ألمانيا تدفع ثمن أخطائها الإستراتيجية من غزة إلى أوكرانيا
مقالات
ألمانيا تدفع ثمن أخطائها الإستراتيجية من غزة إلى أوكرانيا
م. ميشيل كلاغاصي
12 تشرين الثاني 2024 , 16:55 م
م. ميشال كلاغاصي
لطالما دعيت بالمحرك الأوروبي بفضل صناعاتها التي ضمنت لها مكانةً إقتصادية هامة, وقوةً عسكرية لا يستهان بها, استطاعت من خلالها رسم حكايتها مع التاريخ القديم والحديث, هي ألمانيا التي خاضت حروبها العالمية وكادت تفوز بالمستحيل وبإخضاع الكوكب, لكنها وما بين حلفي الناتو ووارسو, ذاقت طعم الهزيمة المرّة, وطعم التقسيم لأربعين عاماً, عرفت فيها جدار برلين الذي فصل ألمانيا عن ألمانيا, إلى أن توحدت ثانيةً عام 1990, وأعلنت نفسها مجدداً جمهورية ألمانيا الإتحادية, الدولة الأهم في الإتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من قدراتها العسكرية والصناعية والمالية, ومكانتها في حلف الناتو والإتحاد الأوروبي, لم تستطع الحصول على مكانة سياسية موازية, وتعثرت خطاها وقادتها نحو الكثير من الأخطاء والوقوع في فخ المشاركة القوية لزراعة وإقامة الكيان الغاصب, وبنقل مشكلة اليهود من ألمانيا إلى أرض وشعب فلسطين, وانخرطت على مدى العقود الأخيرة, وورطت نفسها أكثر فأكثر بالتبعية للولايات المتحدة, ولا تزال تخوض حروب الوكالة في أوكرانيا ضد الدولة الروسية, كذلك في فلسطين المحتلة على خلفية إتفاقية "التعويضات الألمانية" للكيان الغاصب عمّا تسمى "المحرقة", وصولاً إلى العدوان على غزة والضفة الغربية منذ صبيحة 8/أكنوبر 2023, من خلال إعتبارها أن تسليح الكيان واجباً ألمانياً.
فقد دفعتها تبعيتها للسير بعكس مصالحها وللإنخراط في حرب الناتو-الأوكرانية على روسيا, ونحو تهديد الأمن القومي الروسي, بأسلحتها التقليدية والنوعية, وبدعمها المالي والسياسي لحكومة كييف الراديكالية, ووجدت نفسها تشارك في تفجير خطوط توريد الغاز نورد ستريم 1 و2, وبالحرب على الغاز والإقتصاد الروسي, إلى أن تمكنت منها مجمل أخطائها الإستراتيجية, وابتعدت عن الغاز الروسي وبحثت عن البدائل, وتوقفت مصانع طاقتها النووية, وغالبية مصانعها ومعاملها, وأصيب إقتصادها بالشلل وأدخلها في أزمةٍ سياسية كبيرة, تسببت بإنهيار إئتلافها الحاكم الهش أصلاً, ووسط تقاذف التهم اضطر المستشار لإقالة وزير المالية, وإلى تبرير فعلته بالقول"لقد خان ثقتي أكثر من اللازم", كذلك اضطر لمواجهة انسحاب عدد من الوزراء, والدعوات إلى إجراء انتخابات جديدة وسريعة, وباتت البلاد تسيرعلى طريقٍ غامضة, وبحاجة إلى "هتلر" جديد ومختلف, ليحميها من نفسها وحلفائها قبل أعدائها في زمنٍ يقوده أولاف شولتز وأنالينا بيربوك.
لم يكن إعلان ألمانيا صبيحة 8/أكتوبر 2023 دعم "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها" مفاجئاً في السياق العلاقات التاريخية والدعم الألماني الدائم والمستمر للكيان الإسرائيلي, وفي ظل تبرير المستشار شولتز تسليح وتمويل الكيان الإسرائيلي أمام البرلمان الألماني بأن "الوقوف إلى جانب إسرائيل هو المكان الوحيد لألمانيا", ناهيك عن مواقف وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك ودعوتها حماس إلى "إلقاء سلاحها والتفاوض لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين", بالإضافة إلى رفض الحكومة الألمانية دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية, وإلى رفض إتهام "إسرائيل" بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة, وبمعارضة صدور قرارٍ أممي لحظر بيع السلاح إلى "إسرائيل".
