بقلم :- راسم عبيدات
في اعتقادي بأن رد المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حماس على دعوة البيان الثلاثي لإجراء جولة جديدة من المفاوضات الخميس القادم،لم يحدد مكانها حتى الآن ما بين القاهرة او الدوحة ...بالقول بأنه يتوجب على الأطراف الثلاثة تقديم خطة للتنفيذ وتنفيذ ما اتفق عليه،ولا حاجة للتفاوض من جديد،استناداً الى ما قبلته المقاومة في 2/7/2024،مبادرة الرئيس بايدن ومصادقة مجلس الأمن الدولي عليها وفق القرار 2735.
ولعل هذا الموقف يمثل موقف محور المقاومة بمجموعة من طهران مرورا بالضاحية الجنوبية فصنعاء فبغداد فدمشق وصولاً لفلسطين ...فالسيد نصر الله قال بأن جبهات الإسناد تقبل ما تقبل به المقاومة في غزة،وأن غزة بمقاومتها تفاوض نيابة عن المحور،ومن هذا المنطلق هذا البيان الصادر عن المقاومة وتمثله حماس ،عبر عن ذكاء استراتيجي في الرفض بالقول بوضع خطة عمل للتنفيذ وليس استمرار الدخول في التفاوض،أي على أطراف البيان الثلاثي إحضار موافقة نتنياهو على تفاوض مسقوف زمنيا للتنفيذ ،وليس القدوم للتفاوض على اتفاق الإطار وبنوده ،كما شكل تعيين السنوار ذكاء استراتيجي على خطوة اغتيال القائد هنية في طهران، فالرسالة هنا واضحة اغتلتم هنية رجل السياسية والإنفتاح على المفاوضات،والان تقفون امام من تخشونه ويشكل كابوسكم وكابوس رئيس وزرائكم،فها هو السنوار رئيساً للحركة ومفاوضاً عن المقاومة وقائداً لهذا المحور،ويحمل دم هنية كمسؤولية تستدعي الرد على جريمة اغتياله،والرسالة هنا واضحة لا نزول عن السقف الذي حدده هنية بمرونة سياسية في الشكل والمرحلية لعملية التفاوض دون التنازل عن الجوهر والأهداف،وأن تقود تلك العملية الى تلبية شروط المقاومة وتستجيب لأهداف الشعب الفلسطيني ولحجم التضحيات الكبيرة والثمن الباهظ الذي دفعه ويدفعه شعبنا،بوقف العدوان أولاً بشكل دائم وانسحاب شامل من كامل القطاع وعودة النازحين بلا شروط واعادة الإعمار وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل يلبي حاجة القطاع وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بما يستجيب لشروط المقاومة،وأنه لا قول بعد قول هنية وربما لا يكون هناك حاجة للتفاوض...أي على نتنياهو التفاوض مع الوسطاء حتى يقر بإطار الإتفاق وبنوده،وبعد ذلك يحين البحث في التنفيذ،والى حين ذلك ستبقى الأيام والليالي والميدان بين المحور و" اسرائيل" ومروحة حلفائها وشركائها من امريكان واوروبيين غربيين وبعض الأطراف الإقليمية والعربية الرسمية.
أمريكا التي تحشد سفنها وبوارجها واساطيلها ومدمراتها واحدث طائراتها في المنطقة وتسعى لإيجاد أوسع مروحة تحالف من الحلفاء والشركاء اوروبيين غربيين وإقليميين والعديد من دول النظام الرسمي العربي لحماية والدفاع عن " اسرائيل" من هجوم ورد مرتقب من قبل طهران ومحورها في المنطقة ،بالمقابل تجند دبلوماسيتها لتقف خلف البيان الثلاثي كفرصة اخيرة للتفاوض،ربما نافذتها باتت تضيق كثيراً وخاصة بأن هناك اجماع " اسرائيلي" في المؤسستين الأمنية والعسكرية ، بأن نتنياهو لا يريد تنفيذ الإتفاق ،وهو يأتي من أجل النقاش في اتفاق الإطار وبنوده وليس تنفيذه ،وهو يعتقد بأنه كلما أطال أمد الحرب ،كلما اقترب من تحقيق اهدافه،التي يجمع قادة جيشه في القطاع، بأن هذا الجيش بعيد كل البعد عن تحقيق ما يسمى ب" الإنتصار الساحق " أو الحاق الهزيمة بحماس وقوى المقاومة ،وبما تتزود به من سلاح عابر للحدود وطائرات مسيرة بأنواعها المتعددة والأنفاق الإستراتيجية...وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ومدير المخابرات المركزية " السي أي ايه" وليم بيرنز ،وبريت مكغورك كبير مستشاري البيت الأبيض الى منطقة الشرق الأوسط الى المنطقة للمشاركة في العملية التفاوضية...وهذا الحشد العسكري والدبلوماسي،يترافق مع مواعيد مقترحة للرد من قبل المحور ..والذي يبدو بأن هناك دلائل على قرب تنفيذه،وكل من طهران وبقية جبهات الإسناد يقولون بأن المفاوضات لن تلغي الرد أو تخفض من سقفه،بل هو رد بحجم الجرائم المرتكبة ،وسيشكل رادع ل" اسرائيل" عن الإستمرار في عدوانها وإستهدافها لقوى المقاومة والمحور .. ف"اسرائيل" طلبت من جنودها المتواجدين في اذربيجان وارمينيا العودة فوراً للإلتحاق بوحداتهم العسكرية ..وكذلك حزب الله اللبناني الإعلام الحربي ينشر تسجيلات تشير الى قوة الرد ودقته وحتميته،وكذلك اخلاء مقراته في الضاحية الجنوبية،بما ذلك أجهزة الكمبيوتر والمقرات الإدارية ،في حين القنوات التلفزيونية الإيرانية تنشر ترويجاً لشعار الإنتقام آت لدم اسماعيل هنية ،وغالانت وزير حرب الاحتلال يبلغ نظيره الأمريكي لويد اوستن بأن ايران تقوم عمليات نقل وتجهيز لصواريخها الإستراتيجية، في إشارة الى قرب الرد الإيراني،وامريكا تسرع وصول حاملة طائراتها ابرهام لينكولن وما تحمله من طائرات متطورة " اف 35"،وكذلك ترسل غواصة "يو أس اس جورجيا" الى المنطقة .
