* في الرابع عشر من شباط/ فبراير ١٨٩٦م نشر كتاب لثيودر هرتزل عراب الحركة الصهيونية في فينا ولايبزغ عنوانه دولة اليهود ( Der Judenstaat ) يشرح في هذا الكتاب حاجة اليهود القومية الى تاسيس دولة لهم.
* نظم المؤتمر الصهيوني الشهير في مدينة بازل في سويسرا بزعامة ثيودور هرتزل في ٢٩ اَب/ اغسطس ١٨٩٧م بعد ان شعر بالاحباط بسبب عدم حماس اغنياء اليهود بالمساعدة في تمويل مشروعه بالعمل على اقامة وطن قومي لليهود ويكون اما في فلسطين او الارجنتين او اوغندا.
* من اقوال ثيودور هرتزل دعوني اكرر مرة اخرى كلماتي الاولى: (( اليهود الذين يريدون دولة سيحصلون عليها.سوف نعيش اخيرا كرجال احرار في ارضنا، وسنموت بسلام في بيوتنا.وسيتحرر العالم بحريتنا ويثرى بثروتنا ويكبر بعظمتنا.وكل ما نحاول تحقيقه من اجل رفاهنا سوف يستجيب بقوة وبشكل مفيد لفائدة الانسانية )).
(( ان نحن حصلنا على فلسطين، سندفع لتركيا كثيرا، او سنقدم عطايا كثيرة ..لكي يتوسط لنا، ومقابل هذا نحن مستعدون ان نسوي اوضاع تركيا المالية، سناخذ الاراضي التي يملكها السلطان ضمن القانون المدني، مع انه ربما لم يكن هناك فرق بين السلطة الملكيةوالممتلكات الخاصة)).
وفال بعد مؤتمر بازل : ( اني استطيع ان اؤكد لكم ان الدولة اليهودية ستقوم على ارض (( اسرائيل )) في موعد اقصاه خمسين عاما من اليوم.حدها الشمالي نهر الليطاني وحدها الغربي البحر الابيض المتوسط فيما ترك الحدود الجنوبية والشرقية دون تحديد ).
* هكذا تم التحضير للحلم الصهيوني الذي كان سيبقى حلما يدغدغ عقول اليهود كما يدغدغ عقول العرب العودة الى حكم الاندلس لولا ما شهدته اوروبا في القرن التاسع عشر.في النصف الاول من هذا القرن( ١٨١٥م) شهدت اوروبا غياب حروب الاحلاف الطويلة التي سبقت.وساد التوازن الاستراتيجي المدعوم من كل القوى في المجموعة الاوروبية.حيث لم يكن هناك امة واحدة قادرة على السيطرة او السعي الى ذلك.كان الاهتمام الرئيسي والاساسي هو القضاء على النزاعات الداخلية وتحقيق الاستقرار في كل دولة.اما بالنسبة لروسيا وامريكا فان تطلعاتهما التوسعية بقيت ضمن البر المحيط بكل منهما.
ادى هذا التوازن الاستراتيجي الى صعود الامبراطورية البريطانية الى القمة كقوة عالمية بحرية واستعمارية وتجارية بسبب احتكارها لتكنولوجيا وصناعة الالات البخارية.
* مع بداية النصف الثاني للقرن التاسع عشر انتشرت تكنولوجيا التصنيع في اوروبا بعد ان كانت حكرا على بريطانيا.اخذت حركة التصنيع تنذر باختلال وتبدل ميزان القوى الدولي من الامم القديمة لصالح القوى الصاعدة التي تمتلك التكنولوجيا والوسائل التنظيمية الحديثة في ادارة الموارد والانتاج باساليب عصرية.في هذه الفترة برزت حرب القرم والحرب الاهلية الامريكية والحرب الفرنسية- البروسية التي ادت الى هزيمة المجتمعات والامم التي فشلت في اللحاق في ثورة التصنيع وتحديث انظمة جيوشها الكبيرة التي تنقصها القاعدة العريضة للبنية التحتية الصناعية اللازمة لتسليح الجيوش الكبيرة والاسلحة المتطورة والتنمية الاقتصادية التي اخذت تحدث تحولات هامة في الحروب.
