ابتكر علماء من جامعة كاليفورنيا - بيركلي هيكلاً معدنيا عضويا (MOF) قادرا على احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغازات المنبعثة من المصانع دون الحاجة لتبريدها، مع عمله بكفاءة حتى عند درجة حرارة تصل إلى 300 درجة مئوية. هذه التقنية تعد خطوة واعدة للتعامل مع الصناعات التي يصعب خفض انبعاثاتها الكربونية مثل مصانع الإسمنت والصلب.
تحديات احتجاز ثاني أكسيد الكربون عند درجات الحرارة العالية
تنتج مصانع الإسمنت والصلب كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز يساهم بشكل رئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري. غير أن درجات حرارة الغازات المنبعثة من هذه المصانع تكون عالية جدا، مما يجعل استخدام تقنيات احتجاز الكربون التقليدية غير فعال بسبب الحاجة إلى تبريد هذه الغازات، وهو أمر يتطلب طاقة وماء بكميات كبيرة. ولهذا، فإن تطبيق هذه التقنيات على بعض الصناعات ذات الانبعاثات العالية كان أمرا صعبا.
إلا أن باحثين من جامعة كاليفورنيا - بيركلي اكتشفوا مادة مسامية جديدة تعمل مثل الإسفنج في احتجاز ثاني أكسيد الكربون عند درجات حرارة قريبة من تلك الخاصة بالانبعاثات الصناعية. هذه المادة هي نوع من الهيكل المعدني العضوي (MOF) وسيتم نشر تفاصيلها في مجلة Science بتاريخ 15 نوفمبر.
مادة MOF تحتجز ثاني أكسيد الكربون عند درجات حرارة عالية
تتميز هذه المادة المسامية بقدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون بشكل انتقائي وقابل للعكس من مزيج من الغازات الصناعية. وتعمل هذه المادة عند 300 درجة مئوية، وهي درجة حرارة تتناسب مع غازات العادم من مصانع الإسمنت والصلب. يعتمد هذا الهيكل على مجموعات هيدريد الزنك لاحتجاز وإطلاق ثاني أكسيد الكربون، مما يمنحها ميزة فريدة للاستخدام المستمر في عمليات التقاط الكربون.
فوائد الهياكل المعدنية العضوية (MOFs) في احتجاز الكربون
ذكر كورتيس كارش، باحث مشارك في الدراسة: "يتطلب الأمر عادةً بنية تحتية مكلفة لتبريد الغازات الساخنة لتتناسب مع تقنيات احتجاز الكربون الحالية. لكن اكتشافنا قد يغير الطريقة التي يُفكر بها العلماء في احتجاز الكربون؛ إذ وجدنا أن بإمكان مادة MOF احتجاز ثاني أكسيد الكربون عند درجات حرارة مرتفعة لم يكن يُعتقد سابقا أنها ممكنة."
وأكدت الباحثة المشاركة راشيل رود على أهمية الانتقال من دراسة أنظمة احتجاز الكربون المعتمدة على الأمينات إلى آلية جديدة تعمل ضمن مواد MOF وتتيح التشغيل في درجات حرارة مرتفعة.
تجربة ناجحة وآفاق مستقبلية
تم اختبار المادة في ظروف تحاكي انبعاثات غازات المصانع، وأظهرت قدرتها على احتجاز ثاني أكسيد الكربون بتركيزات تتراوح بين 20% إلى 30% في مصانع الإسمنت والصلب، بالإضافة إلى انبعاثات أقل تركيزا من محطات الطاقة العاملة بالغاز الطبيعي.
يعد التخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون من انبعاثات المصانع ومحطات الطاقة جزءًا مهما من جهود تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي. ومع الاتجاه نحو استخدام الطاقة المتجددة، تبقى الصناعات الثقيلة التي تعتمد على الوقود الأحفوري بحاجة إلى حلول للاحتفاظ بانبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون.
تعمل مجموعة بحثية تحت إشراف البروفيسور جيفري لونغ على تطوير مواد MOF منذ سنوات، وتمتلك تجربة سابقة في إنتاج مواد واعدة تستخدم الأمينات لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون.
استقرار وفعالية المادة الجديدة
تتميز المادة المكتشفة بقدرتها العالية على استقرار الهياكل الهيدريدية، مما يسمح باحتجاز 90% أو أكثر من ثاني أكسيد الكربون الذي تتعرض له. كما يمكن إعادة استخدام هذه المادة عبر تفريغ غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال تغييرات في الضغط.
الأداء في درجات حرارة مرتفعة والتوجهات البحثية
أظهرت التجارب أن المادة قادرة على الاحتفاظ بالكربون في درجات حرارة تتجاوز 200 درجة مئوية، ما يفتح آفاقا جديدة لتصميم مواد وظيفية قادرة على العمل في عمليات الفصل الحراري للصناعات.
هذا الاكتشاف يُبشر بمستقبل مشرق في مجال التكنولوجيا النظيفة، حيث يمكن تصميم مواد جديدة لاستهداف انبعاثات صناعية مختلفة، مما يسهم في تعزيز الاستدامة البيئية.