الكشف عن الرابط بين الساعة البيولوجية وزيادة استهلاك الطعام ليلا
منوعات
الكشف عن الرابط بين الساعة البيولوجية وزيادة استهلاك الطعام ليلا
1 آذار 2025 , 12:27 م

كشفت دراسة علمية حديثة أن المراهقين الذين يعانون من السمنة يميلون إلى تناول المزيد من السعرات الحرارية في المساء، ليس فقط بسبب العادات أو قلة النوم، ولكن نتيجة تأثير  الساعة البيولوجية الداخلية للجسم، وأظهرت الدراسة التي أُجريت في بيئة محكمة، أن الإيقاع اليومي يؤثر بشكل مباشر على توقيت وكميات الطعام المستهلكة، مما يفتح الباب أمام استراتيجيات جديدة لإدارة الوزن.

العلاقة بين السمنة والإيقاع اليومي وعادات الأكل

بحلول عام 2030 من المتوقع أن يعاني ما يقرب من نصف سكان الولايات المتحدة من السمنة، وهي حالة تزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري والسرطان، ورغم أن الأبحاث السابقة ربطت بين النوم والعادات الغذائية وزيادة الوزن، فإن الدور الدقيق الذي يلعبه النظام اليومي الداخلي للجسم في تنظيم سلوكيات الأكل ظل غير واضح.

كشفت دراسة جديدة أجراها مستشفى ماساتشوستس العام بالتعاون مع كلية الطب وارن ألبرت بجامعة براون أن المراهقين الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة يستهلكون سعرات حرارية أكثر في وقت متأخر من اليوم مقارنة بأقرانهم الذين يتمتعون بوزن صحي، وتشير هذه النتائج إلى أن الإيقاع اليومي يلعب دورا رئيسيا في تنظيم تناول الطعام، خاصة بين الأفراد المعرضين لخطر السمنة وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS).

تأثير الساعة البيولوجية على استهلاك الطعام

يقول فرانك أ. جي. إل. شير، أستاذ الطب ومدير برنامج كرونوبيولوجيا الطب في مستشفى بريغهام:

"كنا نعلم أن النظام اليومي يؤثر على الجوع والتمثيل الغذائي، لكن ما لم يكن واضحا هو ما إذا كان هذا التأثير يحدث بشكل مستقل عن العوامل البيئية والسلوكية مثل الضوء والنوم والنشاط البدني. هذه الدراسة هي الأولى التي تثبت أن تناول الطعام نفسه يخضع لتنظيم الساعة البيولوجية الداخلية."

ووجد الباحثون أن المراهقين الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن يستهلكون سعرات حرارية أكثر في المساء مقارنة بأقرانهم الذين يتمتعون بوزن صحي، ومن المثير للاهتمام أنه لم تُلاحظ فروق كبيرة في إجمالي وقت النوم بين المجموعات المختلفة، مما يدل على أن التأثير يعود إلى الساعة البيولوجية وليس إلى اختلافات في أنماط النوم.

كيف تشكل الإيقاعات اليومية أنماط الأكل؟

يتكون النظام اليومي من تريليونات من الساعات البيولوجية المنتشرة في جميع أعضاء وأنسجة وخلايا الجسم، والتي تعمل على تهيئة وظائفنا البيولوجية والسلوكية لمواكبة التغيرات بين الليل والنهار، لكن تأثير الساعة البيولوجية يختلف من شخص لآخر نتيجة مزيج من العوامل الوراثية والسلوكية والبيئية.

وتسلط هذه الدراسة الضوء على العلاقة بين فئة الوزن والسعرات الحرارية المستهلكة والإيقاع اليومي لدى المراهقين، وهي فئة غالبا ما تُهمل في الأبحاث رغم أن عاداتهم الغذائية تؤثر بشكل كبير على صحتهم المستقبلية.

شملت الدراسة 51 مراهقا تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا، بمتوسط عمر 13.7 عاما، وتم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات وفقا لمؤشر كتلة الجسم (BMI):

24 مراهقا في المجموعة ذات الوزن الصحي

13 مراهقا في مجموعة زيادة الوزن

14 مراهقا في مجموعة السمنة

وقد تم إخضاع جميع المشاركين لدورة نوم واستيقاظ مدتها 28 ساعة لمدة سبعة أيام، حيث عاشوا في بيئة محكومة بإضاءة خافتة خلال الاستيقاظ وظلام تام أثناء النوم، وتمت إزالة جميع المؤثرات الزمنية الخارجية، بما في ذلك الساعات والضوء الطبيعي، لضمان قياس تأثير الساعة البيولوجية بشكل دقيق.

تأثير الساعة البيولوجية المباشر على عادات الأكل

أظهرت النتائج أن التغيرات في الإيقاع اليومي خلال النهار والليل تؤثر بشكل كبير على استهلاك الطعام لدى جميع المشاركين، فقد بلغ استهلاك الطعام ذروته في وقت متأخر من بعد الظهر والمساء، وكان في أدنى مستوياته في الصباح، حتى بعد احتساب العوامل السلوكية والبيئية، وهذا يثبت أن الساعة البيولوجية الداخلية للجسم تؤثر مباشرة على كميات الطعام التي نستهلكها على مدار اليوم.

ورغم أن الدراسة كشفت عن تأثير الإيقاع اليومي على استهلاك الطعام والاختلافات بين المجموعات وفقا للوزن، فإنها لم تتمكن من الإجابة عن السؤال المتكرر: هل تؤدي أنماط الأكل المتأخرة إلى زيادة الوزن، أم أن زيادة الوزن تؤثر على توقيت تناول الطعام؟

استراتيجيات مستقبلية لتحسين الصحة من خلال تعديل توقيت الأكل

يقول ماري أ. كارسكدون، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ الطب في كلية وارن ألبرت:

"مرحلة المراهقة تُعتبر حاسمة في تشكيل صحة الإنسان مدى الحياة، لذا من الضروري فهم تأثيرات توقيت النوم والإيقاع اليومي على عادات الأكل."

ويمكن أن تفتح هذه النتائج الباب أمام تطوير استراتيجيات جديدة لتحسين صحة المراهقين من خلال ضبط توقيت تناول الطعام، ويهدف الباحثون في المستقبل إلى فهم أعمق للعلاقة بين النظام الغذائي والإيقاع اليومي والتمثيل الغذائي، واستكشاف آليات بيولوجية جديدة يمكن أن تسهم في تصميم تدخلات غذائية موجهة تعتمد على التوقيت البيولوجي لتعزيز الصحة والحد من السمنة.

تؤكد هذه الدراسة أن الساعة البيولوجية للجسم تلعب دورا رئيسيا في تحديد توقيت تناول الطعام وكميته، مما يؤثر على الوزن والصحة العامة، ومع تزايد معدلات السمنة بين المراهقين، فإن التحكم في توقيت الأكل قد يكون استراتيجية فعالة لإدارة الوزن والوقاية من الأمراض المزمنة في المستقبل.