* مع اقتراب القرن العشرين وتسارع خطى التكنولوجيا المتطورة والسريعة والنمو اللامتكافيء في النظام الدولي جعل العالم اكثر اضطرابا وغير مستقر كما هو الحال في النصف الاول من القرن التاسع عشر.هذا الواقع المستجد عبر عن نفسه في التدافع المحموم للقوى العظمى لاستعمار افريقيا واسيا ومنطقة الباسيفيك.لجات الدول الى سباق التسلح في البر والبحر للكسب والتمدد او خوفا من الانهيار.والى خلق احلاف عسكرية في اوقات السلم لمواجهة حروب المستقبل وخلف الصراعات الاستعمارية والازمات الدولية قبل عام ١٩١٤م.واكب صراع القوى العظمى الاستيلاء على مستعمرات جديدة في افريقيا واسيا حركات استيطانية اشهرها الحملات التي قادها سيسل رودوس الذي سميت روديسيا على اسمه وعاصمتها سالزبوري.كان سيسل رودوس المحفز والاب الروحي لثيودور هرتزل .ولدت الحركة الصهيونية في حمأة هذا السباق بين الحركات الاستيطانية.تسابقت بريطانيا وفرنسا على تبني مشروع الحركة الصهيونية العالمية كاداة استعمارية علاوة على كونها حركة استيطانية للهيمنة على الشرق الاوسط.مع بداية القرن العشرين اجتمع الظرف الذاتي في اصرار الحركة الصهيونية على اقامة وطن قومي لليهود مع الشرط الموضوعي الاستعماري وقامت دولة الكيان على ارض فلسطين بعد مضي واحد وخمسين عاما على المؤتمر الصهيوني في بازل كما وعد ثيودور هرتزل.
* في المقابل عُقَدَ في القدس في ٢٨ ايار/ مايو ١٩٦٤ المؤتمر الوطني الفلسطيني الاول .الذي اقر الميثاق القومي الفلسطيني،والنظام الاساسي الذي ينص على قيام جيش التحرير الفلسطيني المرتبط بالقيادة العربية الموحدة.وانتخب احمد الشقيري رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية.وتاسيس الصندوق القومي .اعترفت القمة العربية التي عُقِدَت عام ١٩٦٤ في الاسكندرية بمنظمة التحرير الفلسطينية.
في الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في القاهرة من ١-٤ شباط/ فبراير ١٩٦٩م حصدت " فتح" ومعها بقية منظمات العمل الفدائي غالبية مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني ( ٥٧ عضوا من اصل ١٠٥ )، ليصبح ياسر عرفات رئيساً لللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي بقي رئيسا لها الى ان وافته المنية في عام ٢٠٠٤.كان ياسر عرفات يمتاز بشخصية عربيةفي السلوك والتفكير ( نتاج العقل العربي ) والجمع بين المتناقضات ، كما انه امتلك فرصة حرق المراحل بشكل جيد لينتقل من الفرع الى المركز ومن الرفض الى القبول.وكانت منظمة التحرير الفلسطينية اداة طيعة الانتقال في المراكز السياسية وطيعة الانتقال في المواقف السياسية، التي كان لها اساس بنيوي لحدوث هذه التحولات.قام ياسر عرفات بالغاء البند الذي ينص في الميثاق الوطني الفلسطيني على تدمير وتصفية الكيان الصهيوني بناء على نصيحة الملك الحسن الثاني ملك المغرب .وصرح قائلا: (( كادوك)) اي وداعا للميثاق.
* جرى التوقيع على اتفاق اوسلو رسميا في مراسم احتفالية في البيت الابيض يوم ١٣ ايلول/ سبتمبر ١٩٩٣م، وقبل ابرام الاتفاق تبادل عرفات ورابين رسائل الاعتراف الرسمي بين " اسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية.بعد مضي تسعة وعشرين عاما على تاسيس منظمة التحرير الفلسطينية يقوم رئيسها بالتنازل والتخلي عن ثمانين بالمائة من ارض فلسطين التاريخية وما تبقى منها تم تقسيمه الى ثلاثة اجزاء ( ا.ب.ج)(A.B.C )يخضع القسم الاول للسلطة الفلسطينية والقسم الثاني يخضع اداريا للسلطة وعسكريا لدولة الكيان والقسم الثالث الذي يشكل القسم الاكبر من المساحة يخضع اداريا وعسكريا لدولة الكيان.
* رحلة على مدى خمسين عاما من حلم هيرتزل وتجسيده على ارض فلسطين.ورحلة تنازلات امتدت لتسعة وعشرين عاما ضيعت فيها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قضية فلسطين.رحلة مليئة بالتضحيات الجسام وبعد مضي اكثر من ثلاثين عاما على جريمة اوسلو ما زال الجهلة والاغبياء والمرتزقة من شعبنا الفلسطيني يرون في اوسلو وملحقاته مشروعا وطنيا فلسطينيا.
وخذ دمي وهات تنازلات.
وهي ثورة...
مهندس/ زياد ابو الرجا.
