كان "الببت الأحمر" احد البيوت العادية" التل أبيبية" فخر البنائين والحرفيين اليهود الذين كدّوا في بناءها في عشرينيات القرن الماضي.وتم تصميمه ليكون المقر الرئيسي لمجلس العمال المحلي. وبقي على هذا الحال حتى نهاية العام ١٩٤٧، حيث أصبح المبنى المقر الرئيسي لمنظمة "الهاجانا" الصهيونية في فلسطين.
يقع هذا المبنى في شارع ياركون في القسم الشمالي من تل أبيب.شكل المبنى اضافة جميلة لأول مدينة عبرية على البحر الأبيض المتوسط، المدينة البيضاء كما يسميها الادباء والخبراء بمودة.وهي في تلك الايام على عكس هذه الأيام، حيث البياض الناصع لبيوتها الفخمة الساطعة مثل كل مدن مواني البحر المتوسط.كان البيت الاحمر مستطيل الشكل تزينه اقواس امامية للمدخل وتحمل فوقها الشرفات المكونة من دورين للمبنى. وقد سمي بالبيت الأحمر بسبب المسحة الوردية التي تضفيها عليه شمس الأصيل او مستوحاة من اللون الأحمر لشعار الحركة العمالية وهو الأصح على الأغلب. اجتمع في هذا المبنى بعد ظهر يوم الأربعاء في العاشر من شهر اذار/مارس ١٩٤٨ مجموعة مكونة من احد عشر رجلاً من القادة المحاربين القدماء الصهاينة مع مجموعة من الضباط الشباب ووضعوا اللمسات الأخيرة على خطة التطهير العرقي في فلسطين. في مساء ذلك اليوم صدرت الأوامر العسكرية الى الوحدات في الميدان لتكون على اهبة الأستعداد للقيام بالطرد والاجلاء الممنهج للفلسطينيين في مناطق واسعة من البلاد، وتضمنت الأوامر التفاصيل الدقيقة والأساليب والوسائل الواجب اتخاذها وتطبيقها لطرد المواطنين بالقوة، مثل التهديد والحصار وقصف القرى ومراكز التجمعات السكنية، وحرق البيوت والممتلكات والبضائع والتصفية الجسدية للرجال والطرد وهدم المنازل وزرع الألغام في حطامها لمنع السكان من العودة الى بيوتهم المدمرة. وتم تزويد كل وحدة عسكرية بلائحة فيها قوائم القرى والضواحي كأهداف لهذه الخطة الرئيسية التي تحمل الرمز"D"
(داليت) (Dalet) بالعبرية.هدفت الخطة الى تدمير كلا المناطق المدنية والريفية الفلسطينية والشعار العام "على الفلسطينيين ان يرحلوا"وبهذه الخطة انتقلت الحركة الصهيونية من الاشتباك المتبادل مع الفلسطينيين الى التطهير العرقي الممنهج. في ذلك اليوم المشؤوم من شهر اذار/مارس وخلال ستة اشهر تم اقتلاع وترحيل 800.000 فلسطيني والتدمير الكامل ل 531 قرية و 11 حياً مدنياً. كان هذا التنفيذ الممنهج للخطة تطهيراً عرقياً واضحاً وهي جريمة ضد الانسانية بنظر القانون الدولي اليوم.
ان قيام دولة الكيان المعترف بها دوليا داخل الخط الأخضر حدود حزيران ١٩٦٧ على الأرض الفلسطينية لا تضم الجغرافيا التي تشكل قلب وجوهر المشروع الصهيوني في الضفة الغربية"يهودا والسامرة".
استغل الكيان التوتر الناجم عن تحويل منابع نهر الأردن واغلاق مضائق تيران لشن حربه التوسعية للاستيلاء على كامل فلسطين الواقعة غرب النهر واسقاط المشروع القومي العربي الذي ناضل من اجله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.
وبسبب فشل مشاريع التسوية الداعية الى الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي التي احتلها في حزيران/يونيو ١٩٦٧ ولاحقا فشل مشروع حل الدولتين اصبحت فلسطين تحت الاحتلال الكامل حبلى بتوأم"يهودي_فلسطيني" وان استمرار الاحتلال يؤدي الى دولة ثنائية القومية وهذا ينسف اسس وركائز المشروع الصهيوني في فلسطين القائم اصلا على ان المسألة اليهودية هي مسألة قومية-وهذا ادعاء زائف لأن اليهودية دين وليست قومية-تتطلب حلا قوميا من خلال بناء دولة قومية يهودية، وان اقامة الدولة اليهودية الصرفة لا تتحقق الا بالاستيطان الاجلائي عبر قطع العلاقة القائمة عليها مع سكانها الاصليين. وهذا لا يتم الا بالتهويد الكامل- ارضا وشعبا وسوقا.عبر التطهير العرقي لتحقيق الاستراتيحية العليا
لامن المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي يتطلب انجاز مهمة التطهير العرقي والتهويد الكامل لفلسطين.تقول هيلاري كلينتون في مذكراتها: "...فسبب ارتفاع معدلات الولادات بين الفلسطينيين وانخفاضها في الجانب الاسرائيلي،كنا نقترب من اليوم الذي سيشكل الفلسطينيون غالبية مجموع السكان في اسرائيل والاراضي الفلسطينية، وسيتحول معظمهم مواطنين من الدرجة الثانية،غير قادرين على التصويت. وما دامت اسرائيل تصر على التمسك بالاراضي، سيصعب عليها جدا، ويغدو مستحيلا في النهاية،ان تبقى على نظام حكمها دولة ديموقراطية ويهودية في آن.عاجلا ام اجلا،سيكون عليها الاختيار بينهما،او السماح للفلسطينيين باقامة دولتهم".
