بقلم :- راسم عبيدات
عمليتا الإغتيال اللتان جرتا في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي طهران 30و31/7/2024،واللتان طالتا شخصيتين كبيرتين عسكرياً وسياسياً،مسؤول النظم العسكرية الإستراتيجية في حزب الله اللبناني،القائد فؤاد شكر " الحج محسن"،والتي اعلنت امريكا عام 1983 عن رصد جائزة مالية بقيمة 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه ،لأنها تتهمه بأن من خطط وقاد عملية تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 ،والأخ اسماعيل هنية " ابو العبد الزعيم السياسي والرجل الأول في حركة حماس ومسؤول مكتبها السياسي ..عمليتا الإغتيال هذه، يبدو بأنه جرى الترتيب والتخطيط والإعداد وجمع المعلومات الإستخبارية عنهما لفترة طويلة،وعمليات اغتيال بهذا الحجم،تحتاج الى قرار في دوائر مغلقة وموافقة ومصادقة أمريكية نظراً للتداعيات التي قد تنتج عن تلك العمليتين،وربما تدفعان المنطقة والإقليم نحو حرب اقليمية،ولذلك المرجح أنه بلقاء نتنياهو مع بايدن في واشنطن بعد زياره الأخيرة وإلقاء خطابه امام الكونغرس الأمريكي،محفل الإفتراء العالمي...جرى التوافق على تلك العمليتين، واختيار ذريعة تستخدم وتوظف لتنفيذ تلك العمليتين، وجرى "تصنيع" عملية اطفال مجدل شمس،وإتهام حزب الله اللبناني بالمسؤولية عنها،وما تبع ذلك من توظيف " اسرائيلي لها،وقول بايدن والإدارة الأمريكية بأن ل" اسرائيل" الحق في الدفاع عن نفسها،ومن بعد اغتيال القائد فؤاد شكر،قالت أمريكا بأن عملية الإغتيال تلك يجب ان لا تؤدي الى الذهاب الى حرب شاملة،بل هي جزء من قواعد اشتباك يجب على حزب الله ومحور المقاومة التعايش معها،او الذهاب للحرب الشاملة..في حين مكان اغتيال هنية في طهران وليس في أي مكان أخر،واحد من اهدافه تسعير الفتنة المذهبية ،سنية – شيعية،وخلق شرخ وحالة من عدم الثقة بين طهران وحركة حماس،وكذلك اراد نتنياهو أن يظهر بأن " اسرائيل" متفوقة تكنولوجياُ واستخبارياً وقادرة ان تضرب في أي مكان وتصل الى الهدف الذي تريد،وإظهار ايران بالدولة المخترقة أمنياُ وغير القادرة على تأمين الحماية حتى لضيوفها،وكذلك هو أراد بها الهروب للأمام للتخلص من مأزق عجزه في قطاع غزة،وعدم قدرته على تحقيق الأهداف الإستراتيجية المتطرفة للحرب العدوانية التي خرج اليها على قطاع غزة،وأيضاً عدم قدرته على إعادة مستوطني الشمال الى مستوطناتهم،والأهم بالنسبة له توظيف الإنجاز التكتيكي في ترميم صورته واستعادة شعبيته أمام الجمهور " الإسرائيلي"،وتخفيف الضغوط السياسية والشعبية عليه،وتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين،وبالذات مع وزير حربه غالانت ورئيس اركان جيشه هليفي ورئيس " الشاباك" بار.
عمليات الإغتيال،هي منهج ثابت في الاستراتيجية والعقلية "الإسرائيلية" الإستعلائية ،وهي ترى فيها عامل ردعي وترهيبي لقوى المقاومة والمقاومين،وتعتقد بأنها تسهم في إضعاف قوى المقاومة،وتفككها قيادياً وتنظيمياً وتعمل على إنفضاض القاعدة والحاضنة الشعبية من حولهاً ،ولكن التجارب والتاريخ يعلمان، بأن عمليات الإغتيال تلك وسعت من حضور وشعبية تلك التنظيمات والقوى وإزدياد الإلتفاف الشعبي والجماهيري حولها،بدلالة أن الإحتلال قام بأكثر من 237 عملية اغتتيال بحق قوى المقاومة،شملت قيادات وازنة في تلك القوى،فعلى سبيل المثال جرى اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ احمد ياسين،وعدد من قياداتها الأولى الرنتيسي وسعيد صيام واسماعيل ابو شنب وقياداتها الميدانية منهم يحيى عياش والجعبري وغيرهم،وكذلك جرى اغتيال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي ،وبهاء ابو العطايا وغيرهم،والأمين العام للجبهة الشعبية ابو علي مصطفى وخليل الوزير ابو جهاد ابرز قادة حركة فتح وابا اياد وغيرهم،واغتيل الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي،وتلك الإغتيالات لم تسهم في اضعاف تلك التنظيمات أو تفككها وتحللها،بل وجدنا بأن اوضاعها وقدراتها وإمكانياتها العسكرية والتسليحية والتقنية والتكنولوجية وحضورها وشعبيتها،حدث بها قفزت نوعية عما كانت عليه سابقاً عدة مرات.
هناك اجماع عند وزراء سابقين وقادة مراكز ابحاث وزعماء سابقين لشعبة الإستخبارات العسكرية "أمان" ،وقادة لمركز الأبحاث القومي من أمثال نيتسان هورفيتش زعيم حركة "ميرتس" السابق والوزير السابق ،وكذلك تامير هايمن رئيس مركز الأبحاث القومي والعقيد احتياط كوبي ميروم ورئيس الأركان السابق والعقيد احتياط دان هرئيل والصحفي المشهور بن كسبيت ، بأن تلك الإغتيالاات ليس لها تأثيرات ملموسة أو كبيرة على الهدف الإستراتيجي،فهي تعطي شعور بالرضى في المدى القصير ،ولكن لا يوجد لها تأثيرات كبيرة على الأهداف الإستراتيجية،بل هي تدخل " إسرائيل" في حرب استنزاف طويلة،والحرب على سبع جبهات،وهي لم تسهم في تحقيق أهداف الحرب، بل هي تقرب من إندلاع حرب إقليمية،صحيح بأن حماس قد تضضر بعض الشيء مقتاً عبر اغتيال قيادات لها،ولكن هي تخرج أكثر قوة سياسياً وشعبياً،وتصبح رقم صعب محليا وعربياً وإقليمياً.
وفي النهاية وبشكل مكثف ،يمكن القول بأن عمليتا الإغتيال بحق القائدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية ،والهجوم على خزانات الوقود في اليمن ومحطة الكهرباء هناك ، لن تمكنا " اسرائيل" من فك الإرتباط بين جبهات الإسناد وجبهة قطاع غزة،وهي لن تمكنها كذلك من استعادة اسراها في غزة ولا كسب الحرب الإستنزافية المتواصلة منذ أكثر من عشرة شهور،ولا دفع حماس والمقاومة للإستسلام، وكذلك لم تمكنها من اعادة مستوطنيها المهجرين في الشمال الى مستوطناتهم ،ولن تفتح البحر الأحمر أمام السفن التجارية التي تحمل البضائع ل" اسرائيل"،أي انها فشلت في فك الحصار الإقتصادي البحري على موانئها من قبل جماعة " انصار الله" – اليمنية..
فلسطين – القدس المحتلة
5/8/2024