٩٦٩...

غزوات، غارات، إقتحام قرى واختطاف الناس...

اغتيالات بالمفرق والجملة...

تكفي الإشارة هنا إلى تدمير اسطول الميدل إيست سنة ٦٨ حين لم يكن هناك أي وجود لأي مقاومة على ارض لبنان...

اما اذا كان علينا تحرير فلسطين، على الأقل لإغلاق ملف المخيمات والتخلص من مشكلة اللجوء الفلسطيني، فعلى من يريد هذا أن يحارب مع الأخذ في الحسبان دوما أن الامبريالية العالمية هي من سوف يكون في الميدان...

في كل الأحوال علينا التهيوء دوما للحرب...

من يريد السلم، عليه الاستعداد للحرب...

كيف يمكن هذا وأقصى ما يستطيع الجيش اللبناني اقتناءه من سلاح في زمن الذكاء الصناعي والمسيرات والصواريخ والنووي، هو أسلحة موجودة في متاحف الدول الأخرى...

لذلك، وفي كل الأحوال، يجب وضع احتمال التعرض لاعتداء في الحسبان والتهيوء دوما لمحاربة كيان عنصري استعماري تقوم عقائده على قاعدة محو الآخر من الوجود وفي احسن الأحوال أن نكون من خدم السبت عند اليهود...

هل هذا ما نريده لنا ولأطفالنا؟؟

على من يريد الحرب أو الاستعداد للحرب أن يقوم بما يجب عليه أن يقوم به حتى النهاية او ان يقفل فمه ولا يحارب، ويرضى بعيش الذليل...

تلقت المقاومة الإسلامية ضربات مزلزلة تشبه ما حصل لجمال عبدالناصر...

١٦٠٠ غارة في يوم واحد على كل مواقع حزب الله في كل لبنان وجزء من سوريا...

في العلم العسكري لا يمكن لدولة تملك حوالي ٤٠٠ طائرة قاذفة القيام بهذا العمل في يوم واحد...

هذا صحيح وفقا لكثير من التحاليل العسكرية لعل أبرزها ما قاله الجنرال عمر معربوني...

أي أن هناك من شارك الكيان الصهيوني في هذه الغارات من الامبريالية او أذيالها في المنطقة...

لكن المصيبة لم تكن في هذا...

المصيبة كانت في عدم وجود قرار بالرد بالمثل كما كان يعد السيد نصرالله وفقا لقواعد الردع المتبادل...

ما يؤكد هذا هو أن الكيان احتاج الى حوالي ٦٠٠ غارة امتدت لعدة أيام حتى قضى على كل مقومات الجيش السوري بعد انهيار البلد وهروب بشار الأسد...

لكن ١٦٠٠ غارة على مواقع حزب الله لم تجر في نفس الوقت بل امتدت على الأقل ٢٤ ساعة...

ماذا يعني هذا؟

يعني اننا لم نكن نملك قرار الرد...

٣٥٠ صاروخ، منها ١٧ صاروخا على تل أبيب أجبرت الكيان على طلب وقف النار الذي دخلنا فيه عبر هوكشتاين...

لو كان هناك قرار بالحرب فعلا لوجب على المواقع التي لم تستهدف في الدقائق الأولى من ال ١٦٠٠ غارة أن ترد فورا وتقوم باستهداف كل القواعد الجوية على مساحة فلسطين التاريخية بما في ذلك استهداف تل أبيب نفسها...

لو حصل هذا لتوقفت الحرب فورا، مع المحافظة على معادلة الردع...

هذا لم يحصل بسبب عدم وجود قرار بالحرب، لا عند المحور، ولا عند حزب الله...

طالما هم لا يريدون الحرب، لماذا دخلوا فيها من الأساس...

طالما هم لا يريدون الحرب لماذا أنشأوا المقاومة اصلا...

هل يمكن لأي ذي عقل أن يتخيل أن بامكانه القضاء على إسرائيل دون مواجهة حلف غربي شرقي عريض قام بتصدير اليهود من جميع أصقاع الأرض لاستيطان فلسطين، ومع الوقت بناء إسرائيل الكبرى...

على المرء القرار إما الاستعداد للحرب وتحمل كل ويلاتها وأكلافها التي سوف تحصل حتما، أو الانتظار في البيت حتى تفرض علينا الامبريالية الغربية السيادة الصهيونية على كل الشرق الأوسط وعلى لبنان أيضا...

قبِل حزب الله بوقف للنار وفق اتفاق الضرورة...

لكن هذا لا ينفي مسؤولية احد ما عما حصل...

من المسؤول عن عدم وجود قرار بالرد وفق معادلة الردع؟

هنا السؤال الأهم...

هناك أكثر من مؤشر أن حزب الله دخل إلى هذه الحرب (رجل إلى الامام، ورجل إلى الوراء)...

لكن الأكيد أن حزب الله كان قادرا رغم كل الخروقات على تثبيت معادلة الردع الذي كان قائما...

كان يكفي الرد منذ الدقائق الأولى لل ١٦٠٠ غارة لكي يرفع الكيان العشرة، ويطلب وقف النار منذ اليوم الأول كما حصل بعد ال ٣٥٠ صاروخا...

هناك من يتهم إيران ويقول إن السيد كان قائدا للمحور دون امتلاك الكلمة الأخيرة...

