إن إطلاق ما دعي بـ "النظام الفدرالي في روج آفا - شمال سوريا", وإقرار المجتمعين بتاريخ 17\2\2016 في مدينة رميلان السورية لإقامة "إدارة حكمٍ ذاتي" في المناطق التي كانت تسيطرعليها ميليشيات "قسد" بدعمٍ مطلق من قوات الإحتلال الأمريكي والفرنسي والتركي, لم يكن سوى إطلاق شرارة البداية للرهانات الخاطئة ولسقوط الأقنعة.
وقد خرج الإجتماع –يومها- بجملة أكاذيب ادعت الحفاظ على وحدة سوريا ومنع تقسيمها, دحضتها تحركاتهم وعلاقاتهم العلنية بكافة أعداء سوريا, بالإضافة إلى لقاءاتهم وسلسلة إجتماعاتهم في ألمانيا وفرنسا وفيينا والجولات التي قامت بها المدعوة "إلهام أحمد" حول العالم بحثا ًعن دعم وتأييد المشروع الإنفصالي وتقسيم سوريا ... وأكدتها ممارساتهم الإجرامية على الأرض.
فمن عرف طبيعة الشعب السوري وراقب تضحياتهم ودفاعهم عن وحدة واستقلال بلادهم عبر التاريخ وخلال السنوات التسع الماضية, يدرك تماما ًمدى رفضهم لأيّ كان بالسيطرة على بقعة جغرافية بعد تحريرها من الإرهابيين عدا الجيش العربي السوري, في حين تذرعت ميليشيا "قسد" بمحاربة الإرهاب لتفرض هيمنتها ومشاريعها الإنفصالية ومشاريع من يقف ورائها.
إن استمرار طرح هذا المشروع يُثير التساؤلات, بعدما ثبت فشل كافة المشاريع الإنفصالية حول العالم , ويأتي في وقتٍ تتجه فيه الحرب نحو الحل السياسي, ومع الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية, في خطوة على طريق الحوار السوري – السوري المدعوم بالعديد من القرارات الدولية التي رضخت لإنتصارات سوريا العسكرية ولصمود قيادتها وشعبها.
فمنذ أن طُرح المشروع الإنفصالي – التقسيمي, سَجّل الشعب السوري مرارا ًوتكرارا ًرفضه له وعدم سماحه لأي كان بالمساس بوحدة سوريا وبمنع تقسيهما تحت أي عنوان .. فيما عبرت الدولة السورية عن موقفها الرافض لأي مشروع تقسيمي, وحذرت من "تسول له نفسه النيل من وحدة أرض وشعب الجمهورية العربية السورية تحت أي عنوان", وأنه يشكل "مساسا ً بوحدة الأراضي السورية ويتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية".. واعتبرته "عملا ً داعما ً للإرهاب وأنه يصب في خانة إضعاف سوريا".
لكن هذا لم يُثن قادة الميليشيات الإنفصالية, واستمروا لسنوات في العمل على تكريس الإنفصال, فأزالوا العلم السوري, وأقاموا هياكل الجسم الفيدرالي – التقسيمي, وحصروا إهتمامهم بتنفيذ كل ما من شأنه خدمة المشروع الأمريكي في سوريا, وساهموا بتعزيز وجوده على الأرض السورية.
لقد بالغوا في تقدير قدراتهم وحجمهم في الميدان والمنطقة، واعتقدوا أنهم قادرين على تنفيذ المهمة الأمريكية وبكسر إرادة السوريين, بعد أن أنبئتهم أوهامهم بقدرتهم على تغيير أوراق اللعبة الدولية, في حين لم ينبئهم قصر نظرهم عن سرعة تخلي الولايات المتحدة عن أدواتها.
من الواضح أنهم قرروا مواجهة العواصف والتي بدأت بلفظ وجودهم تحت قباب جنيف, بالتوازي مع العواصف الشعبية والمقاومة المباشرة لمشروعهم الإنفصالي, وعواصف التهديد التركي والتخلي الأمريكي ... وأطاحوا بكل الفرص التي منحتهم إياها الدولة السورية عبر الحوار, متجاهلين النتائج الخطيرة لمغامراتهم.
لقد أظهرت ميليشيا "قسد" الإرهابية إنغماسا ًحتى النخاع في تنفيذ الأجندة الأمريكية, رغم التخلي الأمريكي المتكرر عنها وليس اّخره عدم تبنيها في اللجنة الدستورية, وبتأكيد المدعو “مصطفى بالي”: إن “قسد” تعتمد على اتفاقية آلية أمنية بين الولايات المتحدة وتركيا, ومازلنا نفعل ما يُطلب منّا"... لقد تحدثت "قسد" الإرهابية غير مرة عن الطعنة الأمريكية في الظهر, فماذا بعد ؟.
