اتفاق الجولاني / عابدي يؤكد المؤكد
مقالات
اتفاق الجولاني / عابدي يؤكد المؤكد
حليم خاتون
12 آذار 2025 , 09:16 ص


كتب الأستاذ جليم خاتون:

كل يوم، ومع كل حدث يتكشف الثمن الكبير الذي كانت أميركا وإسرائيل مستعدة لدفعه مقابل القضاء نهائيا على القضية الفلسطينية...

يتصور البعض إن كل ما يحصل اليوم هو من صنع ترامب؛ لكن الحقيقة تُظهر كل يوم أكثر وأكثر أن الصفقة بدأت مع بايدن...
وفق كل المعطيات حتى اليوم؛ بدأ تلميع وتدريب الجولاني على الأقل منذ ثلاث سنوات وفق سردية "سقوط دمشق" للكاتب نضال حماده...
تولى التدريب بشكل خاص جهاز المخابرات البريطاني الذي يعرف العرب، ويعرف المنطقة، ويعرف أدق تفاصيل تاريخ هذه المنطقة منذ كانت بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس...
هناك من يشكك في أصول الجولاني؛ تماما كما أن هذه الشكوك تطال الكثيرين من العشرين الف مرتزق إرهابي تكفيري تنقّل في المنطقة منذ أحداث البوسنة؛ وربما حتى منذ الاحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي انتهى بالقضاء على الإمبراطورية السوفياتية...لكن مما لا شك فيه أن معظم هؤلاء الارهابيين كانوا دائما في خدمة مشاريع أميركا...
بريطانيا التي زرعت لورنس العرب في الجزيرة العربية لترويض العرب، هي نفسها بريطانيا التي ساعدت عبد العزيز بن سعود على الإطاحة بالشريف حسين الذي كان قد وقّع على تحالف ضد الدولة العثمانية مقابل مملكة عربية يكون هو على رأسها...
كان يجب الإطاحة بالشريف حسين للتخلص من التزامات بريطانيا تجاه العرب الذين ثاروا وساعدوا على إسقاط الإمبراطورية العثمانية من جهة، كما كان يجب إرضاء عبد العزيز بن سعود الذي التزم في المقابل النظر بإيجابية تجاه حلم "أولاد عمنا اليهود" في استيطان فلسطين من جهة أخرى... ( تعبير "أولاد عمنا اليهود" ورد هكذا، حرفيا في رسالة عبد العزيز إلى الرئيس الأميركي)...
من شبه المؤكد ان بريطانيا البارعة جدا في زرع رجالها في كل المواقع الحساسة، قد زرعت فعلا أكثر من رجل...
حتى الموساد الاسرائيلي تعلم من المخابرات البريطانية كيفية العمل بعد أن سلمت بريطانيا كل شيء "لليهود" قبيل مغادرة آخر جندي بريطاني لفلسطين وسط أكبر عملية تطهير عرقي، واكبر عملية نهب للثروات والأرض منذ استعمار الاوروبيين لأميركا وأستراليا ونيوزيلاند...
منذ الخمسينيات من القرن الماضي قام الموساد بتأسيس جامعة اسلامية في تل أبيب مع كليات شريعة لكل المذاهب الإسلامية...
كم من هؤلاء يا تُرى زُرع فعلا في العالمين العربي والإسلامي بينما تباهت المخابرات المصرية بزرع رفعت الجمال دون التمكن حتى من الاستفادة منه في تجنب نكسة ٦٧، أو حتى المحافظة على إنجازات الجيوش المصرية في حرب الاستنزاف وحرب ٧٣ التي انتهت بهزيمة ساحقة للأمة عبر اتفاقية كامب ديفيد التي ارجعت سيناء إلى مصر مقابل الاستفراد بسوريا ولبنان وفلسطين تحت الشعارات البراقة التي تغلف السم بالعسل وفق شعار مصر أولا...
مصر أولا...إنتشر هذا الفايروس ليصيب كل أطراف هذه الأمة التي لا تزال تعتقد انها "خير أمة أُخرجت للناس"دون معرفة أين يكمن هذا الخير...
عودة إلى موضوع الصفقة...
في مقالة سابقة، ربط كاتب هذه الأسطر عدة أحداث بعضها مع بعضها الآخر ليخرج باستنتاج أن مستشار نتنياهو الذي سافر إلى موسكو ثم أنقرة أثناء فشل الهجوم البري بأكثر من ٧٥ الف جندي صهيوني ضد لبنان إنما ذهب لإنقاذ الحلف الجهنمي من ورطة قد تلامس الهزيمة الكاملة رغم اغتيال القادة والخسائر الكبيرة التي مُنيَ بها الحزب...
لقد جرت تلك الحرب ضد لبنان وضد غزة تحت غطاء جوي أطلسي وإدارة القيادة الوسطى لحلف الناتو عبر الجنرال الأميركي كوريلا مباشرة من غرفة العمليات في وزارة الحرب الصهيونية في تل أبيب...
أدار كوريلا العمليات مع تسخير كل القواعد الأميركية والأطلسية في الخليج وألمانيا وبريطانيا وقبرص واليونان وتركيا والأردن والمغرب...
