حرب الخيارات الكبرى
مقالات
حرب الخيارات الكبرى
حليم خاتون
16 تشرين الثاني 2024 , 06:32 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:


لأسباب يختلط فيها الإيمان الغيبي مع استراتيجية مراكمة القوة حدّد الإمام الخميني قبل وفاته؛ حدّد سنة ٢٠٢٥ سنة للحرب الكبرى لإزالة إسرائيل من الوجود...

على الأقل هذا ما تشير اليه الساعة الرملية التي تتوسط ساحة فلسطين في العاصمة الإيرانية طهران وفق ما ذُكر في إحدى مقابلات الكاتب ميخائيل عوض...

لهذا ربما كان سقف عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ التي أطلقتها قيادة حماس الميدانية في غزة هو مجرد عملية أسر محدودة من اجل المبادلة وتبييض السجون...
ما رميت إذ رميت، لكن الله رمى...

ما حدث في ذلك اليوم كان أشبه بعملية pagers من حيث التأثير، لكن في قلب الكيان...

مضت عدة ساعات فقد فيها العدو القيادة والسيطرة واحتاج الأمر أن يهرول قادة الغرب إلى المنطقة لإعادة الثقة إلى الجيش الصهيوني وإخراج الخطط الجاهزة من الأدراج...

كما حصل في تموز ٢٠٠٦ في لبنان، حين استغل العدو عملية الأسر لتنفيذ الخطة المعدة لاجتياح لبنان في الوقت المناسب من اجل بناء شرق أوسط أميركي اسرائيلي جديد؛ 
قرر الأميركي هذه المرة أيضا استغلال عملية طوفان الأقصى من اجل شن عملية القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية تمهيدا لوضع أسس الخط الهندي إلى أوروبا عبر الخليج والكيان الصهيوني...

لكن الفرق بين ٢٠٠٦ و٢٠٢٣ كان في الإعداد والتدريب وتهيئة المفاجآت من قبل العدو هذه المرة...

أسفر ربط الكيان بالقيادة الوسطى لحلف الناتو عن أكبر عملية استخباراتية شارك فيها الكيان المعلومات مع أميركا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا واليونان وقبرص وحتى تركيا إلى جانب الاستفادة من مخابرات ما يسمى دول الاعتدال العربي؛ كل هذا أدى إلى القيام بعمليات اغتيال على مدى سنوات طاولت قيادات كبيرة كثيرة في محور المقاومة كان يجب أن تكون منبها ليس فقط إلى مدى انكشاف هذا المحور، بل حتى إلى وجوب اتخاذ إجراءات محددة لمنع الانفلاش والعودة إلى العمل السري الذي ميز حزب الله بين سنتي ٢٠٠٠ و٢٠٠٦... 

كان يجب على الأقل عمل حساب أن الحرب القادمة سوف تكون مع الأصيل الأميركي الذي يملك ما نعرفه اليوم من قنابل خارقة للتحصينات، تستطيع الوصول حتى عمق ٦٠ مترا تحت الأرض...

لن نعرف ماذا حصل في الأسبوعين اللذين تليا عملية ال pagers ثم اغتيال القادة في ما بدا إنه عملية صيد مكشوفة وصلت إلى السيد نصرالله نفسه، ثم إلى السيد صفي الدين...

صحيح ان الرجال في الميدان تمكنوا من استعادة المبادرة ، لكن عدم التكافئ في حجم الخسائر بين الطرفين قد يعود الى واحد من أمرين وفق تحليل الدكتور حسام مطر:

١-إما أن العدو قد نجح فعلا في تدمير نسبة كبيرة من قدرات المقاومة...