ومع استمرار أردوغان بالمرواغة واللعب على جميع الحبال, واللهاث وراء أطماعه ومشروعه العثماني, تأتي مواقف "قسد" لتمنحه ذريعة ً إضافية لما يدعيه بغية الحفاظ على أمنه القومي ومحاربة تنظيم PKK , عبر إقامة المنطقة الاّمنة على الأراضي السورية, وإعلانه الأخيرعن البدء بعملية عسكرية جديدة شرقي الفرات تحت مسمى عملية "نبع السلام" على غرار و"درع الفرات" و"غصن الزيتون", بعدما وحّد وحشد اّلاف الإرهابيين والخونة ممن يعملون تحت راية وأمرة قوات الغزو التركي وتحت مسمى واهي ومزيف “الجيش الوطني”!... ومن السخيف بمكان أن يُقابل الوعيد الأردوغاني بإجتياح الشرق السوري برا ًوجوا ً, بتهديد قادة "قسد" بالرد عبر "حربٍ شاملة".! , وسبق لميليشيا "قسد" وبتعنتها وعمالتها أن تخلت عن مدينة عفرين, فأي حربٍ شاملة يهددون بها!.
بات من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود مشروع تقسيم سوريا عبر أذرعها الثلاث التركية والإنفصالية والإرهابية, فالتحرك الأردوغاني لا يتم دون الضوء الأخضر الأمريكي, و"قسد" الإرهابية لاتزال تنفذ ما يُطلب منها وبإعترافها, وأما الخونة فحالهم كحال حمير "الأسفار" المأجورين.
من المؤسف أن يصمت العالم وهو يرى المجرم أردوغان يطلق اسم "نبع السلام" على العملية العسكرية المرتقبة في منطقة "شرق الفرات", بالتوازي مع استجلابه لتعزيزات واّلات الموت والحرب , فأي سلامٍ سيحمله الجزار والمجرم التركي ؟ ولكم أن تسألوا الأرمن والسريان وغيرهم عن "نبع السلام" التركي.
بات واضحا ً أن الحلم الإنفصالي الخيالي لميليشيا "قسد" الإرهابية يمنح العدو التركي ذريعة التوغل داخل الأراضي السورية, ويضاعف تأزيم الواقع ويعقد مهمة الجيش العربي السوري ويضع البلاد أمام إحتمالية مواجهة عسكرية كبرى بين الدولتين السورية والتركية... ويطرح السؤال نفسه أي إتفاقٍ يجمع الأتراك و"قسد" , وهل تتمسك "قسد" برفض العرض الأردوغاني بالحفاظ على هيكلية الإدارة الذاتية ووجودها وإنتخاباتها ومكاسبها تحت سقف القيادة التركية, أم ستقبل به تحت التهديد بالإجتياح التركي؟.
بات من الملحّ إن يُسارع قادة ميليشيا "قسد" بالعودة إلى كنف الدولة السورية, وإلى طلب الصفح والعفو والحماية من الدولة والجيش والشعب السوري وقبل فوات الأوان, وقبل أن يبتلعهم إنكشاريو العدو التركي, وإلى الخروج من تحت العباءة الأمريكية التي لم تتوان عن طعنهم في الظهر, ولم تر فيهم سوى وقودا ًومواد إشتعال لحرق سوريا الوطن لجميع مكوناته وأبنائه... ويبقى من المعيب والمخزي ما جاهرت به ميليشيا "قسد": "مازلنا نفعل ما يُطلب منّا".
لن يطول زمن العربدة الأمريكية والتركية وأدواتهما على الأراضي السورية, ولن تمر مشاريع الفدرلة أو الإنفصال والتقسيم أو المنطقة الاّمنة, سواء إتفقت الأدوات الأمريكية أم اختلفت فيما بينها, فالدولة السورية بقيادتها وببسالة جيشها وصمود شعبها ستبقى الجهة الوحيدة والقادرة على حماية شعبها وطرد جحافل الغزاة والعدوان والإرهاب عن أرضها, فكما تم إخراجهم وطردهم من غالبية الجغرافيا السورية, سيُصفع أردوغان وترامب في الشمال والشرق وفي إدلب كما صُفع أوباما في حلب مع نهاية عام 2016.
المهندس: ميشيل كلاغاصي