كتب الأستاذ نضال بركات:
إن العمليات العسكرية للقوات اليمنية كجبهة إسناد لغزة أقلقت “إسرائيل” والقوى الكبرى بعد أن حددت القوات اليمنية بنك أهدافها بدقة، وهو ما تم بالفعل من خلال منع أي سفن تنقل وتحمل بضائع إلى داخل الأراضي المحتلة، واضعة بذلك معادلة وموازين قوية هي الدخول والسماح للسفن بالعبور للكيان الإسرائيلي مربوط برفع الحصار عن قطاع غزة ومن كل الجوانب, وهذه المعادلة عززتها بنوعية الأسلحة التي استخدمتها خلال هجماتها على السفن والبوارج الحربية الغربية ومنها, زورق طوفان المدمر وهو رابع سلاح نوعي يكشف عنه خلال شهر واحد بعد صاروح فلسطين الباليستي وزورق طوفان واحد وصاروخ حاطم الفرط صوتي, وهذا الزورق طوفان المدمر هو زورق هجومي مسير يمني الصنع يتميز بقدرة تدميرية عالية وتكنولوجيا متطورة يحمل رأساً حربياً يزن من ألف إلى ألف وخمسمئة كيلوغرام ويتم التحكم به يدوياً وعن بعد وتبلغ سرعته خمسة وأربعين ميلاً بحرياً في الساعة, ووفق موقع بزنس انسايدر الأمريكي فإن الزورق المسيّر أكثر تطورًا بكثير من القارب الذي ضرب السفينة “توتور”، ما يسلط الضوء على القدرات المختلفة في الترسانة العسكرية اليمنية, ويعد تحولاً نوعياً في إمكانات البحرية اليمنية, ونقل الموقع الأمريكي عن تسعة خبراء عسكريين أمريكيين قولهم إن هذه القفزة النوعية لدى اليمن تأتي في ظل افتقار البحرية الأمريكية إلى حاملة طائرت في المنطقة بعد انسحاب أيزنهاور.
لقد أثبت اليمنيون أنهم قوة لا يستهان بها, ووفق ما أكدت صحيفة فورين بوليسي التي نعت فشل العمليات البحرية الأمريكية والبريطانية والأوربية في البحر الأحمر بعد أشهر من العمليات البحرية المكثفة، أن جهود اضعاف هذا البلد على استهداف السفن أصبحت مغامرة مكلفة جداً وانتهت إلى “لعبة” باهظة الثمن, ووفق الصحيفة الأمريكية فإن فشل القوى البحرية الرائدة في العالم في البحر الأحمر، يثير تساؤلات مؤلمة حول جدوى القوة البحرية وكفاءة القوى البحرية الغربية التي يفترض أن تتحمل العبء في أي مواجهة مستقبلية مع منافس رئيسي مثل الصين.
إن هذه القوة التي باتت تخشاها ليس دول المنطقة وإنما القوى الكبرى من تأثيرها على مجرى الأحداث في الشرق الأوسط وقدرتها على استهداف مواقع الاحتلال الإسرائيلي بالمسيرات والصواريخ الباليستية البعيدة والتي تصل إلى أهدافها وتلحق أضراراً كبيرة بالمواقع الإسرائيلية, ما أربك قادة الاحتلال من قدرة اليمنيين على توسيع ضرباتهم إلى جبهة جديدة مثيرة للقلق في البحر الأبيض المتوسط وفق ما أكدته قناة “آي 24 نيوز” الإسرائيلية التي نقلت عن مصدر إسرائيلي قوله: إن سيناريو التهديد بوصول الصواريخ إلى البحر الأبيض المتوسط، سيكون كارثة لا يقتصر الأمر على ميناء “إيلات” والبحر الأحمر، وإنما التهديد هنا في الموانىء على البحر الأبيض المتوسط كميناء حيفا”, وهذا ما حدث بالفعل من خلال استهداف ميناء حيفا قبل أسبوع بالتنسيق مع جبهات الإسناد الأخرى فيما بين القوات اليمنية والمقاومة العراقية. وجاءت هذه العملية بعد أن أكد اليمن في وقت سابق من الشهر الماضي أنهم سيوسعون حملة هجماتهم على السفن التجارية التي تركزت حتى الآن إلى حد كبير في البحر الأحمر، إلى البحر الأبيض المتوسط.
والسؤال الهام بعد فشل العمليات البحرية الأمريكية والبريطانية والأوربية في البحر الأحمر هل من بدائل أخرى لتطويق اليمن؟
من الواضح بأن الولايات المتحدة التي كثفت من عملياتها العسكرية بالتعاون مع القوات البريطانية واستهداف المواقع اليمنية لم تستطع التأثير على القوات اليمنية, حتى إنها طلبت من الدول الخليجية المساعدة في حملتها ضد اليمن, إلا أن الدول الخليجية رفضت السماح لقواعد عسكرية أمريكية وغربية في دول الخليج بتنفيذ هجمات على اليمن, لكن البعض اقترح على الولايات المتحدة استخدام منطقة أرض الصومال للتعامل مع الحملة ضد اليمن في البحر الأحمر بدلاً من حاملات الطائرات الأمريكية، لكن الأمر يتطلب ميزانيات ضخمة وعدداً كبيراً من الأفراد.
من الواضح بأن القوات اليمنية أفشلت كل التحركات الغربية خاصة الولايات المتحدة لتدويل الممرات البحرية وإنشاء قوة عالمية لحمايتها, ولم يكن ذلك إلا نتيجة معادلة الردع التي فرضتها القوات اليمنية من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط مروراً بالبحر الأحمر, وما يؤكد ذلك هو قرار البحرية الأميركية سحب حاملة الطائرات “أيزنهاور” والسفن المرافقة لها, وهذا لا يمكن تصنيفه إلا بالانكسار ليضع القوات المسلحة اليمنية في الواجهة كمؤثر بمساحة مائية هي جزء من المجالات الحيوية المائية العالمية, والانكسار الأمريكي يشير إلى أن اليمن استطاع تغيير مفهوم المعركة البحرية من خلال مواجهة أساطيل كبيرة بأسلحة صغيرة وغير مكلفة, ما يعد رسالة قوية للقوى الكبرى المنافسة للولايات المتحدة على إمكانية العمل على تطوير هذه الأسلحة الصغيرة لقدرتها على إلحاق الهزيمة بالأساطيل والمعدات العسكرية الضخمة...