يعتبر سرطان البروستاتا من أكثر أنواع السرطان تشخيصا في أستراليا، حيث يُصاب به رجل من بين كل ستة رجال قبل بلوغ سن الخامسة والثمانين، ويتكون السرطان من خلايا غير طبيعية تنمو بشكل غير متحكم وتبدأ في غزو الأنسجة المجاورة وقد تنتشر إلى أعضاء أخرى، ويُعرف هذا بالانتشار أو النقائل.
علاج السرطان المبكر والمتقدم
في حالة السرطان المبكر، عندما يكون محصورا في مكانه الأصلي، يتركز العلاج غالبًا على هذا الموضع، ويشمل غالبًا الجراحة أو العلاج الإشعاعي. بينما في حالة السرطان المتقدم، حيث ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم، يعتمد العلاج عادةً على الأدوية التي تنتقل في الجسم بأكمله مثل العلاج الكيميائي أو العلاج المناعي.
ومع تطور العلاج الإشعاعي، ظهر نوع متقدم يُعرف بالعلاج الإشعاعي التجسيمي (Stereotactic Ablative Radiotherapy) والذي يمكنه معالجة السرطان في مراحله المبكرة والمتقدمة.
كيفية عمل العلاج الإشعاعي التجسيمي
يستخدم العلاج الإشعاعي التجسيمي جرعات عالية من الإشعاع لاستهداف وقتل الخلايا السرطانية، وذلك عبر أجهزة متطورة قادرة على توجيه حزم إشعاعية دقيقة، كما تساهم التقدمات في التصوير الطبي وبرمجيات التخطيط الإشعاعي في تمكين الأطباء من "تتبع" واستهداف الأورام بدقة فائقة تصل إلى أقل من 1 ملم. يمكن هذا النهج من تقديم العلاج بشكل آمن، مع الحد من خطر تلف الأنسجة السليمة المحيطة.
وبفضل الجرعات العالية، يمكن تنفيذ العلاج في عدد أقل من الجلسات، حيث تتراوح الجلسات بين واحدة إلى خمس جلسات على مدى أسبوع إلى أسبوعين، مقارنة بالعلاج التقليدي الذي كان يتطلب 20 إلى 40 جلسة تمتد لأسابيع أو حتى أشهر.
وقد استخدم العلاج الإشعاعي التجسيمي بشكل متزايد في معالجة سرطانات الدماغ والرئة، وأظهرت بيانات جديدة فعاليته أيضًا في معالجة سرطان البروستاتا.
ماذا كشفت الدراسة الجديدة؟
نشرت مجلة نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين هذا الشهر دراسة قارنت بين مجموعتين من مرضى سرطان البروستاتا المبكر، وكان متوسط أعمارهم 69.8 عامًا. تلقت إحدى المجموعات (433 مشاركا) خمس جلسات من العلاج الإشعاعي التجسيمي، بينما تلقت المجموعة الأخرى (431 مشاركا) العلاج الإشعاعي التقليدي بحد أدنى 20 جلسة.
وجد الباحثون أنه لا يوجد فرق كبير في النتائج طويلة الأمد بين المجموعتين، حيث أظهر 95% من المرضى عدم وجود أدلة على المرض بعد خمس سنوات من العلاج، وكانت نسب الشفاء مكافئة للمرضى الذين خضعوا لجراحة لاستئصال البروستاتا.
تشير الأدلة الأولية إلى أن العلاج الإشعاعي التجسيمي قد يكون فعالًا بنفس القدر وأقل عبئا وأقل توغلاً من الخيارات العلاجية الحالية.
العلاج الإشعاعي التجسيمي وعلاج الحالات المتقدمة
سرطان البروستاتا الذي ينتشر خارج موقعه الأصلي يكون غالبًا غير قابل للشفاء. إلا أن العلاجات في هذه المرحلة تهدف إلى تثبيط أو السيطرة على السرطان لأطول فترة ممكنة. أظهرت الدراسات أن العلاج الإشعاعي التجسيمي يمكن استخدامه لاستهداف المرض في المواقع البعيدة لدى مرضى السرطان المتقدم، حيث وُجد أن هذا العلاج قد يبقي المرضى خاليين من أدلة واضحة على المرض لفترة تتراوح بين 8 إلى 13 شهرا، مما يؤخر الحاجة للعلاج الهرموني أو العلاج الكيميائي.
الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الأخرى
يتم تسليم العلاج الإشعاعي التجسيمي عبر حزم إشعاعية غير مؤلمة يوميًا، وعادةً ما يلاحظ المرضى آلامًا أو التهابات في الموقع المعالج في الأسابيع التي تلي العلاج، وتحتاج بعض الحالات إلى مسكنات.
التأثير على الوظيفة الجنسية يعد من الآثار الشائعة أثناء علاج سرطان البروستاتا، حيث تتضرر الأعصاب والأوعية الدموية المسؤولة عن الانتصاب. أظهرت دراسة حديثة أن 48% من المرضى الذين عولجوا بالعلاج الإشعاعي التجسيمي واجهوا صعوبات في الوظيفة الجنسية بعد سنتين من العلاج، مقارنة بـ 75% من المرضى الذين خضعوا للجراحة.
التكاليف وإمكانية الوصول
تتطلب الأجهزة المتقدمة للعلاج الإشعاعي تكاليف أعلى للتشغيل والصيانة مقارنة بالأجهزة التقليدية، ومع ذلك يمكن تحديث الأجهزة التقليدية لتوفير الدقة التجسيمية. تشير تحليلات التكلفة والفائدة إلى أن العلاج الإشعاعي التجسيمي لسرطان الرئة يُكلف النظام الصحي أقل من العلاجات الأخرى والإشعاع التقليدي، نظرًا لإكمال العلاج بشكل أسرع.
يتوفر العلاج الإشعاعي التجسيمي حاليا في معظم المستشفيات العامة الكبرى في أستراليا لعلاج عدة أنواع من السرطان، مثل بعض أنواع سرطان الرئة والكلى، والأورام الدماغية المتقدمة وسرطان العظام، دون تكلفة إضافية على المرضى. يتوفر أيضا في العديد من المراكز الخاصة.
ومع ذلك، لا يزال هناك اختلاف كبير في الأجهزة المستخدمة لتقديم العلاج بين المراكز المختلفة، كما أن التخطيط والتنفيذ الفعلي للعلاج يتطلب مهارات متخصصة.