كل ذلك لم ينجح؛ فكان القرار بوجوب دفع ثمن كبير من اجل كسر محور المقاومة...
لم يكن الثمن سوى إسقاط الحلقة السورية في هذا للمحور عبر رشوة بوتين في أوكرانيا، وتقديم الورقة الكردية لإردوغان لكي ينسى نهائيا القضية الفلسطينية حتى لو تكلم عنها بين الحين والحين كما يفعل كل النظام الرسمي العربي الذي يبيع الفلسطينيين اقوالا ثم يطعنهم في الظهر...
إذا كانت الأمور في أوكرانيا لم تسلك بعد كما تم وعد بوتين فإن ترامب يمشي هناك خطوة خطوة حيث يقوم باستقطاب الدولة العميقة التي التزمت حرب أوكرانيا وقد نجح حتى الآن باستمالة لوبي النفط عبر اصدار تراخيص تنقيب تتجاهل كل قوانين البيئة؛ كما اكتسب لوبي الصناعات الحربية عبر فتح بوابات التصدير إلى إسرائيل وغيرها على مصراعيها كما شدد على الاتجاه صوب عسكرة كل العالم من بنما الى الصين، ومن القطب الشمالي وغروينلاند إلى البحرين المتوسط والأحمر...
أما لوبي المال فقد أصبح في جيبه تماما وفقا لكلمة السيناتور بيرني ساندرز الذي تحدث عن ارتكاز ترامب على ثلاث امبراطوريات مالية كانت تقف إلى جانبه أثناء التنصيب:
١- إيلون ماسك مالك تويتر ومالك أضخم صناعة سيارات ترتبط بأقمار صناعية خاصة إضافة إلى اتهامات بامتلاك صناعات تختص بالجينات البشرية...
٢- بيزوس، مالك امبراطورية أمازون التي تحتل المرتبة الأول عالميا في التجارة الرقمية بالإضافة إلى جهاز اعلامي يبدأ بجريدة الواشنطن بوست ولا ينتهي بالسيطرة على أكثر من ميديا من بينها Prime...
٣- زوكيربيرغ... عملاق Google وأخواتها...
لم يكتف ترامب بهؤلاء بل ذهب أكثر حين وضع خمس عشر مليارديرا من أكبر أغنياء أميركا في مواقع اتخاذ القرار داخل الإدارة الأميركية...
يمكن القول أن ترامب على وشك السيطرة على مؤسسات الدولة العميقة واستمالتها إلى طريقته في خوض الصراع مع الصين...
في النهاية ترامب والدولة العميقة يريدان نفس الأهداف: إخضاع العالم لأميركا...
الفرق الوحيد بينهما كان أن الدولة العميقة كانت تلجأ إلى الابادة وجرائم الحرب لتحقيق السيطرة فقط بعد فشل الحلول الأخرى؛ بينما لا يعبأ ترامب بالآخرين...
هو لا يكترث، ومستعد لإظهار وجه أميركا البشع دون أي رتوش...
ماذا يعني اتفاق الجولاني مع عابدي...
هذا يعني أن تركيا سوف تحصل على مرادها في سوريا، على الأقل في الزمن المنظور...
بعد أوجلان وحزب العمال الكردستاني في تركيا، ها هي قسد تدخل في الدولة السورية التي سوف تتبع أوامر أنقرة...
هذا الاتفاق يوجه ضربة قاضية لأي نفوذ روسي او إيراني داخل البيئة الكردية في حال تعثرت صفقة أوكرانيا أو في حال أراد الروس اللعب خارج قوانين اللعبة الأميركية كما حدث في الساحل...
لا يهم تركيا أو أميركا بضع عشرات من رجال الجولاني وبضعة آلاف من المدنيين العلويين...
ما حدث في الساحل هو عملية تركية أميركية بحتة أظهرت مدى هشاشة وضع روسيا في سوريا...
على الطريقة الإسرائيلية بالتضحية بيهود، قامت تركيا بتدبير عدة كمائن ضد رجال الجولاني لكي يحصل شد عصب سُنّي حول هذا الأخير من جهة، ويتم تصفية بضعة آلاف من العلويين فينتظم الجميع داخل الصف التركي وتقوم تركيا في الوقت عينه بتصفية حتى السُنّة الذين خرجوا يطالبون بوقف المجازر حفاظا على الهوية السورية المدنية تحت شعارات انهم من شبيحة الأسد...ناهيك عن هدف تركيا إبعاد الأنظار عما تفعله إسرائيل وتعجز تركيا في الوقت الحالي عن مواجهته...
أما إسرائيل،فانها كانت على علم تام بالخطة الأميركية التركية عن طريق الاميركيين فقامت بدورها باقتحام أكثر من موقع وتصفية عدة علماء ذرة وصناعة عسكرية من السوريين السُنّة بحجة انهم من فلول النظام...
يبدو أن الأحداث الأخيرة في الساحل أدت إلى ضمان مصالح تركيا وإسرائيل بانتظار ما ستؤول اليه الأحداث في أوكرانيا...