وضع طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول/ اوكتوبر قيادة الكيان امام الاختيار الذي ينسجم مع استراتيجيته العليا والاسس التي قام عليها هذا الكيان الاستيطاني، التوسع الجغرافي والاجلاء والتطهير العرقي عبر المذابح والابادة الجماعية، نفس المنهج الذي اتبعته راعيته وحاميته امريكا. اثبتت مجريات الحرب الدائرة الان ان رئيس وزراء دولة الكيان نتنياهو انه الحارس الامين لهذه الاستراتيجية العليا، ولذلك تبنى الكنيسيت الصهيوني قرارا قال فيه:(( ان فلسطين دولة يهودية من البحر الى النهر، ولا مكان لوجود دولة فلسطينية ولا للفلسطينيين فيها)) .واطلق العنان لعصابات المستوطنين المسلحة والمدربة لمساندة الجيش الصهيوني لانجاز مهامه واهدافه.وحدد نتنياهو ان هذه المعركة معركة وجودية ومصيرية.على عكس الحرب التي خاضتها قيادة العصابات الصهيونية من داخل البيت الاحمر التي انجزت مشروع قيام دولة الكيان.كانت حربا غير متكافئة بين عصابات وجيش مدربة احسن تدريب ومسلحة باحدث اسلحة زمانها ضد تشكيلات فلسطينية غير مدربة وسلاحها غير فعال وبلا ظهير وسند عربي. اما الان فالمقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لديها قدرات عسكرية حديثة وقيادة حكيمة غير متهورة ، وتخوض حرب استنزاف مدروسة ومتقنة .وارغمت العدو على النزول من الدور العلوي للبيت الاحمر الى (( البنكر)) المخبأ التي تعني مجازيا هبوط وسقوط دولة الكيان وان عدد درجات الهبوط هي ست وسبعون درجة عدد سني عمر الكيان.وهذا الهبوط يؤذن بالخراب الثالث للدولة الصهيونية.
ان الحرب الدائر رحاها الان نسفت كل مشاريع التسوية التي تم طرحها وتبنيها منذ حرب حزيران/ يونيو ١٩٦٧ وحتى الان والمقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة يخوضانها على انها حرب المصير والتحرير الكامل من النهر الى البحر، حرب استنزاف طويلة تتراكم فيها الانتصارات بالنقاط.اما وقد امتدت هذه الحرب لتشمل الضفة الغربية ، فان الجهود يجب ان تنصب وتتركز على سد الثغرات التي يمكن ان ينفذ منها العدو وخاصة تلك الحرب النفسية التي تديرها الوحدة 8200 التي تركز على ان عناصر كثيرة من الشعب الفلسطيني تتعاون مع قوات الاحتلال.وعلى قيادة فصائل المقاومة ان تبذل الجهود الحثيثة لثني السلطة الفلسطينية في رام الله عن الجري وراء وهم حل الدولتين للتوصل الى سلام دائم في الاقليم.
فلتعلم يا سيادة الرئيس محمود عباس ان نتنياهو قد مسح ما كتبته بخط يدك في سجل زواره في بيته منتصف ايلول /سبتمبر ٢٠١٠ ((اليوم عدت الى هذا المنزل بعد غياب طويل لأستئناف المحادثات والمفاوضات، على امل التوصل الى سلام دائم في المنطقة باسرها، وخصوصا بين الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني )). لقد حزم نتنياهو امره ومعه الدولة العميقة للكيان والدولة العميقة في امريكا ان لا مكان للفلسطينيين على هذه الارض، ولسان حالهم يقول ويكرر ما قالته القيادة التي اجتمعت في البيت الاحمر في العاشر من شهر اذار/مارس ١٩٤٨ (( على الفلسطينيين ان يرحلوا)). وانت يا سيادة الرئيس والسلطة التي تقودها لستما استناء.
فماذا انت فاعل في اخر العمر يا سيادة الرئيس؟
م/ زياد ابو الرجا.