يا سيد العشق: إنّا على العهد".
"مُهداة إلى سماحة الشهيد الأقدس سماحة العلّامة السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليه، في وداعه".
صاحَ الحِبر:
- سيدَ العشقِ أعترفُ بعجزي عن تحبيرِ تاريخِكَ الطويل.
همَسَتِ المآقي:
- أيُّ دمع هذا الذي يهمي راسمًا خارطةَ الوفاء؟!.
قالوا وقلنا:
- ألله ما سرُّ هذه السلسلة من الأذرع الحانيةِ لِاحتضانك،
الجاهدةِ للتَّبَرُّكِ بك؟
بطُهرِك، بعزمِكَ وسريرتِكْ.
بُحَّتِ الأصواتُ يا سيدَنا.
شَرِقَتِ الحناجرُ يا حبيبَنا،
صدحتْ.
بصوتٍ واحدٍ صَدَحَتْ.
يا ابن الأطهرينَ إلى أين؟
يا قاهرَ الظّالمينَ والظَّلاميّين، وناصرَ الدينِ إلى أين؟
يا سيّدَ المَلاحِم.
يا عليًّا تقتحمُ حصونَ خيبر.
يا حسنًا.
قلبُك الرؤومُ يحضِنُنا.
يا حُسينًا تضعُ بدمكَ نقطةً على سطرِ التاريخ أن:
هيهات منّا الذِّلّة.
واللهِ لا أُعطيكم، شُذاذَ الآفاق، بيدي إعطاءَ الذليل.
في وجْهِ النَّتِنِ الأفّاقِ القادمِ من شتاتٍ صرَخْت:
أبِالموتِ تُهدِّدُني يا ابنَ الطلقاء، والقتلُ لنا عادة؟
أيُّ قلب هذا الذي بين جنبيك؟
يا سيّدَ الملاحِم؟!
يا أستاذًا تسقي العشاقَ ماءَ الكرامةِ والشهامةِ والبطولاتِ النادرة، وتُكَلِّلُ رؤوسهم براياتِ العزِّ والفَخار.
يا مُعلِّمَ السَّرْد.
يا مُتقِنًا استِرجاعَ التاريخِ دروسًا،
يا قارئَ الماضي عِبرًا.
أيُّها المُستَشْرِفُ المستقبلَ برؤيةٍ ثاقبة.
أنت سليلُ النبوّةِ والنبوءة.
كشفتَ خرائطَ شهواتِهِمُ القاتلة.
وأرَيْتَنا سوءَ نواياهُمُ الخبيثة.
أبصرتنا أنيابَ الذئابِ الدمويّةِ المُوغِلَةِ في لحْمِ غزّة.
حذّرْتَنا من سرعةِ امتدادِ تلك الأنيابِ إلى لحمِنا.
سمعتَ استغاثاتِ الأطفالِ عابرةً من هناكَ إلى هنا.
من أرض فلسطينَ إلى روابي عاملةَ الابيّةِ،العصيّةِ على الِاحتِلال.
وكنتَ السبّاقَ إلى إسنادِهِم واحتضانِ الملهوفينَ المَتروكِينَ يواجهونَ قَدَرَهُم وحدَهُم في مُقارعةِ الذئاب.
نِعْمَ الإسنادُ يا نصيرَ المظلومينَ في هذا العالم المُتَوَحِّش.
أيُّ قلبٍ رحيمٍ بين جنبيك!!
أيُّ بأسٍ في راحَتَيْك.
أيّ سرٍّ في بنصرك الذي تهتزّ لاهتزازه عروش، وترتجف من قوّته قلوب عصابات قادمة من شتات الأرض غاصبةً أرضَ الطهرِ والمسجد الاقصى
فحملت راية المستضعفين، وحملنا معك
رأينا فيك بأس العبّاس
سبع القنطرة والتلال والوهاد والروابي
نعم نحن معك. لو عبرت البحر عبرناه معك
أنت البارحة الآن وغدًا وبعد ما بعد السنين أنت معنا. نحن معك.
يا عابرًا فوق المذاهب والطوائف كلّنا معك.
سيدي أبا هادي
يا من قرأت تاريخ الأعراب والنكبات المتوالية فقلبت صفحاته السود نصرًا بهيًّا
أعلنتها صرخة مدويّة:
ولّى زمن الهزائم، وحلّ زمن الانتصار
خفت علينا فحصّنتنا. بقوّة الإيمان زوّدتنا
نفخت فينا روحك
غضضت بصرك فغضضنا
وتدت في الأرض قدمك فوتدنا
أعرت الله جسدك فأعار العشّاق ذوو البذل جماجمهم
أضحوا أسياد الملاحم
وفرسان الميادين
ولمّا ارتقيت يا سيدي تكالبت الذئاب
تعضدها الأغربة السود القادمة من حدود ابتلاع الأرض والأوطان
فحشدوا وحشد الشجعان وأعلنوا:
نحن أولو البأس
نحن أرباب الميدان
قرانا قلاع لن يدخلوها
بسلام آمنين
وصاحوا:
سجّل يا تاريخ الشرفاء الملاحمَ النادرة:
ثمانون ألفًا وقفوا عاجزين على أعتاب الخيام
ممنوعين من دخول يارون ومارون وعيثرون وراميا وعيتا.
آه ما أجملك يا عيتا
ما أبهاك يا حانين
ويا عقد القرى الملاصقة أرض فلسطين
بنت جبيل، ما أدراك ما بنت جبيل، مع بليدا ومحيبيب وبني حيَّان وطلوسه وميس وحولا ومركبا ورب ثلاثين. كفركلا. الطيبة وعدشيت القصير والقنطرة
عيناثا والطيري. برعشيت وشقرا. مجدل سلم وقبريخا. الصوانة وتولين. فرون والغندورية وكل حبّة تراب في بقاعنا الأبي وضاحيتنا الشموس.
أجل. عن كلّ حبّة في عقد القرى الأقدس حدّث بما يُصدّق من الملاحم وبما لا يصدّق
يا سيّدنا، أيها الشهيد الاقدس
ليتني لم أعش إلى هذه اللحظات
لكّن الله نازعنا في حبّك واحتضانك.
الله معنا الآن
سعيدًا يراك مكلّلًا بالغار
مغسَّلًا بدموع عشاق البذل
مرفوعًا مع حبيبك وحبيبنا الهاشمي المقدّس على أكفِّ البررة أبنائكم الذين تخرّجوا من مدرستكم. وعلى النهج مشوا، فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا
نعم. أنت تعلم أنّ حبيبك الهاشمي لم يطق مرّ الفراق
فغادرنا إلى جنان الله.
إليك
والأقصى معنا الآن
نعم الآن وصلت قارورة الطيب
قارورة من تربته المقدسة
هو وفيّ يا سيدي
قبّته كلّلها السواد
وحماتها يودعونك بعيون نازفة
نعم. في يومك،
في يومكم نسير
حبوًا على الثلج،
وزحفًا على الجمر
لن تفرّقنا العواصف ولا الأعاصير العاتية
يا سيدي
أنت هنا
سألني صديق:
- أين السيد؟
أجبت:
- إنّه هنا وأشرت
إلى قلبي وعقلي
إلى روحي ووجداني
نعم. الآن نحن نعلّم الجاهلين كيف يكون العبور إلى العقول والقلوب
كيف تتنسمّ الأرواح المشتاقة عطر الخالدين
أخيرًا
يا صاحب العمّة الشريفة التي انبلج من سوادها نور الانتصار
وتفيَّأ ظلالها الوارفة مستضعفو هذا العالم الذي يتسيَّده الشذّاذ
نم قرير العين، فنحن لسنا أيتامًا بعدك
فأنت حيٌّ فينا تعدنا بالنصر، ونعدك بحفظ تعاليمك لننتصر دائمًا
فسلام عليك يوم ولدت
ويوم ارتقيت ويوم تبعث حيًّا



