بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بعض الفضائيات العربية ما زالت على أصالتها الوطنية، وانتمائها القومي، والتزامها الديني، لم تضل الطريق، ولم تحد عن الدرب، ولم تتخل عن الواجب، ولم تقصر في مهمتها، ولم تهمل في دورها، ولم تمل من طول الحرب وتكرار يوميات الجريمة والإبادة، والمذابح والدماء المستباحة، ولم تفتر همتها، ولم تتراجع دافعيتها، ولم تخطيء بوصلتها الإنسانية، ولم تشكُ من قلة عوائدها وانحسار الدعم عنها، وقلة أجور العاملين فيها، ولم تصغ السمع للأصوات الشاذة النشاز الناقدة لها والمعترضة على أدائها.
وما زالت على عهدها الوطني وعقدها الأخلاقي وقيمها المهنية، تشحذ الهمم وتواصل العمل، وتجتهد في كشف الحقائق وتسليط الضوء على الجرائم، وتعتقد بأنها جزءٌ من المعركة، وطرفٌ في القتال، تقف جنباً إلى جنب مع الشعب الفلسطيني المقاتل، تؤيده وتناصره، وتدافع عنه وتحميه، وتهاجم العدو الإسرائيلي وتفضحه، وتستخدم في وصفه كلماتٍ مختارةٍ تليق بقاتلٍ مجرمٍ معتدٍ يرتكب أفظع المجازر وأبشع حروب الإبادة ضد شعبٍ يبحث عن حقه في الحياة، وحقه في العيش الكريم في أرضه ووطنه وبين أهله.
هذه الفضائيات العربية التي تتعرض لمضايقاتٍ حكوميةٍ وعقوباتٍ دوليةٍ، وتشويشاتٍ فنيةٍ، وابتزازاتٍ ماليةٍ، وتحجب مواقعها عن الأقمار الاصطناعية، وتمنع شركات التوزيع من إدراجها على شبكاتها المحلية، ما زالت رغم ضيق الحال وقلة الإمكانيات، لساناً بالحق صادحاً، وصوتاً في المعركة مشاركاً، وسيفاً ضد العدو مشرعاً، تتمسك بمواقفها، وتصر على سياساتها، وتحافظ على خطها الوطني، ولا تقبل المساومة على هويتها، أو التفريط بانتمائها، وتعتبر أن ما تقوم به على شاشاتها لا يقل عما يقوم به الأبطال المقاومون في الميدان، والأهل الصامدون على الأرض وفي كل مكان، وهو حقاً عملٌ عظيمٌ وجهدٌ كبيرٌ نقدره ونحفظه، ونجل من يعمل فيها ويضحي معها، ولا يتردد في "الرباط" على جبهاتها.
فكل الشكر والتقدير لهذه الفضائيات العربية المقاومة، وللعاملين فيها والداعمين لها، والمحافظين على خطها والمتمسكين بنهجها، الذين سقط منهم على الأرض شهداء، وأصيب الكثير منهم وهم يحملون الكاميرات و"المايكات"، خلال القيام بواجبهم، وأثناء التوغل مع المقاومين في عملياتهم، وكثيرٌ منهم فقد بعضاً من أهله وولده انتقاماً منه، وعقاباً له على ما يقوم به ويشارك فيه، فهنيئاً لهؤلاء الأبطال الأحرار الذين بتنا نحفظ صورهم ولا ننسى أسماءهم، ونستبشر بهم ونأمل كثيراً بسماع صوتهم، وقد غدو رموزاً في إعلامنا المقاوم، ونجوماً في فضائنا الافتراضي وعالمنا الحر.
