في تطور علمي بارز، تم اكتشاف أكثر من 161,000 نوع جديد من فيروسات RNA باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يبرز تنوعا فيروسيا غير مكتشف سابقا ويؤسس لفتح الباب أمام مزيد من الاكتشافات العلمية. هذه الفيروسات تلعب أدوارا هامة في صحة الإنسان والبيئات المتطرفة، مما يعزز فهمنا لتطور الفيروسات وتنوعها.
أكبر اكتشاف فيروسي يسلط الضوء على "العالم الفيروسي الخفي"
اعتمد فريق دولي من الباحثين على الذكاء الاصطناعي للكشف عن تفاصيل فرع أساسي من الحياة موجود في كل مكان حولنا، من الأرض إلى البيئات الأكثر قسوة، ويعد هذا الاكتشاف الأكبر من نوعه حيث تم تحديد 161,979 نوعا جديدا من فيروسات RNA، مما يساهم بشكل كبير في توسيع فهمنا للتنوع البيولوجي على كوكب الأرض.
نُشرت هذه الدراسة في 9 أكتوبر في مجلة Cell، وتعد الأكبر من نوعها من حيث اكتشاف الأنواع الفيروسية الجديدة.
تنوع فيروسي غير مسبوق
قال البروفيسور إدواردز هولمز، الباحث الرئيسي في الدراسة من كلية العلوم الطبية بجامعة سيدني: "لقد أتيح لنا نافذة لرؤية جزء من الحياة على الأرض كان مخفيا عن الأنظار، مما كشف عن تنوع بيولوجي مذهل". وأضاف: "هذا هو أكبر عدد من الأنواع الفيروسية الجديدة التي تم اكتشافها في دراسة واحدة، مما يوسع معرفتنا بشكل كبير بالفيروسات التي تعيش بيننا".
وأشار البروفيسور هولمز إلى أن هذا الاكتشاف هو البداية فقط، وأنه لا يزال هناك ملايين الفيروسات التي لم يتم اكتشافها بعد، ويمكن استخدام نفس النهج لاكتشاف البكتيريا والطفيليات.
دور فيروسات RNA في البيئات المتطرفة
رغم أن فيروسات RNA ترتبط عادةً بالأمراض البشرية، إلا أنها تتواجد أيضا في بيئات متطرفة حول العالم، وتلعب أدوارا هامة في النظم البيئية العالمية. في هذه الدراسة، تم العثور عليها في الغلاف الجوي، الينابيع الساخنة، وفوهات المياه الحرارية.
وأوضح البروفيسور هولمز: "وجود العديد من الأنواع الفيروسية في البيئات المتطرفة هو دليل آخر على تنوعها الهائل وقدرتها على البقاء في أقسى الظروف، مما قد يوفر أدلة حول كيفية نشوء الفيروسات وأشكال الحياة الأولية".
التقدم في التعرف على الفيروسات بواسطة الذكاء الاصطناعي
طور الباحثون خوارزمية تعلم عميق تُدعى "LucaProt" لتحليل كميات هائلة من بيانات التسلسل الجيني، بما في ذلك جينومات الفيروسات الطويلة التي تصل إلى 47,250 نوكليوتيد، واكتشاف أكثر من 160,000 فيروس.
قال البروفيسور هولمز: "تم بالفعل تسلسل غالبية هذه الفيروسات وكانت موجودة في قواعد البيانات العامة، ولكنها كانت متنوعة جدا لدرجة أن أحدًا لم يكن يعرف ما هي". وأضاف: "كانوا يشكلون ما يُسمى غالبا بـ 'المادة المظلمة للتسلسل'. طريقتنا باستخدام الذكاء الاصطناعي استطاعت تنظيم وتصنيف هذه المعلومات المختلفة، مما أتاح لنا فهم هذه المادة المظلمة لأول مرة".
تم تدريب أداة الذكاء الاصطناعي لتحليل المادة المظلمة والتعرف على الفيروسات استنادا إلى التسلسلات والهياكل الثانوية للبروتين الذي تستخدمه جميع فيروسات RNA للتكاثر.
التوجهات المستقبلية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في علم الفيروسات
تمكنت هذه الطريقة من تسريع اكتشاف الفيروسات بشكل كبير، وهو ما كان يستغرق وقتا طويلا باستخدام الأساليب التقليدية.
قال البروفيسور مانغ شي من جامعة صن يات-سن، وهو أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة: "كنا نعتمد سابقا على عمليات بيوانفورماتية معقدة لاكتشاف الفيروسات، مما حدّ من التنوع الذي يمكننا استكشافه. الآن، لدينا نموذج أكثر فعالية يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يوفر حساسية ودقة استثنائية، ويسمح لنا بالتعمق أكثر في تنوع الفيروسات. نخطط لتطبيق هذا النموذج في مجالات أخرى".
وأضاف الدكتور تشاو رونغ لي، أحد المؤلفين المشاركين والذي يعمل في مختبر أبسارا التابع لشركة علي بابا للحوسبة السحابية: "تعد خوارزمية LucaProt مثااا مهما على دمج التكنولوجيا المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي مع علم الفيروسات. يوفر هذا الدمج رؤى قيمة وتشجيعًا لمزيد من فك تشفير التسلسلات البيولوجية وتحليل الأنظمة البيولوجية من منظور جديد. سنواصل أيضا أبحاثنا في مجال الذكاء الاصطناعي لعلم الفيروسات".
واختتم البروفيسور هولمز قائلا: "الخطوة التالية الواضحة هي تدريب طريقتنا لاكتشاف المزيد من هذا التنوع المدهش، ومن يدري ما المفاجآت الأخرى التي تنتظرنا".