اكتشف تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) المزيد من الثقوب السوداء فائقة الكتلة (SMBH) في الكون المبكر، حيث تظهر هذه الثقوب في نواة المجرات النشطة التي تشكلت بعد 500 ألف سنة فقط من الانفجار العظيم، وهذا وقت مبكر جدا مقارنة بما كان يعتقده العلماء سابقاً بشأن إمكانية وجود مثل هذه الثقوب السوداء، فما الذي يحدث بالفعل؟
تشكل الثقوب السوداء الهائلة
إن الثقوب السوداء الهائلة، مثل تلك الموجودة في قلب المجرات، تحتاج إلى وقت طويل للغاية لتنمو وتصبح بهذا الحجم الضخم، وقد تبدأ هذه الثقوب كمجرد ثقوب صغيرة تتغذى على النجوم والغازات القريبة، أو قد تنمو عن طريق الاندماج مع ثقوب سوداء فائقة الكتلة أخرى، وعادةً ما يستغرق هذا مليارات السنين ويتطلب كميات هائلة من المادة لتصل إلى حجمها الحالي، مثل الثقب الأسود الذي تبلغ كتلته أربعة ملايين شمس في قلب مجرتنا درب التبانة، ويستغرق الأمر وقتاً أطول بالنسبة للثقوب السوداء الأكبر التي تحتوي على عشرات الملايين من الكتل النجمية.
ومع ذلك، فقد رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي العديد من الثقوب السوداء فائقة الكتلة التي تبدو بالفعل "قديمة" وذات كتلة ضخمة في فترة تقل عن مليار سنة بعد الانفجار العظيم، وهذا ليس مجرد خطأ في الرصد، بل إنها موجودة بالفعل.
كيف تكونت الثقوب السوداء فائقة الكتلة في زمن مبكر؟
ما الذي ساهم في تكوين هذه الثقوب السوداء فائقة الكتلة في وقت مبكر من تاريخ الكون؟ أحد التفسيرات المحتملة هو موت النجوم من الجيل الثالث، وهي أول النجوم التي بدأت بالتشكل عندما برد الكون بما يكفي لتتجمع المواد وتشكل النجوم، فقد كانت هذه النجوم ضخمة وفقيرة بالمعادن، مما يعني أنها لم تحتوي على عناصر أثقل من الهيليوم، وكانت حياتها قصيرة، وعندما انتهت حياتها بانفجارات السوبرنوفا، تشكلت ثقوب سوداء صغيرة وفقاً لكتلة النجم الميت، ومن الممكن أن تكون هذه الثقوب السوداء الأولية قد اندمجت معاً.
اقتراح آخر يتضمن ما يُعرف بالانهيار "الجاذبي-الحراري" لهالات المادة المظلمة التي تتفاعل مع بعضها البعض، وهذا يشير إلى انتقال الحرارة بطريقة عكسية داخل النظام، مما يمكن أن يؤدي إلى انهيار ثقب أسود، ومن ثم نموه بشكل أكبر.
كما نظر العلماء في إمكانية وجود ثقوب سوداء أولية تشكلت في اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم، وهذه الثقوب السوداء الصغيرة من الناحية النظرية قد تكون تشكلت في ظروف خاصة عندما انهارت مناطق كثيفة من الفضاء بسرعة، لكن كيفية تشكل الثقوب السوداء فائقة الكتلة من هذه الثقوب السوداء الأولية ما زالت غير مفهومة تماماً حتى الآن، فهل هناك نظرية أخرى لتفسير هذه الظاهرة؟
دور المادة المظلمة في تشكل الثقوب السوداء
هنا يأتي دور المادة المظلمة ، فقد قام العالم ألكسندر كوزينكو وزملاؤه بالتحقيق في فكرة الانهيار الناتج عن تأثير المادة المظلمة، ووجدوا أنه إذا تحللت المادة المظلمة، فإنها تلعب دوراً في "تجميع" سحابة من غاز الهيدروجين، مما يمنعها من التفتت كما يحدث عادةً للسحب، وفي النهاية، قد يؤدي هذا إلى تشكل ثقب أسود فائق الكتلة بسرعة نسبية، ونظراً لوجود أدلة على تأثير المادة المظلمة في الكون المبكر، قد يفسر هذا وجود الثقوب السوداء فائقة الكتلة في المراحل الأولى من تاريخ الكون.
من سحابة إلى ثقب أسود بسبب المادة المظلمة
بالطبع، يجب أن تكون الظروف مثالية تماما لحدوث هذا، ويقول طالب الدكتوراه ييفان لو، وهو المؤلف الأول لورقة بحثية تصف فكرة تأثير المادة المظلمة: "يعتمد مدى سرعة تبريد الغاز بشكل كبير على كمية الهيدروجين الجزيئي، فعندما تتحد ذرات الهيدروجين في جزيء واحد، فإنها تقوم بتبديد الطاقة عند اصطدامها بذرة هيدروجين حرة، وتعمل جزيئات الهيدروجين كمبردات عندما تمتص الطاقة الحرارية وتطلقها بعيدا، أما السحب الغازية في الكون المبكر فقد احتوت على الكثير من الهيدروجين الجزيئي، مما أدى إلى تبريد الغاز بسرعة وتشكل هالات صغيرة بدلاً من سحب كبيرة."
بعض أنواع الإشعاع يمكن أن تدمر الهيدروجين الجزيئي، مما يخلق ظروفاً تمنع تفتت السحابة، ويمكن أن يكون هذا الإشعاع ناتجاً من مصدر ما، ويقترح لو وزملاؤه في ورقتهم البحثية أن هناك إمكانية لوجود "مجال للأدلة" يمكن أن يصدر منه جسيمات متحللة من المادة المظلمة تشبه الأكسيونات، مما يحفز على انهيار سحابة الهيدروجين إلى ثقب أسود فائق الكتلة .