ما العمل؟ إنها حكومة فيشي
مقالات
ما العمل؟ إنها حكومة فيشي
حليم خاتون
2 نيسان 2025 , 06:54 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

انتهت حرب حزيران ٦٧ بهزيمة عسكرية اطلقنا عليها كلمة نكسة لكي نخفف من وطأة الذل والعار الذي وقع على بلاد العرب...

صدّق او لا تُصدّق...

في تلك الأيام، كانت الرجعية العربية تتشفى بعبد الناصر، ليس بالضرورة عن خيانة... لكن بالتأكيد عن جبن وخسة وعجز...

بعض الإخوان المسلمين رأى في ذلك فرحة... وفرصة؛ واطلقوا نظرية مقارعة العدو القريب قبل البعيد في استهداف الأقليات حتى لو تعاونوا في ذلك مع الصليبيين الجدد...

كانت هزيمة ساحقة بكل المعايير...

انتهينا باحتلال إسرائيل للضفة الغربية من الأردن...

انتهيا باحتلال غزة وكامل شبه جزيرة سيناء في مصر...

تم اجتياح كامل الجولان السوري...

تم احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من لبنان دون أي تعليق من حكومة بيروت...

الكثير من اللبنانيين لم يكن يعرف أصلا أن إسرائيل اجتاحت جزءا من لبنان...

الكثير من اللبنانيين لم يكن يعرف ان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي جزء من ال ١٠٤٥٢ كلم٢...

ظن بعض اللبنانيين ان التخلي عن هذا الجزء يدفع البلاء عنهم...

ظنوا أن تقديم الأضحية للوحش يجعله أقل شراهة...

لكن الصهيونية لا تشبع...

كلما تنازل العرب شبرا، ازداد الطمع بهم دهرا...

عاشت الأمة انتصارات وهمية عدة ايام مع إعلام عربي غبي لم يكن احمد سعيد إلا واجهة "الصحّارة" فيه...

تبين أن الجيوش العربية استسلمت حتى من دون قتال...

ضعنا في التحليلات لتبرير الهزيمة...

انتهى الأمر بانتحار عبد الحكيم عامر مع قصص عن خيانات لا تُعد ولا تُحصى... لكنها في الأساس جبن وخسة وعجز...

انتشرت مقولة نُسبت إلى مجرم الحرب تشرشل:

إذا اختفى العرب، تختفي الخيانة... لكن حتى لو لم تختفي الخيانة؛ تختفي الخسة والجبن والعجز...

حفلات رقص وترفيه بالجملة عن الضباط في قمة التوتر والاستنفار العسكري سبق يوم الخامس من حزيران ٦٧ المشؤوم...

هذا لا يحصل الا عند العرب...

فقط عند العرب تُستباح غزة، ويُستباح لبنان ومهرجانات الترفيه في شبه الجزيرة العربية تستمر...

فقط عند المسلمين تُنتهك أعراض الناس في فلسطين، بينما تتهيأ جحافل السلفية والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين لاجتياح العلويين والشيعة والمسيحيين في بلاد الشام...

أمام إسرائيل وأمريكا، يتحول السلفيون والإخوان المسلمون إلى أرانب وكلاب مطيعة...

ثم ينقضّون على الاقليات يصرخون:

بالسكاكين جيناكم...

أحفاد هند آكلة الاكباد، ينهشون لحم الأطفال وينتزعون قلوب الرجال وهم أحياء يلتهمونها كما مصاصو الدماء...

في سيناء سنة ٦٧، استسلم الجنود المصريون وحفروا قبورهم بأيديهم ليدفنهم شارون أحياء بدل أن يقاتلوا حتى الموت كما يفعل الأبطال...

على جبهة الجولان، خلع الجنود السوريين بدلاتهم ورموا أسلحتهم الفردية وهربوا بالثياب الداخلية حين لم يجدوا بدلات مدنية...

انسحب الجيش الأردني من القدس وتركها لقمة سائغة للصهاينة...

دُق "بأسفلنا خازوق من شرم الشيخ إلى سعسع"...

الجيش اللبناني لم يكن حتى موجودا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا...

عرفت حكومة بيروت بدخول الاسرائيليين الى تلك المناطق من مخفر متقدم للدرك السوري لأن حكومة بيروت لم يكن لديها حتى مخفر درك هناك...

احتاج لبنان إلى سنتين قبل ان تتفتق عبقرية الرئيس اللبناني يومها شارل الحلو عن تصريح أضحك الاسرائيليين ردحا من الزمن عندما نطق قائلا:

إن اي اعتداء على الجنوب، هو اعتداء على لبنان...

