كتب نور آملي (حسن علّيق):
ثقافة
كتب نور آملي (حسن علّيق): " استباق عودة المنتصرين"
26 تشرين الثاني 2024 , 16:40 م

بعد أيام غير معلومة..

سيرجع أهل الجنوب محمّلين بفضل أهل غير الجنوب عليهم، ومثقلين بالتعب والحنين. 

سترى ازدحاماً نحو الجنّةِ
"المهدَّمة" التي لم تَمُتْ، وترى نظراتِ العوائلِ بعضِها إلى بعض، من سيارةٍ إلى أخرى.. نظراتٍ تُهَنِّئُ بالعودةِ، وتعزي بمن فُقِد، وتحملُ أسئلةً لا تنتهي.. وأجوبةً لم تُقَل.. فهُم هُم. في الحرب انتبهوا أن بيوتَهم متشابهة، وعاداتِهم اليومية واحدة، وأمْزِجَتَهم واحدة، ورائحةَ طبخهم تكادُ لا تختلف.. ولهفتَهم على من لا خبرَ عنهم واحدةٌ أيضا. 

عندما ستصل السيارة الى اتجاهِ البلدة، أي مفرق "القاطع"، سيقولُ
أحدٌ ما في كل سيارة: "وصلنا"! وسيجيبه آخرُ في السيارة: "لم نصل بعدُ"؛ حين ترى لافتةً مكتوباً عليها اسمُ الضيعةِ نكون قدوصلنا..

الكلُّ سيكونُ ممتلئَالمآقي بالدموع الساخنة.. لكنّهُ مبتسمٌ متلهفٌ، وخائفٌ من لحظةِ الوصول، إلَّا التي تجلسُ إلى جانبِ السائق؛ فإنّها ستكونُ صامتةً تماماً، ومرتجفةَ الشفاه..

وحينَما تَظهرُ اللافِتَةُ("الضيعةُ" تُرَحِّبُ بكم)، لن يتمالَكَ أحدٌ نفسَهُ مِنِ افْتِضاحِ طفولَتِه.
 
وفي مكانٍ ما.. في لحظةٍ ما.. ستتوقفُ السيارة.. ستنزلُ الجالسةُ إلى جانبِ السائقِ مُهَرْوِلَةً نحو الوادي القريبِ من دارِها، من دون الالتفاتِ للدار،ستركُضُ على السَّفحِ كما كانت تفعلُ في صِباها. وكما تَتَتَبَّعُ رائحةَ جُبِّ الزعتر في موسمِ قِطافِه،ستَتتبَّعُ رائحةَ ولدِها الشهيد.

سترى ألفَ أُمٍّ سارحةً في البراري، إنّهُ موسمُ قِطافِ الأحبّة... هُناك، واحدةٌ ستعمى، قبلَ أن تصول، وواحدةٌ ستموتُ حينَ تشتدُّ رائحةُ العنبرِ قُرْبَها.
وواحدةٌ ستصلُ، وتتفرّسُ وَجْهَهُ، ثم ترمي بِطَرْفِها نحوَ السماءِ تحكي رفيقَ دربِها:

يا رفيقي، يا الله، لم أطلبْ منكَ أنْ تُعيدَهُ حياً، ولا سالِما.. علمتُ أنّهُ قتيلٌ حين علمتَ أنت، لكنِّي طلبتُ منكَ أن تحفظَ جسدَهُ طرِياً وملامِحَهُ واضحة، ولم تفعلْ..
 ما هكذا الظَّنُّ بك.. 

ثُمَّ ستُسلِّمُ على أُمِّ الحسين، وترجعُ إلى الدارِ وهي تردِّدُ بيتاً وَرِثَتْهُ عن أُمِّها:

"يا مَن شدُّوا عن عيونِي رَحلهون
 عا ديرة غُرب ما فيي رُحلهووون
كم مكتوب مِن يَمِّي رَحلهون
ولا ردّوا عمكتوبي جواب".
المصدر: موقع إضاءات الإخباري