كتبت صمود ابو ارشيد حول كرنفال الإسلاموفوبيا المشتعل حالياً في فرنسا..
عين علی العدو
كتبت صمود ابو ارشيد حول كرنفال الإسلاموفوبيا المشتعل حالياً في فرنسا..
صمود ابو ارشيد
26 تشرين الأول 2020 , 19:13 م
فرنسا والإسلام الأصفر لا نبالغ حين نقول أننا لم نستغرب كرنفال الإسلاموفوبيا المشتعل حالياً في فرنسا , فقد اعتدنا خلال العشر سنوات الأخيرة أن الحل المتّبع في بعض الدول الغربية لتجاوز أزماتها الداخ

فرنسا والإسلام الأصفر لا نبالغ حين نقول أننا لم نستغرب كرنفال الإسلاموفوبيا المشتعل حالياً في فرنسا ,

فقد اعتدنا خلال العشر سنوات الأخيرة أن الحل المتّبع في بعض الدول الغربية لتجاوز أزماتها الداخلية لا يكون إلا باستدعاء اليمين المتطرف , ليبدأ حملةً ممنهجةً ضد الدّين، الأقليات أو الجاليات فلا صوت يعلو فوق صوت التّمييز والعنصريّة,,

سواء كان ذلك ضد المسلمين والإسلام – كما هو في فرنسا الآن – أو ضد كل ماهو ملوّن كما في الولايات المتحدة الأمريكية.

المثير للاستهجان هو أن يكون هذا السّعار برعاية علنيّة وقحة من قبل أعلى مؤسسة في الدولة بعد أن صدّعت رؤوسنا ليلاً نهاراً بتقديم نفسها كنموذج حضاري للديموقراطية ومنارة للحريّة، وهي التي ما زالت حتى اليوم تحتفظ بقرابة 18 ألف رأس قطعتها أثناء احتلالها للجزائر وغيرها في متحفٍ مُشرعة أبوابه للسّياح من مختلف أنحاء العالم.

كذلك لا ننسى الاستعراض الأخير في أحداث لبنان عندما أظهرت فرنسا نفسها في صورة الخارق هرقل الذي يحمل بإحدى يديه غصن زيتون سينشل به لبنان من وحل الفساد لبر الأمان ويد يحمل بها مطرقة لكل فاسد لا يريد الخير لبلاد الأرز , في مشهد تراجيدي استطاع أن يقنع به ما مجموعه 36 ألفاً من مصابي متلازمة ستوكهولم وعدد لا بأس به من أبواق التآمر والانبطاح بالتوقيع على عريضة تطالب بعودة الاحتلال الفرنسي للبنان...

لسنا هنا بصدد تبرير الجريمة ولا تجميل الإرهاب أياً كانت انتماءاته , فنحن الذين دفعنا الثمن غالياً ومنذ اليوم الأول للحرب الكونيّة على سوريا حين تصدّينا للإرهاب المدعوم والمموّل غرباً و شرقاً، عرَّينا شخوصه ونبشنا إرثه ذوداً عن حضارتنا وانتصاراً للأرض والإنسان لا منةً منّا ولا فضل وإنما تثبيتاً لمبادئنا وأملاً بغدٍ أفضل ...

كل ذلك يتعارض مع أن نبرر جريمة بشعة في فرنسا أو في أي مكانٍ آخر في المعمورة , لكن ذلك لا يمنعنا أن نخوض في الأسباب التي دفعت كل طرف لمثل هذه الأفعال المدانة والمشينة.

منذ اليوم الأول لتنصيب ماكرون رئيساً للبلاد , انفجرت بوجهه العديد من الاحتجاجات بدءاً بالنقابات العمالية الرافضة للسياسات النيوليبرالية التي أعلن عنها في حينها وليس انتهاءً بأصحاب السترات الصفراء , وما بين هذه وتلك وما بينهما من الوعود الكثيرة والقليل من الإصلاحات , كان متوقعاً تصدير هذه الأزمات والهروب للأمام , من افتعال أزماتٍ مع دول شرق المتوسط وآخرها اختلاق عدو داخلي خارجي قادر على استيعاب الاتهامات وتحميله كل الإخفاقات , عجزاً عن الإصلاح وقفزاً عن مطالب الشعوب وإرضاءً للرأسمالية المنهارة والحفاظ على مكتسابتها..

