كتب الأستاذ حليم خاتون:
"لا يستطيع أي كان الركوب على ظهرك، اذا أنت لم تنحنِ"...
نيلسون مانديلا
تخرج تسريبات غير مؤكدة لكنها بالتأكيد تبرر للتيار الإصلاحي في إيران عدم خوضه المواجهة إلى درجة حافة الهاوية كما يفترض؛
فهو في كل الأحوال على لائحة الإستهداف...
يوما يُقال إن الإمام الخامنئي سأل الشهيد اسماعيل هنية مباشرة بعد السابع من أكتوبر فيما إذا كان هدف طوفان الأقصى بدء عملية تحرير فلسطين وأن إيران عدلت عن الدخول في الحرب بعد جواب هنية بأن الهدف هو فقط تبادل أسرى...
يوما آخر يُقال ان الشهيد عبد اللهيان نصح الشهيد السيد نصرالله عدم الدخول في حرب الإسناد...
كل يوم تقريبا منذ سقوط بشار الأسد، يقوم الفريق الإيراني بتسريب أخبار عن استعداد إيراني كان موجودا لفتح جبهة الجولان لدعم المقاومة الإسلامية في لبنان وغزة، لكن الروس وبشار الأسد رفضوا ذلك، وأن الامور وصلت بالروس الى درجة نشر الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب السوري لمنع فتح هذه الجبهة... (يعزز هذا التسريب ان الروس كانوا على مدى التاريخ الحديث إحدى القوى التي تحمي وجود إسرائيل)...
يرد فريق البعث بأن جواب الأسد كان حاسما حين قال للإيرانيين بأنه سوف يدخل الحرب فور دخول إيران فيها، وان هذه الأخيرة لم تفعل!...
بصراحة كل هذا الحكي له معنى واحدا فقط:
فرط المحور!...
كل فريق يلقي اللوم على فريق آخر...
كل التقديس لرجال المقاومة الفلسطينية في غزة...
كل التقديس للقتال الأسطوري الذي قام به مقاتلو حزب الله على الحافة الحدودية مع فلسطين المحتلة...
كل التحية للتيار الراديكالي داخل حزب الله... وهو تيار موجود فعلا، وكان يريد الرد على العدو منذ اليوم الأول...
كل الدلائل تشير الى ان السيد نصرالله نفسه كان يريد كبس الزر في الثامن من أكتوبر( تذكروا السكيتش الذي مررته القنوات المؤيدة لحزب الله حول سير السيد وكبسه زرا ما...)؛ لكن رفضا جاء من زاوية ما لا شك أن لها علاقة بالتيار غير الرديكالي في المحور...
تصر المقاومة الفلسطينية على أنها انتصرت في هذه الحرب...
مظاهر عودة السكان إلى شمال غزة ورفع شارات النصر تقول ان هذه المقاومة لم تخضع، ولم ترفع الراية البيضاء رغم تدمير اكثر من سبعين بالمئة من غزة وأكثر من خمسين ألف شهيد ومئة وخمسين ألف جريح...
يصر حزب الله انه انتصر في هذه الحرب لأنه استطاع الصمود، ولم تستطع الحرب الكونية التي قام بها الناتو بما في ذلك تركيا اردوغان عليه من تصفيته...
في حرب الدفاع عن بلدات الحافة، لا يوجد ادنى شك أن مقاتلي حزب الله حققوا صمودا اسطوريا يسجل نصرا دفاعيا غير مسبوق أمام آلة حربية مؤلفة من كامل الناتو إضافة إلى قوى التكفير في سوريا ولبنان وقوى العمالة المباشرة وغير المباشرة داخل لبنان والتي تزيد على نصف سكان هذا البلد...
سنة ٧٣ حقق الجيش المصري أسطورة عسكرية حين استطاع عبور مانع مائي عريض هو قناة السويس وتدمير خط بارليف وتأمين رؤوس برية لتقدم القوات البرية والدبابات المصرية على جسور متحركة تم تركيبها خلال الحرب...
بالميزان العسكري...
انتصر الجيش المصري انتصارا ساحقا...
لكن النتيجة النهائية كانت كارثية حين أجهضت القيادة السياسية إنجازات الجيش عبر سماحها بخرق اسرائيلي في الدفريسوار بسبب تدخل الرئاسة في خطط الجيش عمدا لتحويل الحرب من التحرير إلى التحريك...