لكن الجانب الناصع المنير المضيء المشرق للإعلام العربي المقاوم، يقابله جانبٌ معتمٌ مظلمٌ أسودٌ قاتمٌ بهيمٌ، فاسدٌ منحرفٌ ضالٌ مريضٌ عقيمٌ، يقوم بأدوار مشبوهةٍ، ويؤدي نيابةً عن العدو مهام قذرةً، ويتصدى لتغطياتٍ مزورة واستقصائياتٍ كاذبة، ويعمل جاهداً لطمس الحقائق وتزوير الوقائع، وتشويه صورة المقاومة، وتلطيخ سمعة الشعب، وتبيض صفحة دولة الكيان الغاصب، وتطهيرها من رجس جرائمها وقبح أفعالها، ويصف العدو بالصديق، وينعت المقاومة بالعدو، ويسمي شهداءها قتلى، وقتلى العدو ضحايا، ويمنحه الحق في القتل والإبادة، ويعيب على الشعب والمقاومة حقهم في الدفاع عن النفس، والذود عن الوطن.
هذه الأصوات المارقة الغريبة الشاذة المنحرفة، الضالة الفاسدة التي لا تنطق بالحق، ولا تعرف غير الباطل، وتنعق في إعلامها كما تنعق البوم والغربان، وتتعمد تزوير الحقائق والانقلاب على القيم والأخلاق، والتنكب للماضي والتاريخ، وإنكار الحاضر وما تراه العيون، ولا تريد الخير لأمتها، ولا تتمنى الفرج لشعوبها، وتتعمد تشويه صورة بلادها، وتلطيخ شرف أمتها، وترضى أن تعمل بوقاً أجيراً، وصوتاً مأموراً، يدفع لها فتنهق، وتؤمر فتركع، وتوبخ فتخضع، ويكتب لها فتقرأ، ويملى عليها فتتقيأ، قد ارتضت الذل والهوان، وأبت إلا أن تعيش ذليلةً مستخدمةً، وضيعةً مستأجرة، تعمل عند مشغلها ولو كان أجنبياً، تخاف من سوطه كالغلمان والعبيد، وتطمع في ماله كالتجار والمناكيد، وتخلص له وهي تعلم أنه عدوها وقاتل أهلها.
هذه الأصوات الخبيثة تتولاها محطاتٌ عربيةٌ مارقةٌ، وهيئاتٌ إعلاميةٌ منشقة عن الأمة، ومرتدة عن دينها، ومنسلخة عن قومها، لا يشرفنا أن نذكر اسماءها وهي بسوئها معروفة، وبشارتها مشبوهة، إذ بذكرها يعلو شأنها، وهي والعياذ بالله أحقر من أن نذكرها بلساننا، ولا تستحق أن نلوث بها صفحاتنا، ولعلها تعرف نفسها جيداً، ولا تحتاج إلى كثير بيان، أو تفصيل هوية، وأهلنا يعرفونها جيداً، ولا يحبون مشاهدتها، ويستعيذون بالله عز وجل من اسمائها، وينفرون من أصوات مذيعها، ويستنكرون تحليلات ضيوفها، ويربأون بأنفسهم أن يضيعوا أوقاتهم بمتابعتها ومشاهدة برامجها.
اللهم إنَّا نبرأ من هذه المحطات، ونستعيذ بك من هؤلاء الإعلاميين الكاذبين، ونستجير بك من شرذمة الفجار الممولين، ونعوذ بك من شرور ضيوفهم، ومن ضلال محلليهم وخبث خبرائهم، وإننا على يقين بأن الله عزَّ وجل يترصدهم ويتعقبهم، وسيكون لهم بالمرصاد، وسينالهم حصاد ألسنتهم، وجمر أموالهم في صحتهم وأبدانهم، وفي بيوتهم وأولادهم.
وإنَّا نسأله سبحانه وتعالى أن يلعنهم والملائكة أجمعون، وأن يسود صفحاتهم وأن يفضحهم أمام الملأ الأعلى والعالم أجمع، وأن يعجل خاتمتهم ويهتك سرهم، إلا أن يتوبوا ويؤوبوا، ويتراجعوا عن خطأهم ويعودوا إلى صوابهم، وإلا فإن أرضنا ستلفظهم، وقبور أشرافنا لن تقبلهم، ونعال شعوبهم يوماً ستطالهم، ولعناتهم ستحل عليهم براءةً ومقاطعةً وعزلاً وحرماناً وإقصاءً وعقاباً.
بيروت في 30/8/2024