وكالعادة لم يجدوا خيراً من الإسلام شماعةً لتحميله كل تلك الإخفاقات,,

وماكرون ليس استثناءً فعندما استثمر في الإسلاموفوبيا المنتشرة في أوروبا مؤخراً و أطلّ علينا قبل قرابة الشهر بوصفه الإسلام " أنه يعاني أزمة وأنه أخذ على عاتقه التصدّي له ومواجهته بصرامة",,

كان هذا التصريح بمثابة ضوءٍ أخضر لليمين المتطرف الفرنسي من إعلاميين وسياسيين وأكاديميين لمهاجمة الإسلام وإذكاء نار التمييز والعنصرية وكان آخرها الأكاديمي المهووس صامويل باتي الذي قتل على يد مهووس آخر , فكلاهما مجرد أدوات لسياسات قذرة وموروث ديني مشوّه ضرّ الأمة ولم ينفعها .

ماكرون ومن معه لم يكونوا أول المتطاولين ولن يكونوا آخرهم , وإصرارهم على تبني تلك الرسومات لتكريس الديموقراطية و حرية الرأي هو كذب وافتراء , وإلا فليخبرنا هؤلاء ما موقفهم من تلك الأصوات الأوروبية والصّحافة الحرّة التي تفضح الصهيونية و تعريها وتوثق جرائمها بالصوت والصورة ..؟!

وأين تبخّرت فجأةً حرية الصحافة و الرأي والتعبير ؟! , إذن هو الكيل بمكيالين كان وما زال سمة العصر. و الضحية هم المسلمون ومعهم الأعراق الملوّنة – كما يحبون تسميتها- سواء في فرنسا أو حتى في غيرها من دول العالم التي تدّعي " التحضّر "، تعالت على إثر هذا النّهج الأصوات المطالبة بحقوقها والمدافعة عن وجودها كرد فعل مبررٍ , ندعمه ونتبناه كحركة " حياة السود مهمة " و حركة المقاطعة BDS , وحركات مقاومة الاحتلال الصهيوني وغيرها من التيارات النشطة المدافعة عن حقوقها في أمريكا الجنوبية وشرق آسيا.

لم يقتصر ذلك على الجاليات التي تعيش على أرضها فقط , بل إنّ قوى الاستكبار لا تتوانى بأن تجوب الأرض بحثاً عن اختلافٍ هنا وخلافٍ هناك لإشعال فتيل أزمةٍ أو حرب وقودها الناس والحجارة لنهب الثروات و تمرير الصفقات وتصريف السلاح , ووصلت بهم الوحشية أن عبّدوا الطّريق للإرهاب والتطرف واستخدموه لنفس الغاية الاستعمارية، هم من استغلوا هذه الأمراض الدينية وشجّعوا متطرّفي بلادهم للذّهاب إلى سوريا، ليبيا واليمن ولم يتركوا جماعةً إرهابية واحدة إلّا وبادروا بدعمها بالسلاح والمال والمعدّات.. هذه بضاعتكم رُدّت إليكم، كفّوا أيديكم عنّا وعن بلادنا فمن زرع ورداً يحصد ورداً ومن زرع ألغاماً، قنابل وأيادٍ ملطخة بالدماء سيحصدُ مثلها وأكثر..

من هنا وهي رسالة مهمّة لشعوبنا العربية الإسلامية أن تعلم أن أعظم الحضارات وأطولها عمراً هي تلك التي تراجع ذاتها، فإذا كان التمسك بثوابت الإسلام واجب , فتطهيره من كل ما تعلّق به من تشويه، كذب وتزوير هو أكثر وجوباً.. علينا أن نلفظ ذاك الموروث الذي يسيء لهذا الدين ونرفض كل ما يقال على لسانه من أحاديث باطلة - لا يقبلها عقل - تفيض بدعوات التكفير، الإقصاء والقتل وتتغلّلها مشاعر الكره واللانسانية , علينا جميعاً أفراداً وجماعات , علماء ومفكّرين , أن نقف وقفة واحدة لإعادة إحياء أخلاق الدين من احترام للاختلاف وتقبّلٍ للآخر وأنّ التعامل الحسن ليس مشروطاً.. يجب أن نتبرأ من التطرف بجميع أشكاله , وأنّ تقديس القديم بنصوصه وشخوصه هي كارثة حقيقية تعطّل العقل وتكبح المشاعر الإنسانيّة , ونتّفق على انّ المرجع الحقيقي لأي نص سماوي هو الإنسان وكل ما يحفظ له حياته وحريته وما يتطابق مع فطرته السليمه , علينا أن نتفحّص وندقّق كتبنا ومرويّاتنا جيداً قبل تقديمها لأبنائنا , هذا هو التّضامن الحقيقي والنّصرة الحقيقيّة فالوضع خطير والمشكلة متأصّلة تحتاج لتصرّفٍ سريعٍ وجاد قبل أن نحصد نحنُ أيضاً مانزرع..

المصدر: موقع اضاءات الاخباري