بإختصار، اتفق السادات مع أميركا على الوقوف عند هذا الحد بعد تهديد أميركي إسرائيلي وصل العتبة النووية...
استسلم السادات وأخرج نصرا بطعم الهزيمة بموافقة أميركية...
لانه من الأساس لم يمتلك رؤية تحريرية، خضع السادات وابرم اتفاقية كامب ديفيد واخرج مصر من الصراع، وترك حرية العمل لاسرائيل التي بدأت فعلا حرب انهاء منظمة التحرير في لبنان...
ربما تختلف القيادة السياسية عند المقاومة الاسلامية في لبنان عن تلك المتمثلة بالسادات،
لكن النتيجة كانت واحدة...
تم إجهاض كل إنجازات المقاتلين على الجبهة عبر اتفاق أقل ما يقال فيه انه اتفاق أحمق...
في حزب الله هناك من يقول أن الحزب لم يطلع على النسخة الأخيرة للاتفاق...
كلام هراء...
حزب الله بدأ بارتكاب الهفوات حتى قبل اندلاع طوفان الأقصى...
كيف يمكن لحزب لا يوافق على وجود الكيان القبول بمبعوث أميركي منذ ترسيم الحدود البحرية يحمل جواز سفر اسرائيلي وكان قد خدم في جيش الكيان وكان في الخدمة أثناء اجتياح ٨٢...
هناك من يلوم الرئيس بري!
هل هناك شك في انتماء الرئيس بري إلى خط المقاومة!...
الرئيس بري فاوض سنة ٢٠٢٤ كما فاوض سنة ٢٠٠٦...
سنة ٢٠٠٦ كان هناك ظروف صمود باهر لا يمكن التعمية عليه...
سنة ٢٠٢٤، فاوض الرئيس بري وهو يقف على رمال متحركة داخل محور المقاومة...
ليس هناك من شك أن الرئيس بري فاوض وهو يرى أمامه وضعية المقاومة التي كانت مشتتة، مبعثرة، لا وضوح عندها، لا في القيادة ولا في السيطرة...
عل الأقل هذا ما ظهر حتى الآن؛ وألا لماذا يستمر حزب الله في تفويض الرئيس بري إجراء مفاوضات، او مراجعات بشأن الإتفاق، وهو يرى كل يوم خروقات تحمل المزيد من الاستفزاز والاستهزاء...
بعد أكثر من شهرين ونصف من اتفاق وقف النار الذي كان يُنفذ من جهة واحدة فقط هي المقاومة، يمكن القول إن حزب الله ومنذ وقت طويل يسير من تراجع إلى تراجع آخر...
هو تراجع في الترسيم البحري...
ثم دخل الحرب، رجل إلى الأمام، ورجل إلى الوراء...
عنوان هذه السياسة يظهر عبر الانتقال من مرحلة الصهيوني الديمقراطي هوكشتاين، إلى مرحلة اليهودية الآتية من المسيحية الصهيونية في الحزب الجمهوري، أورتاغوس التي أرسلها ترامب لمزيد من استغلال وضعية اللاقرار بالمواجهة عند الحزب...
عنوان المرحلة يظهر في مفاوضات تأليف الحكومة...
الثنائي دخل في مفاوضات من موقع ضعف حين قبل بكل ما يفعله الأميركي منذ انتخاب الرئيس، إلى تكليف رئيس الحكومة المفترض، ثم إلى فرض تخلي الثنائي عن وزير من أصل خمسة...
امس انتقل الأميركيون إلى المرحلة التالية:
رفض اي وزير يسميه حزب الله...
إذا قبل الحزب بهذا، سوف يرفض الأميركيون وجود أي وزير يسميه الثنائي...
باختصار،
كل تراجع يؤدي إلى تراجع جديد...
كل محور المقاومة يلتزم نفس سياسة التراجع...
مع كل تراجع، يدفع المحور أثمانا كان من الممكن تلافيها...
تلقى ضربة العاروري، سكت، ولم يرد رغم قصة ميرون التي هدفت لإسكات البيئة ليس إلا...
تلقى ضربة فؤاد شكر واكتفى بنفس الحد الأدنى من الرد...