حالة من الترقب والتساؤلات ،هل تنعقد المفاوضات؟؟؟،وهل سيكون الرد قبلها او بعدها؟؟؟ ...وهل هناك فرص لعقدها ؟؟،في ظل حديث من قبل نتنياهو بأنه موافق على ارسال وفده للتفاوض ولكن ليس للتنفيذ،بل لنقاش اتفاق الإطار وبنوده ،بمعنى انه سيستمر في مجازره واستهداف المدنيين والبنى والمؤسسات والقطاعات المدنية من مؤسسات صحية وطبية ومدارس ومراكز إيواء وغيرها،وهذا لا يمكن أن تقبل به المقاومة ،وكذلك سموتريتش وبن غفير قالا بشكل واضح بأن وقف إطلاق نار وصفقة تبادل ،يعني سقوط حكومة نتنياهو،ونتنياهو لا يضحي بحلفائه وهو لا رغبة لديه بوقف الحرب،ويدرك بأن حجم الضغوط التي تستطيع ان تمارسها عليه الإدارة الأمريكية يتراجع مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية،وحاجة الديمقراطيين لأصوات اللوبي الصهيوني ،وبالمقابل بايدن يعتقد بأن نجاحه في إتمام صفقة تبادل الأسرى،قد يحسن من رصيد وحظوظ فوز نائبته كامالا هيرس في الانتخابات الرئاسية في تشرين ثاني ،ولكن بايدن لا يمتلك أدوات ضغط جدية ،ونتنياهو قال له بشكل واضح عندما التقاه في واشنطن، لن يستطيع أحد داخلياً او خارجياً أن يضغط علينا..
"إسرائيل" أقدمت على اغتيال هنية ،متوهمة بأن ذلك سيجعلها تستعيد قوة الردع،او تتحدث عن صورة نصر ،ولكن عملية الإغتيال تلك أدخلت إسرائيل في أزمة مزدوجة، حيث ان التفاوض سينتقل الى الميدان ومن قلب المعركة وفي الإنفاق حيث "الفندق" الذي يقيم به السنوار،وهذا " الفندق " الخندق لا يسمح بممارسة ضغوط عربية وإقليمية على السنوار ، لا من قطر ولا من مصر،ولا يوجد طرف عربي او إقليمي يمكن أمريكا من الضغط على السنوار ،فالسنوار الأن رئيساً ومفاوضاً،ورئيس حركة حماس وقائد المقاومة،والحشود الأمريكية العسكرية الكبيرة في المنطقة من بوارج وسفن وحاملات طائرات وغيرها، قد لا تسهم في منع رد إيراني قاسِ عليها.
من وجهة نظري نافذة التفاوض تقترب من الإغلاق ،ويبدو بأن الخيار للميدان ،فنتنياهو لا يريد سوى كسب المزيد من الوقت واستمرار ارتكاب الجرائم والمجازر،لتحقيق هدف " الهندسة" الجغرافية والديمغرافية للقطاع،وتحويل قطاع غزة الى منطقة غير قابلة للحياة ،وتوسيع الحرب الى خارج قطاع غزة ،وأمريكا وأن بدت في الظاهر تقول بأنها غير معنية بأن يتسع الصراع في ظل ظرف اقتراب موعد انتخاباتها الرئاسية،ولكنها تقف الى جانب نتنياهو واعطائه الفرصة،لكي يستمر في حربه التدميرية والوحشية،وهي تريد دمج اهداف حربها في المنطقة مع اهداف حرب نتنياهو على قطاع غزة،تريد ان تشرعن وتأبد احتلالها لسوريا والعراق،وأن تمنع تموضع تركي جديد عبر المصالحة مع سوريا،وكذلك تريد منع تقدم روسيا والصين في المنطقة.
أميركا في سورية ليست لمشروع يخص سورية فقط، بل لخدمة مشروع يخص موقع سورية في الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق يتشكل مفهوم الأمن القومي الأميركي في النظر الى سورية من ثلاثة عناوين، الأول تحييد سورية عن الجغرافيا العسكرية الروسية وما تمثله القواعد الروسية على البحر المتوسط، والثاني تحييد سورية عن الجغرافيا الاقتصادية الصينية وما تمثله الجغرافيا السورية في خطة الحزام والطريق، والثالث تحييد سورية عن جغرافيا المقاومة التي تهدد أمن كيان الاحتلال وما تمثله سورية كقلعة في محور المقاومة.
واستناداً الى كل ذلك أرى بأن التناقضات بين محور المقاومة وبين "إسرائيل" ومحور حلفائها وشركائها من غرب استعماري ودول نظام رسمي عربي،لم يعد من الممكن حلها سياسيا ودبلوماسياً ،وستكون هناك مواجهة او حرب مفتوحة،نتائجها سيبنى عليها موازين ردع وقواعد اشتباك وتحالفات جديدة وتوازنات إقليمية جديدة.
فلسطين – القدس المحتلة
12/8/2024