يشكل الامن الوطني او القومي الاساس والقاعدة التي ترتكز عليها الدولة بكافة سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية والسياسية والاقتصادية.ومن اهم الادوات التنفيذية اجهزة الامن وسياج الوطن الجيش.لا يوجد دولة في العالم بلا اجهزة مخابرات لحفظ الامن واستقرار المجتمع واجهزة استخبارات عسكرية مهمتها جمع المعلومات العسكرية عن الدول المجاورة بصرف النظر عن كونها صديقة ام معادية .تقوم هذه الاجهزة بعمليات تقييم وتقدير للمواقف وتضعها بين يدي صانع القرار لكي يتصرف على ضوئها.
فيما يتعلق بالاردن فان جغرافيته السياسية وحدها تشكل مصدر تهديد لامنه القومي حيث ان لديه اطول حدود مع فلسطين التي يجثم عليها كيان يشكل القاعدة المتقدمة للاستعمار العالمي .كيان استيطاني عنصري اجلائي وتوسعي.والاردن تحيطه دول عربية كبيرة سورية والعراق والسعودية ومصر.منذ الاحتلال الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ والحرب العثمانية الاردوغانية الاخوانية والارهابية العالميةعلى الدولة السورية واخيرا طوفان الاقصى والمستجدات التي طرأت حاليا وتداعياتها وهي عمليات الاغتيال التي نفذها الكيان في العاصمة اللبنانية بيروت والعاصمة الايرانية طهران التي وضعت الاقليم وربما العالم باسره على حافة الهاوية السحيقة والاردن في عين العاصفة الهوجاء.
كشفت حرب الاستنزاف الجارية مع الكيان جوهره الاجرامي والتوسعي الاستيطاني القائم على التطهير العرقي والابادة الجماعية التي يمارسها في الضفة الغربية( يهودا والسامرة ) قلب وجوهر المشروع الصهيوني.ان قرار الكنيست الصهيوني الذي يرفض اقامة كيان فلسطيني ولا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني اصلا ويجاهر بان الاردن هو الوطن البديل.لا شك ان الدولة في الاردن تعي وتدرك خطورة هذه السياسة الصهيونية على الامن الوطني الاردني، وهي تسعى جاهدة لوقف الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني ، وتتحرك اقليميا ودوليا لوقف هذا العدوان
كان الاردن فيما مضى قويا وفاعلا عندما كان يلعب دور المنطقة العازلة (Buffer Zone)بين الكيان الصهيوني في الغرب منه والسعودية والعراق وسورية.ان التحولات الكبرى التى افرزتها حرب الخليج والاحتلال الامريكي للعراق ولبننته حسب دستور بريمراضعف الدور الاردني في الاقليم ولن يضير امريكا التضحية بالدولة الاردنية على مذبح قاعدتها المتقدمة في الاقليم الكيان الصهيوني.
عندما كان هناك الحد الادنى من التضامن العربي مع دول الطوق كانت دول الخليج العربي تقدم لها المساعدات المالية وكان الاردن في ذلك الوقت مستقرا اقتصاديا وكانت الحكومة تراقب اسعار المواد الاولية للمستهلك.استثمرت الدولة الاردنية في المواطن من حيث تسليحه بالعلم والمعرفة وكان للملك حسين المرحوم مقولة تعبر عن ذلك: (( المواطن اغلى ما نملك.)) فانتشرت الجامعات والمعاهد بالاضافة الى المبتعثين في الخارج مما جعل الاردن في مقدمة الدول العربية التي ترفد دول الخليج في كل ما تحتاجه من خبرات مؤهلة على كافة الاصعدة.شكلت تحويلات العاملين في الخليج مصدرا ماليا وافرا انعكس على النمو الاقتصادي واستقرار وامن المجتمع. لكن دول الخليج في بداية الالفية الثالثة زخرت بمخرجات التعليم لابنائها من امريكا واوروباوفوق هذا قامت بتوطين الجامعات الامريكية والاوروبية والاسترالية في بلدانها والتي على نتائجها خلقت مشكلة لهذه الدول حيث لم تعد قادرة على استيعاب مخرجات التعليم لديها وصارت دولا شبه مقفلة امام مخرجات التعليم العربية مما فاقم من ازمة التحويلات الخارجية وانعكس على البطالة في الاردن وارتفاع معدلاتها سنويا.وفي ظل العولمة والتجارة الحرة نجد ان المنتجات الصناعية الاردنية تواجه صعوبة المنافسة من حيث جدلية السعر والجودة مما يؤدي الى تقليل الايدي العاملة ودفعها الى جموع العاطلين عن العمل وبما ان الطبقة المتوسطة هي التي تنتج وتستهلك مما تنتجه فان يد البطالة تطالها وتجذبها الى منطقة الفقر والعوز .ان البطالة تعني تقليل القدرة الشرائية وخنق النمو الاقتصادي الذي يؤدي الى زيادة الفقر والعوز وحتما الى زيادة معدلات الجريمة وانحراف الافراد الذين يصبحون فريسة سهلة لقوى التطرف الارهابية التي قد تعصف بالامن الوطني.وفي مثل هذه الظروف يستشري الفساد الذي لا يقل خطرا عن العوامل الاخرى التي تهدد الامن الوطني.