بعد هذا السكوت، تجرأ الناتو والكيان على مطاردة قادة حزب الله من بيت إلى بيت، ومن بناء إلى بناء...
المقاومة لم ترد كما يُفترض...
إيران لم ترد...
سوريا في خبر كان...
يتمادى الناتو، ويغتال قائد المحور نفسه... السيد نصرالله...
تكتفي المقاومة بأسخف رد ممكن تصوره...
بعد شعورها بمدى الاستياء من مواقفها المستغربة، تقوم إيران برد يزيد العيار قليلا عن الرد على قصف السفارة في دمشق دون الوصول الى المستوى المطلوب...
سرعان ما توقف الرد...
ثم ابتلعت إيران ريقها، ولم ترد على الرد الاسرائيلي الذي طال رادارات الدفاع الجوي باكثر من مئة طائرة...
إلى أي مدى سوف يتراجع الحزب...
تارة باسم التسامح لأجل إعادة الإعمار؛ وتارة أخرى باسم الخوف من جبهة الداخل...
إعادة الإعمار سوف تكون دوما سيفا مسلطا على الحزب...
التكفيريون في سوريا ولبنان، وعملاء إسرائيل المباشرين وغير المباشرين في البلدين سوف يكونون موجودين دائما...
لكن هل يبرر هذا التراجعات التي لا تتوقف؟
هل نبقى نتراجع دون توقف، وحتى متى؟
يبدو حتى اليوم ان حزب الله لا يزال يسير من تراجع إلى تراجع آخر، رغم الأثمان الكبيرة التي يدفعها مع كل تراجع...
متى سوف يعي الحزب أن الأوان قد آن لاتخاذ قرار المواجهة والسير بهذه المواجهة إلى الأخير...
لو فعلها الحزب في الثامن من أكتوبر، لكنا تجنبنا على الأقل تقديم كل هذه الخسائر دون تكبيد العدو خسائر كبيرة إلى درجة دفعه نحو حافة فقدان إمكانية استمرار الوجود...
اكتفى محور المقاومة بالتراجعات المجانية حتى وصلنا إلى تهديد وجود حزب الله في لبنان...
خسرنا وجود محور مقاومة في سوريا حين لم ننتبه إلى تبعية بشار الأسد إلى النظام الرسمي العربي، وحتمية انتقاله عاجلا أم آجلا إلى نفس مزبلة التاريخ التي يتواجد فيها هذا النظام...
خسرنا العراق حين تم لجم التيار المقاوم فيه، وترك الأمور في أيدي قيادات تقف في الوسط ليس بين العراق وإيران، بل بين إيران وأمريكا في إهمال واضح لمصالح العراق القومية العابرة للحدود...
الحمدلله ان اليمن لا يصغي لقيادة المحور في طهران وإلا كنا فقدنا صنعاء كما فقدنا غيرها...
أما طهران...
لا ينفع الصراخ والتهويل بامتلاك السفن والصواريخ وطائرات سو ٣٥...
كل هذا لا ينفع طالما أن القرار باستعمال كل هذا غير موجود...
الذي سمح باغتيال قادة الرضوان هو عدم استعمال سلاح الردع الذي كان لا يزال موجودا...
الذي سمح باغتيال السيد نصرالله، هو عدم وجود قرار بالرد على كل ما سبق...
باختصار، ظل محور المقاومة ينحني أمام الضربات حتى تمكن الأميركي من الركوب على ظهره...
بدون قرار، لن يكون هناك إمكانية لقلب الاميركيين ومن معهم من فوق ظهورنا، والبدء بتوجيه اللكمات اليه...
ما يملكه ما تبقى من محور المقاومة اليوم، هو اكثر بكثير مما كان يملكه نفس هذا المحور سنة ٢٠٠٠ وسنة ٢٠٠٦...
هو اكثر بكثير مما كان يملكه الحسين بن علي في كربلاء...
الفرق، كل الفرق،
أن الحسين بن علي كان يملك القرار، اما ما تبقى من محور المقاومة، فهو بعيد حتى هذه اللحظة عن امتلاك قرار المواجهة...
ومن لا يمتلك قرار المواجهة، يبقى على نفس الانحناء ويركب الآخرون على ظهره...
سألوا فرعون:
" مين فرعنك؟"
أجاب،
"ما لقيت حدا يردني!"...