هناك من يقول أن السيد رفض مقابلة الوزير عراقتشي الذي أتى إلى لبنان احتجاجا على مواقف إيران المتذبذبة...

هل كان حزب الله بحاجة فعلا إلى بشار الأسد الذي رفض دخول الحرب علّ ذلك يبيض صفحته عند الغرب...

ما كان في حوزة الحزب كان اكثر من كاف لتثبيت معادلة الردع، لكن الذي سبّب النكسة هو فقدان القرار، (لا رأي لمن لا يطاع)..

الذي يعرف السيد نصرالله بعد أكثر من عقدين من القيادة يعرف جيدا أن هذا الرجل لا يكذب...

من يعرف السيد نصرالله يعرف جيدا أن هذا الرجل كان يملك القرار لكن هناك من خذله...

لقد احتاجت حرب حزيران ٦٧ إلى عدة سنوات قبل انكشاف الكثير من أسرارها وحتى اليوم هناك الكثير مما لا نعرف عما حدث ليلة الرابع من حزيران ٦٧...

كم من الوقت سوف يمر قبل أن نعرف من الذي خذل السيد نصرالله...

لا يلوم المرء الشيخ نعيم قاسم على قبول وقف النار للكثير من الأسباب ليس تدمير آلاف الصواريخ من بينها...

أهم اسباب القبول بوقف النار هي داخلية بشكل كبير، لكن هناك أسباب عربية واقليمية بشكل أكبر...

كون سوريا لم تعد من محور المقاومة كان معروفا للسيد نصرالله قبل استشهاده...

ألم يكن يجب اخذ هذا في الحسبان؟

لكن اليقين يقول بأن هناك خط لا تقبل إيران بأن يتم تجاوزه...

إيران ابتلعت اغتيال سليماني ثم ابتلعت اغتيال العلماء حتى وصلنا إلى اغتيال رئيسي وعبداللهيان...

إيران غير ملامة إذا رفضت دفع ثمن تحرير الإرادة العربية في زمن الخيانة العربية لكل ما هو كرامة وعزة وسيادة...

كل هذا فرض على حزب الله القبول باتفاق الضرورة الذي حصل...

ما جرى من أحداث بعد ذلك يشي بأنه كان يجب القبول بهذا الاتفاق واعتماد المقاومة البرية كما في أواخر القرن الماضي من اجل الدفاع عن لبنان في حال بقيت إسرائيل في الجنوب بعد انقضاء مهلة الستين يوم...

حافظ الشيخ نعيم على ما تبقى من قوة، وهذا ليس قليلا، حتى لا يطعنه احد في الظهر...

أظهرت أحداث سوريا صوابية هذا القرار...

الخرق الذي طال حزب الله على كبره واهميته، لا يقاس بالخرق الحاصل في كل المنطقة...

يكفي مشاهدة أعراس الكثير من الفلسطينيين احتفالا بالمأساة التي حلت بسورية...

يكفي رؤية توزيع الحلوى وسن السكاكين في الكثير من مناطق لبنان لكي نعرف اي خطر يهددنا في عقر الداخل اللبناني...

اتفاق الضرورة الذي قبلت به المقاومة الاسلامية في لبنان يشبه كثيرا موافقة عبد الناصر على مشروع روجرز...

ما عندنا من قوة الآن كاف لمنع الغطرسة الصهيونية، مع إيران، أو بدون إيران...

المستقبل ليس ورديا كما يحاول جماعة أميركا في لبنان الإيحاء...

علينا منذ اليوم الاتكال على انفسنا فقط لانه لا يحك جلدنا الا ظفرنا...

إذا استمر الكيان بالعربدة دون رد بعد انقضاء مهلة الستين يوما تكون

هناك نقطة على السطر بعد بطولات الميدان، ونقر بالهزيمة...

أما إذا استمر الكيان بالعربدة وبدأت مقاومة فعلية بالرد بالعمليات تكون مدة الستين يوم فاصلة أظهرت لكل الكلاب في لبنان وخارج لبنان إنه فقط بالمقاومة يمكن لهذا البلد أن يبقى ونكون دخلنا مرحلة الدفاع الفعلي عن البلد...

عندها، وفقط عندها ننتقل إلى مرحلة جديدة لا يكون عنوانها الإسناد لأي كان؛ بل الدفاع عن لبنان ومن اجل تحرير ما تبقى في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع مع رفع شعار وجوب إعادة كل اللاجئين إلى بلادهم ورفض اي توطين لأي مجموعة كانت في هذا البلد...

تحت هكذا شعار يمكن وجود مقاومة لا يستطيع الا العملاء رفض شعارها...

أما في الداخل اللبناني فعلى حزب الله تنظيف صفوفه من الانتهازيين، وهم كثر؛ ومن البرجوازيين الذين ينظٍرون للتعامل مع أميركا بغير لغة القوة...

اما الحلفاء، فلا حاجة لكثير ممن اظهروا وجوههم الحقيقية البشعة...

يجب منع اي تحالفات مع كل من لا يقف مع هذا الشعار الثلاثي:

١-الدفاع عن لبنان بكل الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح...

٢-تحرير كل شبر من أرض لبنان، وكل نقطة ماء بما في ذلك حقل كاريش...

٣-اعادة كل اللاجئين إلى بلادهم ورفض توطين اي مجموعات غير لبنانية بغض النظر عن أصولها ودينها ومذهبها...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري