شعار لبنان أولا، كذبة أم حقيقة
مقالات
شعار لبنان أولا، كذبة أم حقيقة
حليم خاتون
11 تشرين الثاني 2024 , 21:14 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:


لبنان ال ١٠٤٥٢ كلم٢ في مخاض...

هناك مقاومة لمشروع الاستعمار في المنطقة تقاتل من اجل النصر... 

وهناك أتباع لمشروع الاستعمار في هذه المنطقة يعملون ليل نهار على إلحاق الهزيمة بالبلد للتخلص من هذه المقاومة...

كثيرون خارج حدود لبنان لا يعرفون تركيبة فسيفساء هذا البلد...

"ما في حدا أكبر من بلدو"؛ شعار رفعه رفيق الحريري...

هذا صحيح... 
مهما كبر حجم دور أي كان... 
لا يمكن لهذا المرء أن يكون أكبر من قضية... 
لا السيد حسن ادعى ذلك، ولا شعب السيد حسن حكى بذلك...

كل الطوائف في لبنان فيها رجال عظام، كما ان كل الطوائف فيها أغبياء حتى لو وصلوا إلى رأس هذه الطوائف...

الطائفة الدرزية، رزقت بكمال جنبلاط الذي مزج بين الانتماء الدرزي الضيق والقدرة على عبور حدود الطوائف والوصول إلى قيادة الحركة الوطنية واليسار في لبنان قبل وأثناء الحرب الأهلية...

الطوائف المسيحية انتجت كثيرا من الرجال العظام من الذين شكلوا أعمدة أساس القومية العربية والقومية السورية؛ لكن لعنة التشبث بالغرب عامة، وفرنسا ثم أميركا بعد ذلك؛ كل هذا منع هؤلاء العظام من تبوء مراكز قيادية في الطوائف المسيحية اللبنانية، لأن اي من هؤلاء العظام ما كان ليقبل بالعمالة او التبعية لهذا الغرب؛ 
على رأس هؤلاء كان الشهيد المعلم انطون سعادة...

الطائفة السُنّية انتجت هي الأخرى كثيرا من رجالات كبار بعضهم تم اغتياله جسديا كما الرئيس رشيد كرامي(على يد سمير جعجع)، وبعضهم تم اغتياله معنويا كما الرئيس الدكتور سليم الحص ( على أيدي عملاء السعودية في لبنان)...

لكن الحقيقة يجب أن تقال:
عايشت الطائفة السُنّية ثلاثة مراحل نفوذ في لبنان ما بعد الاستقلال شكلت غطاء لم يسمح ببروز أدوار فردية  مميزة:

١- حقبة النفوذ المصري الناصري...
٢- حقبة نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية...
٣- حقبة النفوذ السعودي...

استطاع رجالات الغرب المسيحيين، ورجالات السُنّة التابعين لمصر الناصرية ولمنظمة التحرير ومن بعدها للسعودية من السيطرة على النظام السياسي في لبنان...

افتقد الطرف الثالث الشيعي في معادلة تكوين لبنان إلى سند دولي او إقليمي وازن...

ابتليت الطائفة الشيعية في عصر ما بعد تأسيس دولة لبنان الكبير، بسيطرة إقطاعية من بضعة عائلات لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة...

لذلك ربما، استطاع رجالات هذه الطائفة العظام من تبوء أدوار كبيرة داخل الطائفة ابتدأت مع السيد موسى الصدر وحركة المحرومين إلى أن وصلت هذه الحركة إلى الهيمنة على أحوال الطائفة عبر العنصر الراديكالي فيها المتمثل بحزب الله، وجماعة الوسطية المتمثل بحركة أمل...

كان لا بد من توطئة موجزة قدر الإمكان لتركيبة لبنان قبل الانتقال إلى ما تحاول أميركا والرجعية العربية طبخه في هذا البلد...

في لبنان، يمثل سمير جعجع رأس حربة هذا الثنائي الأميركي العربي...

يحتاج مشروع أميركا والسعودية إلى رجال أغبياء بالفطرة والتجربة...

هؤلاء ليسوا قلة في لبنان...

إلى جانب سمير جعجع وسامي الجميل وأشرف ريفي وفؤاد مخزومي ونهاد المشنوق، يوجد كثيرون مثل شارل جبور ومي شدياق ومارك ضو وميشال معوض وغيرهم...

كل هؤلاء لم يبخلوا يوما في ترداد ما تريده أميركا والسعودية ومن ورائهما إسرائيل...

لكن ما يميز سمير جعجع عن كل جوقة العملاء هؤلاء هو التجربة...

سمير جعجع وحده دون الباقين من خاض معارك فعلية على الأرض لصالح أميركا وإسرائيل في حرب الجبل ضد الدروز، ثم حرب قرى شرق صيدا ضد السّنّة، قبل أن يتحفنا ليس منذ بعيد بمحاولة إشعال الفتنة في الطيونة ضد الشيعة...