٢- أو أن الحزب لا يزال مصرا على سياسة التصاعد التدريجي في العمليات لأنه لا يزال يعتقد أن الحرب الكبرى لم تندلع بعد؛ 
هذا على الأقل ما باح به السيد نصرالله اكثر من مرة حين تحدث عن أن هذه ليست حرب إزالة الكيان من الوجود، أو حين تحدث عن الانتصار بالنقاط دون الإشارة إلى أن التراكم الكمي في هذه النقاط لا بد أن يصل إلى تغيير نوعي يشبه حتما ضربة قاضية لا تزال بعيدة في حسابات المحور...

خير دليل على ما ذكر أعلاه هو الردين الإيرانيين في الوعد الصادق الأول والثاني حيث بدا واضحا أن إيران لا تريد اتخاذ قرارات حاسمة قبل سنة ٢٠٢٥...

طهران تعرف جيدا أن اي حرب حاسمة مع الكيان سوف تكون ربما وحدها إلى جانب المحور في مواجهة تحالف اسرائيلي عربي غربي...

لقد ثبت بالملموس إلى أي مدى من الوحشية وجرائم الحرب يمكن لهذا التحالف الشيطاني الأميركي أن يذهب...

لماذا لا تزال طهران تصر على فتوى نووية أظهرت كل الدراسات أن فهم الامام الخميني لمجالاتها كان ضيقا ومحدودا لم ير فيه الإمام السلاح النووي التكتيكي او أسلحة اليورانيوم المنضب التي يستعملها الكيان واميركا دون اي وازع أخلاقي...

تقف إيران اليوم، ويقف حزب الله أمام مسودة أميركية لن نعرف ما فيها لأن الحزب لم يرفضها فورا وتلقائيا...

رغم ان القرار ١٧٠١ يحمل في طياته عدم توازن، إلا أنه يبدو أن حزب آلله يقبل به دون تحفظ هذه المرة...
 
في الشرق الأوسط الجديد الذي يتكون اليوم، يعرف حزب الله انه لا يستطيع أن يخسر في الحرب...

التخلي عن غزة كما تريد السلطات اللبنانية وقسم غير قليل من القوى السياسية، خسارة سوف يدفع حزب الله ثمنها في الداخل اللبناني حيث ينتظره الخصوم لكي يذبحوه...

بعد كل هذا التدمير الهائل، 
بعد كل تلك الاعداد من الشهداء؛
بعدما خسرنا كل ما خسرناه، لم يبق لدينا ما نخسره اكثر...

لذلك، لا يمكن القبول بأي قرار قد يحمل ولو إشارة تنازل في حق المقاومة أو في الحد من قوتها...

سنة ٢٠٠٦، انتصر حزب الله في الميدان ثم قبل بتحفظ بالقرار ١٧٠١، غير العادل والذي لم يأخذ نتائج الميدان في الحسبان...

اليوم نقف أمام صورة استشهاد السيد نصرالله وكل القادة الذين كانوا يواجهون حلف الناتو؛
نقف أمام هذا الدمار العظيم...
نقف أمام كل الدماء التي سقطت لتروي أرض الوطن؛
نقف لنقول لحزب الله اننا لا تقبل عن النصر بديلا لو مهما زادت التضحيات...

أن مستقبلنا ومستقبل أولادنا لا يقبل بأن يخرج علينا إبن زانية في الداخل يغبّر على حذاء مقاوم قاتل ويقاتل وسوف يقاتل إلى أن ننتصر أو نمهد الطريق لجيل يخرج من رحم القتال لكي ينتصر...

نفس القول يصدق تجاه طهران...
لا تملك طهران رفاهية الاستمرار في تقبل سقوط الشهداء دون رد مساو...
من قاسم سليماني إلى الرئيس رئيسي؛ مرورا بآلاف الشهداء؛
على طهران حزم أمرها لأن بين مشروع طهران ومشروع إسرائيل الكبرى في الشرق الأوسط لا وجود لأي حلول وسط...

إذا خسرت غزة والضفة، يخسر لبنان...
واذا خسر لبنان، تخسر إيران...
إما نصر لا لبس فيه، او حرب لا تنتهي في وجه الاستعمار وكل أدواته...
وما النصر إلا صبر ساعة...