ان المتجول في العاصمة عمان لا يحتاج الى عناء البحث والتدقيق ليعرف الفجوة الهائلة بين عالم الاثرياء وعالم الفقراء .في ستينيات القرن الماضي زار بيروت شاعر واديب عربي وجال في احيائها الشرقية الفقيرة التي تتكلم العربية دون خلطها باية كلمة فرنسية واحيائها الغربية الغنية التي يفاخراهلها باستخدام اللغة الفرنسية في احاديثهم ويعرضون في متاجرهم افخم الازياء والعطور الفرنسية.خلص الى استنتاج مؤداه ان هذا الوضع في مدينة بيروت ( مرأة لبنان)سيفضي الى حرب اهلية وصراع دموي.عندنا مثل شعبي يقول:(( الفقر يؤدي الى الزّقر)).وهذا ما يستثمر فيه اعداء وخصوم الاردن وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني.ان سياسة الكيان الاجلائية في الضفة الغربية التي تهدف الى تهجير فلسطينيي الضفة الغربية الى الاردن ليزيدوا من حالة الفوضى الاجتماعية والاقتصادية.بعد التجربة المريرة التي عانى منها الشعب الاردني الفلسطيني في سبعينيات القرن الماضي التي استثمر فيها الكيان الصهيوني على الجهل والاحتقان لم تعد مجدية في وقتنا هذاحيث الاجماع الوطني الواعي (( شعب واحد لا شعبين))لم يبق امام الكيان الا زج الاردن في حالة فوضى اقتصادية تدفعه الى الاستدانة من صناديق النقد الاجنبية التي تفرض شروطا مجحفة تطال المواقف السياسية للدولة وتراكم الديون وتزيد من غلاء الاسعار وارتفاع الضريبة.في ظل الظروف المعقدة والحرب الدائرة منذ عشرة اشهر والمرشحة ان تتطور الى حرب اقليمية فانه ليس من الحكمة والعقل ان نطالب الاردن بان يقوم باستدارة استراتيجية بمواجهة الكيان والغاء معاهدة السلام والتحول الى الخيار العسكري .لان مثل هذه الاستدارة تنطوي على مخاطرة تهدد وجود ومصير الدولة الاردنية.اننا نطلب المتاح فقط وهو دعم القضية الفلسطينية سياسيا ودبلوماسيا وقانونيا.واذا ما توفرت الشروط والظروف الموضوعية والذاتية فان الاردن لن يتاخر عن التحول الاستراتيجي الذي لم تنضج ظروفه بعد والمرتبطة جدليا بالاحتلال الامريكي للعراق وشرق سورية والاحتلال العثماني الارهابي لشمال غرب سورية.
نعود الى مقدمة المقال والدور الذي تقوم به اجهزة الامن والمخابرات الاردنية في الحفاظ على امن واستقرار المجتمع التي تطورت تطورا هائلا من حيث كفاءة وخبرات العاملين فيها المسلحين بالعلم والمعرفة والخبرات العالية.لكن الخطر الخارجي الذي يهدد الامن الوطني الاردني الان والحرب مشتعلة مع الكيان في الاقليم تتحمل الاستخبارات العسكرية الاردنية العبء الاكبر في مواجهته والتصدي له بالتعاون مع اجهزة الامن الاخرى .غالبا ما تقوم اجهزة الاستخبارات العسكرية في العالم بانشطة سرية ضد الدول التي تشكل تهديدا لامنهاالقومي والوطني.وما دام الكيان الصهيوني لا يخفي نواياه العدوانية تجاه الاردن دولة وحكومة وشعبا وارضا فان الاستخبارات العسكرية الاردنية واجهزة الامن لديها كل المبررات الوطنية والمسوغات الاخلاقيةكي تقوم بايذاء العدو وردعه ومنعه عن مواصلة قطعان مستوطنيه من الاعتداءات المتكررة والممنهجة على المدن والبلدات والقرى في الضفة الغربية عبر التعاون مع فصائل المقاومة الفلسطينية بنقل وامداد السلاح الى الضفة الغربية مما يمكن المواطنين من الدفاع عن انفسهم والتصدي لعمليات الابادة والتطهير العرقي ودرء خطر الوطن البديل.ان لدى اجهزة الامن والاستخبارات العسكرية الاردنية الهمة والخبرة والاقدام على انجاز هذه المهمات وكل ما تحتاجه هو الضوء الاخضر من صانع القرار.وليفهم العدو الصهيوني ان الاردن العربي وجيشه العربي الاردني"حفيد جيش علي بن الحسين العربي" وشعبه الابي سيكون الظهير والسند القوي.
هل نحن فاعلون؟.
م/ زياد ابو الرجا