تمكن فريق بحثي دولي بقيادة جامعة برشلونة من اكتشاف أول قرية من العصر البرونزي في المغرب، مما يعيد تعريف تاريخ المغرب العربي ويكشف عن وجود حياة زراعية وتبادلات ثقافية قبل وصول الفينيقيين بحوالي 800 عام قبل الميلاد.
موقع كاش كوش: كنز أثري جديد
يقع موقع كاش كوش الأثري على بعد عشرة كيلومترات من الساحل الحالي، بالقرب من مضيق جبل طارق، وعلى بعد ثلاثين كيلومترا جنوب شرق مدينة تطوان، يمتد الموقع على مساحة تقارب الهكتار الواحد بالقرب من نهر لاو، وقد كشفت الحفريات عن أدلة على وجود حياة بشرية تعود إلى الفترة بين 2200 و600 قبل الميلاد.
مراحل الاستيطان والتطور الثقافي
كشفت الحفريات عن ثلاث مراحل رئيسية للاستيطان في الموقع:
1. المرحلة الأولى (2200-2000 قبل الميلاد):
على الرغم من قلة الأدلة الأثرية من هذه الفترة، إلا أنها تُعتبر مهمة لأنها تشير إلى وجود حياة بشرية معاصرة لانتقال العصر البرونزي في شبه الجزيرة الأيبيرية المجاورة.
2. المرحلة الثانية (1300-900 قبل الميلاد):
تُعتبر هذه الفترة الأكثر ازدهارا في تاريخ الموقع. تم تأسيس مجتمع زراعي مستقر في كاش كوش، مما يمثل أول دليل قاطع على الحياة المستقرة قبل وصول الفينيقيين إلى المغرب العربي، كشفت الحفريات عن مباني من الطوب اللبن، وصوامع منحوتة في الصخور، وأحجار طحن، مما يدل على اقتصاد زراعي قائم على محاصيل مثل الشعير والقمز، بالإضافة إلى تربية الأغنام والماعز والأبقار.
3. المرحلة الثالثة (800-600 قبل الميلاد):
خلال هذه الفترة، أظهر سكان كاش كوش مرونة وقدرة على التكيف مع التغيرات الثقافية، تم تقديم عدة ابتكارات من شرق البحر المتوسط، مثل الفخار المصنوع بالعجلة، والأدوات الحديدية، وتقنيات بناء جديدة باستخدام الحجارة، يوضح هذا المزيج من الممارسات المحلية والأجنبية كيف شارك المجتمع بنشاط في شبكات التبادل الثقافي والاقتصادي في البحر المتوسط.
أهمية الاكتشاف
يقول الباحث حمزة بن عطية ملقاريو، طالب الدكتوراه في جامعة برشلونة وقائد الفريق البحثي: "كاش كوش هي واحدة من أولى الأمثلة الموثقة جيدا للاستيطان المستمر في المغرب العربي، وتُظهر قصة مختلفة تماما عن تلك التي كانت سائدة لفترة طويلة. هذا الاكتشاف يثبت أن المجتمعات المحلية كانت نشطة ولم تكن معزولة".
ويضيف: "الحفريات في هذا الموقع هي خطوة أخرى نحو تصحيح هذه التحيزات التاريخية، وتكشف أن المغرب العربي كان مشاركا نشطا في الشبكات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبحر المتوسط".
يُعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة في فهم تاريخ المغرب العربي قبل وصول الفينيقيين، ويعيد كتابة الصورة النمطية التي كانت تُصور المنطقة على أنها "أرض فارغة" حتى ذلك الوقت، مع استمرار الأبحاث، قد تكشف المزيد من الأسرار عن حياة المجتمعات القديمة في هذه المنطقة الحيوية من العالم.