لا تزال أميركا حائرة...هي حصلت بسهولة على كل ما تريد في سوريا بعد اسقاط النظام...
لقد وفت روسيا بالتزاماتها حتى قبل قبض الثمن...
يحاول ترامب اللعب أكثر بحيث يشارك بوتين في أوكرانيا بدل اعطائها كاملة لروسيا...
صفقة المعادن سوف تضع كل ثروات أوكرانيا في جيب ترامب مقابل حصول بوتين على القرم والمقاطعات الأربعة...
بوتين يطمع باكثر، وقد وصلت العمليات إلى مناطق ليست بعيدة عن خاركوف في الشمال...
كما أن سيطرته على المقاطعات الأربعة سوف يعني سقوط أوديسا وتأمين شبه جزيرة القرم نهائيا، والعودة الى هيمنة روسية كبيرة على البحر الأسود...
ربما لا يقبل ترامب بذلك، رغم ان خطته تهدف إلى تحييد روسيا وإبعادها عن الصين وإيران...
الصفقة جرت، ولكن هناك من لا يريدها أن تكتمل...
لذلك حصل ما حصل في الساحل...الساحل دفع ثمن قطبة مخفية في اتفاق أميركا مع روسيا وتركيا...
الصراع داخلي روسي تركي أميركي... العلويون دفعوا ثمن ما لم يرتكبوه...
أما الضحايا، فهم سوريون سواء كانوا من قطعان التكفيريين، أو من العلويين ومن حاول الدفاع عنهم من السُنّة...
لكي تفهم روسيا الرسالة فعلا...
تمت تصفية مئات المسيحيين وعلى رأسهم رأس الكنيسة الارثوذكسية على منطقة حمص وضواحيها...
من المؤكد أن تركيا عادت وأمسكت ببعض الخيوط...
المشروع الإيراني مات نهائيا في شرق المتوسط بسبب الغباء الإيراني الذي تخلى عن حلفائه الواحد تلو الآخر...
نحن نشهد اليوم محاولة إحياء مشروع سوري تحت الهيمنة التركية...
حتى متى يمكن لإسرائيل القبول بهذه الوقائع...
المشروع العثماني لا يمكن أن يتوافق مع المشروع الصهيوني...
عاجلا أم آجلا سوف يحصل صدام...
هل تستطيع تركيا الوقوف بوجه الأميركيين حين يساندون إسرائيل؟
ام تكتفي تركيا بتقاسم النفوذ مع إسرائيل إلى أن تتوضح الصورة أكثر...
هل تعود تركيا لتلعب الورقة الفلسطينية من اجل حشر إسرائيل؟
أسئلة كثيرة...
لكن الأكيد أن العرب كلهم دون استثناء هم الخاسر الأكبر...
كل المديح لمحمد بن سلمان من بعض الميديا هو تذلف من جانب واحد لا يستندالى منطق...لا يختلف إبن سلمان عن بقية النظام الرسمي العربي...
على رأس الخاسرين العرب، الفلسطينيون...
على ما يبدو إيران هي الخاسر الثاني بعد العرب...
خسرت إيران الورقة الفلسطينية...كما خسرت الكثير في لبنان،
هناك أنصار كثر لإيران، صحيح؛ لكن ما لا يقال علنا هو الطاغي:
لقد خذلت إيران محور المقاومة حين تركت حلفاءها يواجهون وحدهم كل حلف الأطلسي...
صحيح ان حزب الله لا يزال القوة الأقوى في لبنان، لكنه لم يعد قوة إقليمية...
لقد فقد حزب الله قوة الردع الاستراتيجي التي كان يملكها منذ اليوم الذي لم يقم باستعمال هذه القوة حين كان يجب فعل ذلك...
ماذا تخبى الأيام...؟
لا احد يستطيع التنبؤ...
لكن حقارة شارل جبور وإبراهيم صقر لن تحمي المسيحيين...
وحوش التكفير سوف يتسربون عاجلا أم آجلا داخل لبنان...في لبنان بيئة حاضنة لهذه الوحوش البشرية...في لبنان، بدأت فكرة وحدة الاقليات تطغى...
الذين انتقدوا تدخل حزب الله في سوريا في السابق، فهموا اليوم انهم بعد الضربة الإسرائيلية أصبحوا أيتاما دون حماية بعد ان رأوا بأم العين ما حصل في الساحل السوري...
الموسيقي وليم نصار أبرز هؤلاء...
لكن قول جوزيف ابو فاضل يظل أبرز ما يتداوله اللبنانيون هذه الأيام:
لبنان بحاجة إلى عودة حزب الله قوة إقليمية لأنه وحده من يستطيع حماية البلد من وحوش الإيغور والشيشان والأوزبيك وكل الخليط من رجال القرون الوسطى أو العصر الحجري التي باتت تتجول في سوريا كما تريد، وتذبح من تريد وسط صمت أميركي تركي رضيَ بأن تحكم القاعدة سوريا طالما أن الجولاني تشذب وتأدب، وصار يشبه غيره من رؤساء النظام العربي العفن... حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري