لقد فضح الاتفاق الذي حصل في غزة الاتفاق الذي حصل في لبنان، فرغم الإبادة الجماعية التي حصلت للشعب الفلسطيني في غزة، والتدمير الممنهج، والخطط الخطيرة التي أعلنت من قبل العدو، والتي وحدها تكسر النفوس، تمكن قادة حماس من انتزاع اتفاق، أقل ما يقال في نتائجه أنه انتصار تام رغم الألم، لقد خرج مقاتلو حماس بكامل زيهم العسكري وسلاحهم ، وملأ المواطنون الساحات، وعادوا إلى مناطق سكنهم، وإن كانوا سيجدون الدمار. وقد أسفر الاتفاق عن اطلاق الرهائن الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، وهو الهدف الذي أعلنته حماس عند انطلاق عملية طوفان الأقصى، بينما تراجع العدو الصهيوني عن كل مخططاته التي كانت ترمي إلى تهجير الغزاويين، وإعادة احتلال القطاع، أو إقامة منطقة عازلة في شماله، وقبل العدو فكّ الحصار الإنساني عن الأهالي.
ماذا حصل في لبنان في المقابل؟
في لبنان الذي تعرضت فيه المقاومة لأكبر مؤامرة وأكبر جريمة حرب، حيث تم استهداف أكثر من أربعة ٱلاف منتمي للحزب، وهم ليسوا في ساحات القتال، بل بين عائلاتهم وفي الأماكن العامة، ولم تحرك السلطة الرسمية ساكنا. ثم اغتيال القادة، وعلى رأسهم الأمين العام، ثم تم استهداف النازحين في أماكن نزوحهم. كانت الطائرات الإسرائيلية تستهدف أي عنصر من حزب الله أينما تحرك. ومع ذلك، استمرت عمليات المقاومة الإسلامية تستهدف مرابض العدو وقواعده العسكرية بفعالية، مجبرة أكثر من ٧٠ ألفا من مستوطنيه على النزوح. وتصدت له برا، مانعة جحافله من التقدم إلا بالمدى الذي يمكنها من الاستحكام عليه، وتكبيده خسائر فادحة بالأرواح. وقد توسعت ضربات المقاومة حتى غطت الكيان من شماله إلى جنوبه، حارمة سكانه من النوم أو العمل، باثة الرعب والهلع في نفوسهم،، فصفارات الإنذار لا تتوقف، وأكثر من مليوني مستوطن يهرعون ليلا نهارا إلى المخابىء، ما شكل عامل نفسيا مميتا ساهم في فعالية المعركة.
ومع ذلك، تم عقد اتفاق بين حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ورئيس مجلس النواب ومع العدو بوساطة أمركية، أقل ما يمكن القول فيه، أنه اتفاق استسلام وإذعان. لقد فوض الأمين العام الجديد لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم أمر التفاوض "للأخ الأكبر" نبيه بري، وبري تفاوض على طريقته، على منوال ما حصل في اتفاق الحدود البحرية، فأخرج اتفاق منح العدو فترة ٦٠ يواما، استغلها الأخير ابشع وأخطر استغلال، فقد فعل ما لم يستطع فعله خلال القتال. لقد اسكت الاتفاق مقاتلي المقاومة، بينما ترك يد العدو حرة، فتقدمت دباباته وأفراد جيشه إلى مراكز الضيع، ووصلوا الى المرتفعات التي كانت عصية عليهم، وراحوا ينتهكون حرمة البيوت الباقية وينهبونها، ثم يدمرونها، ويقتلعون أشجار الزيتون المعمرة والزرع وينقلونها الى داخل الكيان.. واسمروا يستهدفون المقاتلين وفرق الإسعاف، حتى خارج منطقة حنوب الليطاني، واستمرت طائرات الاستطلاع المعادي تنتهك سماء لبنان، وراح يدمر كل موقع تمت الوشاية عليه، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وحكومة تصريف الأعمال، صامتة صمت الأموات، والمندوب السامي الأمركي الصهيوني، هوكشتين، يزور الجهات الرسمية ويحضى بالتكريم والتبجيل.
لم يفهم أحد من اللبنانيين، كيف تم ذلك الاتفاق، ففرض وقف القتال على مقاتلي حزب الله والاختفاء، والتخلي عن السلاح حنوب الليطاني، بينما سمح للعدو بأن يستمر بأعماله العسكرية وانتهاك سيادة لبنان، كما منع المواطنين اللبنانيين من العودة إلى ديارهم، جلّ ما حصل وقف القصف اليومي للضاحية.
لا زال السؤال مطروحا على المسؤولين اللبنانيين، خاصة رئيس الوزراء ميقاتي، ووزير الخارجية أبو حبيب ورئيس مجلس النواب بري، وممثلي حزب الله في مجلس النواب كيف حصل ذلك الاتفاق، وما المقصود منه ومن المستهدف به. ويجب أن يكون مفتوحا باب المحاسبة عن التنازل الذي حصل في الاتفاق، حتى لا نقول غير ذلك، حيث أتى ليكمل مسيرة الخيانة والتٱمر ضد المقاومة الإسلامية في لبنان، تلك المقاومة التي حملت لواء الدفاع عن وعن القضية الفلسطينية في المنطقة والعالم، وتحملت أفدح الخسائر بالأرواح والأموال..