الكشف عن العلاقة بين التنفس وحدقة العين
منوعات
الكشف عن العلاقة بين التنفس وحدقة العين
24 شباط 2025 , 09:36 ص

درس العلماء على مدى عقود  حجم حدقة العين لفهم الانتباه والعواطف وحتى بعض الحالات الطبية، ولكن الآن اكتشف الباحثون أن حدقة العين تتغير في الحجم تزامنا مع عملية التنفس، في كشف غير متوقع يحمل دلالات علمية هامة.

كيف تتغير حدقة العين ولماذا؟

حدقة العين ليست ثابتة أبدا، فهي تتكيف باستمرار استجابةً لعوامل خارجية وداخلية، وظيفتها الأكثر شهرة هي التحكم في كمية الضوء التي تدخل إلى العين، تماما كما تعمل فتحة الكاميرا.

يمكنك تجربة ذلك بنفسك: قف أمام المرآة وسلط ضوءا على عينيك، ستلاحظ تقلص حدقة العين على الفور، هذه الآلية تؤثر بشكل مباشر على إدراكنا البصري، حيث تساعد الحدقة الواسعة في رؤية الأجسام الخافتة، خاصة في الرؤية المحيطية، بينما تعمل الحدقة الضيقة على تعزيز الحدة البصرية، مما يسهل مهام مثل القراءة.

دور حدقة العين في تقييم وظائف الدماغ

تعد استجابة حدقة العين للضوء مؤشرا موثوقا لصحة الدماغ، حيث يعتمد الأطباء عليها لتقييم وظائف الدماغ. إذا لم تستجب الحدقة للضوء، فقد يكون ذلك علامة على مشكلة طبية خطيرة، مثل السكتة الدماغية.

لكن الضوء ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على حجم الحدقة؛ فهي تتقلص عند التركيز على شيء قريب، وتتسع عند بذل جهد معرفي أو استجابة لمشاعر قوية، كما قالت عالمة الأبحاث الألمانية إيرين لوينفيلد:

"قد يحمر الإنسان خجلا أو يشحب وجهه عند الانفعال العاطفي، لكن حدقته دائمًا تتسع."

لهذا السبب، يُستخدم قياس حجم الحدقة في أبحاث علم النفس وعلم الأعصاب كدليل على مستوى الانتباه والجهد الذهني.

الاستجابة الرابعة: كيف يؤثر التنفس على حدقة العين؟

لمدة عقود، كان العلماء على يقين من وجود ثلاثة أنواع فقط من استجابات الحدقة: استجابتها للضوء، استجابتها للتركيز، واستجابتها للمجهود المعرفي أو العاطفي، لكن الآن كشف فريق بحثي من معهد كارولينسكا في ستوكهولم وجامعة جرونينجن في هولندا عن استجابة رابعة غير متوقعة: التغيرات في حدقة العين أثناء التنفس.

استجابة حدقة العين التنفسية

أظهرت الدراسة أن حدقة العين تصل إلى أكبر حجم لها أثناء الزفير، بينما تكون أصغر عند بداية الشهيق. هذه الاستجابة فريدة من نوعها لأنها تحدث باستمرار، وتغطي كلا من التوسع والانقباض دون الحاجة إلى محفز خارجي مثل الضوء أو الجهد الذهني.

رغم وجود إشارات غير مؤكدة حول العلاقة بين التنفس وحجم الحدقة منذ أكثر من 50 عاما، إلا أن الأدلة كانت غير قاطعة. نظرًا للاعتماد الواسع على قياس حجم الحدقة في الطب والأبحاث، رأى العلماء ضرورة التحقق من هذا الارتباط بشكل علمي.

تجارب علمية تثبت العلاقة بين التنفس وحدقة العين

أكد الباحثون هذا الاكتشاف من خلال سلسلة من خمس تجارب شملت أكثر من 200 مشارك. تمت مراقبة حجم حدقة العين وأنماط التنفس أثناء استرخاء المشاركين وأداءهم لمهام على شاشة الكمبيوتر.

في هذه التجارب، قام الباحثون بتغيير العوامل الأخرى التي تؤثر على استجابة الحدقة، مثل الإضاءة، مسافة التركيز، والجهد الذهني المطلوب، ورغم ذلك ظل تأثير التنفس على حجم الحدقة ثابتا.

كما اختبر الفريق تأثير أنماط التنفس المختلفة، حيث طُلب من المشاركين التنفس عبر الأنف أو الفم، وتغيير معدل التنفس بين السريع والبطيء، في جميع الحالات، ظهر نفس النمط: تصبح حدقة العين أصغر عند بداية الشهيق، وأكبر أثناء الزفير.

تأثير محتمل على طريقة إدراكنا للعالم

يكشف هذا الاكتشاف عن ارتباط أعمق بين التنفس والجهاز العصبي مما كان يُعتقد سابقا، والسؤال الكبير التالي هو: هل تؤثر هذه التغيرات الطفيفة في حجم الحدقة على إدراكنا البصري؟

على الرغم من أن هذه التغيرات لا تتجاوز أجزاء من المليمتر، إلا أن حجمها يعادل استجابة الحدقة للجهد الذهني أو الانفعال العاطفي، وهذا يعني نظريا أنها قد تؤثر على طريقة رؤيتنا للأشياء.

من الممكن أن تتغير رؤيتنا داخل كل نفس، حيث تتحول بين تحسين القدرة على اكتشاف الأجسام الخافتة (عند اتساع الحدقة) والتمييز بين التفاصيل الدقيقة (عند تقلص الحدقة).

دور جديد للحدقة في تشخيص الأمراض العصبية

تماما كما تُستخدم استجابة حدقة العين للضوء كأداة تشخيصية، قد يوفر التغير في العلاقة بين الحدقة والتنفس مؤشرا مبكرا لبعض الاضطرابات العصبية.

هذا البحث هو جزء من جهد أوسع لفهم كيف تؤثر الإيقاعات الداخلية للجسم على الإدراك، العلماء يكتشفون بشكل متزايد أن الدماغ لا يعالج المعلومات الخارجية بمعزل عن الإشارات القادمة من داخل الجسم.

على سبيل المثال، تشير دراسات إلى أن نبضات القلب وإيقاعات المعدة قد تؤثر أيضا على كيفية معالجة الدماغ للمحفزات الحسية.

هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام أبحاث جديدة حول كيفية تأثير إيقاعات الجسم على الإدراك – "نَفَسا بعد نَفَس."