لذلك ربما اختارته السفيرة الأميركية من بين كل الأغبياء الباقين لكي يرفع شعار عزل الطائفة الشيعية والتفوق على إسرائيل في ترويج فكرة هزيمة حزب الله وتجاهل حتى وجود حركة أمل التي يفوق عدد مناصريها كل اعداد حزب قوات جعجع مجتمعة...

لكن غباء سمير جعجع ومن ورائه السفيرة الأميركية وجماعة إسرائيل ليس هو الخطر الأساسي على لبنان...

الخطر الحقيقي هو في رفع شعارات ونسبها إلى السيد حسن نصرالله كما يفعل اكثر من طرف مسيحي او درزي او سني او حتى شيعي...

يخرج من يقول ان السيد كان قد وافق على الفصل بين جبهتي لبنان وغزة...

تصل الأمور إلى أن يقول الإعلامي جان عزيز أن السيد نصرالله أعلن الالتزام بفكرة لبنان أولا...

لتمرير هزيمة حزب الله في هذه الحرب، يجري العمل على التخفي خلف عباءة السيد نصرالله...

بدون لف او دوران، من يعرف تاريخ حزب الله...
من يعرف عقيدة حزب الله...
من يعرف مدى التزام حزب الله بهذه العقيدة...
من يعرف مدى مبدئية السيد نصرالله الذي لم يتوقف يوما عن ترداد وجوب التشبث برفع الراية من اجل الأهداف التي حملها القادة والمجاهدون واستشهدوا في سبيلها...

من يعرف كل هذا، لا يمكن أن يصدق ان السيد نصرالله يمكن أن يوافق على مبدأ لبنان أولا وهو الذي رفض ما فعله السادات وجماعة مصر أولا، وما يفعله إبن سلمان وشعار السعودية أولا والكويت أولا والأردن أولا والمغرب أولا وكل تلك الشعارات التي تبغي أمرا واحدا هو التخلي عن فلسطين...

كل هذا لا يعني أن ليس في لبنان مشكلة...

كل هذا لا ينفي وجود من يريد فتنة في لبنان بين الشيعة وبين كل مكون آخر في البلد لكي يدفع المقاومة إلى التخلي عن غزة خوفا من الطعن في الظهر الذي قد يحصل من جهات طائفية أخرى او حتى من قبل جزء من النزوح السوري المعادي لفلسطين...

حتى بين الشيعة، هناك من بدأ يحدث الناس عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشيعة وعن كره الآخرين لهم بسبب وبدون سبب وإنه لا بد بالتالي من التخلي عن غزة وعن فلسطين، وعقد اتفاق منفرد مع اسرائيل كما فعلت الدول العربية...

بل هناك من يقول للشيعة أن الدول العربية لن تقوم بإعادة الإعمار ولن يكون للشيعة بيوت وحقول يعودون اليها لأن العالم العربي السُنّي لا يوافق على ما فعله حزب الله وهو من الأصل، ضد الشيعة...

بعد مراجعة كل تاريخ السيد نصرالله؛ بعد مراجعة كل كلماته، لا يمكن سوى التأكد من أمر واحد هو أن السيد نصرالله ليس من أولئك الذين يطعنون في الظهر...

كل أولئك الذين يروجون للتخلي عن فلسطين وترك غزة إنما يفعلون ذلك من اجل منع انتصار حزب الله...

أن مجرد التفكير في التخلي عن أي هدف او شعار رفعه السيد نصرالله، يعني هزيمة حزب الله في الإقليم...

هزيمة حزب الله في الإقليم لا تعني فقط هزيمة الحزب في لبنان؛ بل تعني نهاية الدور القيادي الذي احتله  الحزب في الأمة...

يقول جان عزيز أن استمرار الحرب مئة سنة ضد اسرائيل أفضل الف مرة عن اندلاع فتنة أهلية ولو لسنة واحدة...

هل قصد عزيز بذلك دعوة الآخرين للوقوف إلى جانب المقاومة؛ أم هدف إلى دعوة حزب الله لترك المقاومة والوقوف مع الآخرين في التفرج على ذبح فلسطين والتعبير عن التعاطف لا أكثر ولا أقل...

من يروح لفكرة لبنان أولا، لا يمكن إلا أن يكون في نفس خانة أتباع أميركا، ولو موضوعيا...

لذلك، من يقول:
إن كرامتنا من الله الشهادة...
من يردد إننا شعب لا يُهزم،
وأننا ننتصر حين ننتصر، 
وننتصر حين نستشهد...
لا يمكن أن يوافق على التخلي عن فلسطين ولو حتى عبر لبنان أولا...
                               

الصورة سمير جعجع مع السفيرة الأمريكية

المصدر: موقع إضاءات الإخباري