كأن الجنوب ليس قطعة من الوطن بل أرض سائبة يريد "فخامته!" حمايتها!...

يومها اختفت البطولة من قاموس الجيوش العربية كافة...

اختفت البطولة من قاموس الشعوب العربية...

لم تقاتل أي مدينة، ولا أي بلدة...

بدت ثقافة ستالينغراد او لينينغراد غريبة، يتيمة في بحر ذل العرب...

عشنا أكثر من خمسة عقود ونحن لا نعرف كيف لم نقاتل...، لماذا لم نقاتل...

ذُبحنا كما تُذبح النعاج...

مرت ومضات قليلة مع تدمير المدمرة إيلات، او مع معركة الكرامة من البطولات النادرة جدا في الواقع العربي المظلم...

انتهت حرب تشرين بدفرسوار في مصر، وعودة إلى رمي الثياب العسكرية والفرار في سوريا...

انتشرت تعليقات من مثل انتظرناهم من الشرق، فجاؤونا من الغرب!...

الأيام الوحيدة التي كان لها طعم، هي أيام الثورة الفلسطينية الأولى مع الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد قبل أن يُجلطنا نايف حواتمه وياسر عبد ربه بنظرية الدولتين، وقبل أن ينهي ياسر عرفات مشواره باتفاقية أوسلو التي وقع فيها على صك التخلي عن فلسطين التاريخية...

كان هذا زمن الهزائم...

ماذا عن زمن الانتصارات!؟

في البدء كانت الكلمة...

"هيهات منّا الذلة!"...

لمعت اسماء كبيرة في سماء جنوب لبنان المحتل مع أحمد قصير، مع سناء محيدلي، مع سهى بشارة... مع عشرات الاستشهاديين...

رفعت المقاومة الإسلامية شعارات تتحدى زمن الهزائم:

العين التي تقاوم المخرز...

الدم الذي ينتصر على السيف...

ارتفعت رايات كتب عليها:

ليسوا أقوى مز أميركا،

ولسنا أضعف من فيتنام...

تم تحرير أول أرض عربية في جنوب لبنان بقوة النار والبارود...

بدا أن البطولة والشجاعة عادت تتلمس طريقها إلى بعض العرب...

جُن جنون النظام الرسمي العربي حين تحقق التحرير بقوة النار...

لقد فضحت المقاومة الإسلامية عجز وجبن هذا النظام...

انضمت منظمة التحرير الفلسطينية إلى جوقة الجنون هذه، وأصرّت أن الجنوب تحرر بفعل القرار ٤٢٥ لكي تبرر لنفسها خيانة القضية في أوسلو...

ما لبثت المقاومة أن حققت النصر الإلهي الحاسم في تموز ٢٠٠٦...

عاش لبنان عصر نصر تموز...

تمكنت المقاومة من بناء قوة ردع فرضت سلاما تنعّم به الجنوبيون في لبنان حوالي ثمانية عشر عاما...

لكن فايروس الخوف من حرب القضاء على إسرائيل ظل موجودا في الوعي العربي حتى عند المقاومة الإسلامية...

عندما رفع السيد حسن نصرالله شعار "اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، كانت إسرائيل فعلا أوهن من بيت العنكبوت...

عندما اقتحمت حركة حماس غلاف غزة في السابع من أكتوبر تكرست نظرية بيت العنكبوت...

كانت لحظة...

كانت فرصة لاتخاذ القرار...

كانت فتحة في جدار العجز العربي التاريخي...

كانت الضوء في نفق عصر الهزائم...

كان كل المطلوب هو الإجهاز على هذا العنكبوت قبل أن يأتي لنجدته امثاله من مصاصي دماء الشعوب...

الفرصة عندما تُسنح؛ تكون هِبة من السماء تنتظر من يتلقفها...

نظر السيد حسن حوله فرأى هذه الفرصة...

اراد الانقضاض على بيت العنكبوت...

لكن الطعنات بدأت تأتي من كل صوب...

النظام الرسمي العربي...

نظام التبعية لروسيا في سوريا...

الصبر الاستراتيجي الغبي...

نظرية حياكة السجاد الأكثر غباء...

التكفيريون الذين بدأوا يسنون السكاكين في مخيمات اللجوء الفلسطيني، وفي اوساط النزوح السوري... لكن خصوصا في بيئة التكفيريين في لبنان...

بدأ الطابور الخامس الأميركي في لبنان عمله بأقصى قوة...

احتار سيد المقاومة من كل ما رأى...