في وقتٍ أكد فيه المتحدث بإسم وزارة الخارجية الألمانية في مؤتمر صحفي أن الحكومة الألمانية "لا ترى أي دلائل على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة" ولديها الحق في الدفاع عن نفسها"، بالإضافة إلى تأكيد المستشار شولتز في البوندستاغ بأن "تسليم الأسلحة إلى إسرائيل مستمر وبإمكانها الإعتماد على ذلك دائماً", بالإضافة إلى استمرار التعاون الإستخباري بينهما قد يفسر ملابسات وخفايا عملية إختطاف المواطن اللبناني عماد أمهز مؤخراً, عبرعملية إنزالٍ بحري إسرائيلي على شاطئ بلدة البترون اللبنانية.
ففي تاريخ 01/11/2024، نفذت قوة كوماندوس إسرائيلية ضمت جنوداً وضباط وبحارة وغواصين,عملية إنزالٍ بحري في بلدة البترون, وقامت بإختطاف مواطن لبناني يعمل قبطاناً بحرياً مدنياً من منزله, واقتادته نحو الشاطئ ليغادر الجميع على متن زوارق سريعة نحو عرض البحر, وفتحت هذه العملية أوسع الأبواب للتساؤل عن صمت البحرية الألمانية أو دورها في ضمان اقتراب ومغادرة الزوارق الإسرائيلية من الشواطئ اللبنانية دون منعها, من خلال مهامها في قوات اليونيفيل المكلفة بحماية ومراقبة الممرات والمياه الإقليمية للبنان, ومن خلال تفويضها الأممي وفق القرار 1701, لمساعدة الجيش اللبناني في إطار واجبه الوطني.
لقد أثار صمت الحكومة الألمانية الحفيظة والإستياء داخل لبنان, بما يثبت تعاونها العسكري والإستخباري مع الكيان الإسرائيلي، وبحكم التمركز الدائم لباخرتين ألمانيتين على طول الشاطئ اللبناني مجهزتين بأجهزة الرصد والمراقبة والتقنيات المتطورة, فكيف للبحرية الألمانية ألاّ تتعاون وتقدم لقوات اليونيفيل وللجيش اللبناني وفرع المعلومات, الصور والمعلومات المتعلقة بعملية الإختطاف والخرق الأمني والسيادي الإسرائيلي الكبير للبنان, الأمر الذي ما يطرح الشكوك حول ضلوع ومشاركة ألمانيا بالعملية, خصوصاً وأنها "تقف إلى جانب إسرائيل" بحسب تصريحات المستشار أولاف شولتز العلنية.
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من العناء لإدراك حجم الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها الدولة الألمانية, ومدى إنخراط حكومتها في العدوان على غزة ولبنان, ودورها ودعمها لمشروع تقسيم سوريا, كذلك لا يمكن تجاهل تاريخها الطويل في دعم نشوء واستمرار ووجودية الكيان الإسرائيلي, كذلك الأمر بالنسبة لإنخراطها في الحرب الجيوسياسية, العسكرية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية على روسيا, ودعمها مشروع "تدمير روسيا", ولإصدار حزم العقوبات المتتالية عليها, واستمرار الدولة الألمانية بتقديم الدعم المالي والعسكري لحكومة كييف وللكيان الإسرائيلي, الأمر الذي أودى بإقتصادها, وأفرغ رفوف مستودعاتها من الأسلحة التقليدية والنوعية, وأدخلها اليوم في أزمتها السياسية الكبرى, وقد لخصت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رأي بلادها في السياسة الألمانية بقولها "إن حكام ألمانيا المعاصرون هم الأكثر جنوناً خلال الثمانين عاماً الماضية", في حين انبرى إيلون ماسك رجل الأعمال الصاعد بقوة إلى جانب الرئيس دونالد ترامب, إلى وصف نائب المستشار الألماني روبرت هابيك بالـ "الأحمق" بعد تبريره بأن "إغلاق محطات الطاقة النووية قد تسبب بزيادة أسعار الكهرباء".
ويبقى السؤال إذا كانت ألمانيا أول الساقطين في فخ التبعية الصهيو – أمريكي , فمن هي الدولة الأوروبية التالية ؟
م. ميشال كلاغاصي // كاتب وباحث استراتيجي
11/11/2024

المصدر: موقع إضاءات الإخباري