كل ما رآه بأم العين يهدد بالانقضاض على المقاومة الإسلامية وطعنها من الخلف وهي تقاتل...

صدق حدس السيد كما تبين بعد استشهاده...

انقضّت جبهة النصرة ومجموعات التكفير السلفية الى جانب تركيا على سوريا لتدمير المقاومة بعد أن شاركوا في محاربتها اكثر من عقدين من الزمن...

الذي رآه السيد نصرالله من تكالب الداخل والخارج جعله يتهيب قليلا قبل أن يخرج بنظرية تُناقض نظرية بيت العنكبوت:

الانتصار في فلسطين يكون بالنقاط...

هل كان المقتل هنا، في نظرية الانتصار بالنقاط؟

عندما لام الرئيس المصري عبد الناصر الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول على الضغط الذي حصل عليه لعدم بدء الحرب، وهو ما سمح لاسرائيل بمباغتة العرب وتدمير مقدراتهم الهائلة والتي كانت كافية لمحاربة العدو وإلحاق الهزيمة به؛

كان جواب الجنرال،

لكن من ضغط عليك لتقبل وقف إطلاق النار؟

أجاب ناصر إنه لو استمرت الحرب لكانت إسرائيل دخلت إلى القاهرة ودمشق وعمان...

"فلتدخل!" أجاب ديغول، قبل أن يضيف:

"الألمان دخلوا باريس؛ لكننا قاومنا وانتصرنا في النهاية...

كان بإمكانكم المقاومة من داخل القاهرة ودمشق وعمان والانتصار في النهاية"...

ظل نفس المنطق يلاحقنا منذ الثامن من اكتوبر...

اذا قصفنا حيفا سوف يقصفون الضاحية...

إذا قصفنا تل أبيب سوف يقصفون بيروت...

قصفوا الضاحية ودمروا الابنية على رؤوس السكان المدنيين ونحن نرد على موقع عسكري هنا وموقع عسكري هناك...

ظللنا ننتظر أن يقوموا هم بالضربة الأولى حتى نرد نحن الصاع صاعين...

كنا بسطاء إلى اعلى درجات السذاجة...

كنا مؤمنين انهم لا يستطيعون تدمير كل قدراتنا في يوم واحد،

وفي نفس اللحظة...

كأننا نسينا البديهيات:

إسرائيل ليست وحدها...

أهملنا المعلومة المعروفة عندنا منذ الأزل...

نحن لا نقاتل إسرائيل وحدها،

نحن نقاتل أميركا والغرب بأكمله...

صح النوم...

كل تاريخ الصراع العربي الصهيوني يقوم على هذه اللازمة...

عدونا هي أميركا والغرب...

إسرائيل ليست سوى الواجهة...

عندما حطمت حماس الواجهة،

هرع الغرب يرمم ويدخل الحرب مباشرة...

كنا نعرف ان بريطانيا تتدخل من قبرص...

اكتفينا بالتهديد...

كان باستطاعتنا تدمير إسرائيل، ولم نفعل...

لم نفعل لأن الغرب سوف يأتي بنفسه ويقوم باحتلال بلادنا...

لم نقم بتدمير إسرائيل خوفا من ردة فعل الغرب...

دون أن ندمر إسرائيل جاءت أميركا واحتلت بلادنا...

نحن الآن تحت الاحتلال المباشر الأميركي...

جوزيف عون ونواف سلام ليسوا أكثر من حكومة دمية تحت الاحتلال، تماما كما كانت حكومة فيشي فرنسا فيشي تحت الاحتلال النازي في مواجهة المقاومة الفرنسية...

لقد أخطأنا حين لم نقوم بتدمير إسرائيل حين كان الفرصة متاحة...

نحن اليوم ندفع الثمن...

ندفعه في لبنان...

ندفعه في سوريا، وندفعه بالأخص في فلسطين...

هل هناك امل؟

لا تضيع حقوق وراءها من يطالب...

شدوا الأحزمة...

عودوا إلى الميدان...

لكن لا تترددوا حين يتيح لكم الله الفرصة كما فعلتم اخيرا...

هل تأتي الفرصة حين تندلع الحرب ضد طهران؟

المهم ان تكون القبضة على السلاح ويكون الإصبع على الزناد...

ترامب ليس اكثر من جوكر...

أميركا تظل نمرا من ورق...

المهم التخلي عن نظريات المشي "جنب الحائط والدعوة من الله بالسترة"

إنا أن نعيش أحرارا، او نموت دون ذلك شهداء تضيء طريق من يأتي بعدنا...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري