كتب الأستاذ حليم خاتون:
يحكى أن عقربا وقع في مياه جدول جارية وكاد يغرق إلى أن أسرع إليه ضفدع وحمله على ظهره ليعبر به إلى شاطيء الأمان...
ما كاد العقرب يستعيد أنفاسه حتى بادر إلى لدغ الضفدع من كل النواحي دون حتى أن يدري ما جرى، وكيف وصل الى ظهر ذلك الضفدع المسكين (أو الغبي)، لا فرق وفقا لنظرية الكاتب الروسي الكبير داستايوفسكي في قصته The idiot (الغبي)...
يبدو أن إيران كما الضفدع لا تتعلم، ولا تريد أن تتعلم أن أميركا، هي العقرب الذي لا يتقن غير اللدغ...
لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين...
إلا عند محور المقاومة، فهو "متمسح" ولا يشعر بهذه اللدغات، مهما كثُر عددها...
في تاريخ إيران مع الأميركيين منذ الخمسينيات قصص لا تعد ولا تحصى...
من تجربة مُصدّق، بطل تأميم النفط الإيراني الذي مات سجينا بعد انقلاب أميركي بريطاني، إلى قاسم سليماني؛ إلى آلاف التجارب المرة، وآلاف اللدغات...
ملفات السافاك كانت مليئة؛ كذلك كانت ملفات السفارة الأميركية في طهران التي احتلها الطلاب وكشفوا كمية الجرائم التي كان جهاز السافاك ينفذها بالتعاون والتضامن مع جهاز ال CIA...
تقول التقارير أن قاسم سليماني كان متجها إلى بغداد بناء على وساطة عراقية لإجراء مفاوضات مع السعودية...
أي أن الأميركيين والسعوديين نصبوا فخا لسليماني وقاموا باغتيال الرجل الأهم في جيش الثورة الإسلامية الإيرانية...
الاميركيون والاسرائيليون سرّبوا عن طريق هوكشتاين تطمينات صدقها حزب الله أن إسرائيل لن تستهدف بيروت والضاحية...
في تلك الليلة، تمكن العدو من اغتيال قائد أركان حزب الله الشهيد فؤاد شكر...
بعدها، رأى الاميركيون أن حزب الله، كما إيران لا يريدون استخدام ما لديهم من اسلحة فتاكة، وقد ظهر هذا بكل وضوح منذ اليوم التالي لاغتيال الشيخ العاروري...
مرر الاميركيون عرض هدنة لواحد وعشرين يوما زينوها بقبول إسرائيل بإيقاف الحرب على الضاحية وغزة...
غلّفوا السم بالعسل فابتلع حزب الله الطعم مرة أخرى، وخرق السيد نصرالله كل الإجراءات الأمنية وذهب إلى اجتماع مع قادة كان من بينهم الحاج الشهيد علي كركي الذي كان مكشوفا وملاحقا من الموساد، وكان قد نجا من محاولة اغتيال قبل يومين فقط...
حتى إذا عدنا إلى تاريخ مقاومات شعوب هذه المنطقة منذ عبدالناصر ومرورا بمنظمة التحرير الفلسطينية وصولا إلى يومنا هذا، نجد العرب دائما تقريبا في موقع المخدوع...
الضحك على العرب أسهل مما تتصوره العقول...
يكفي رمي جزرة حتى يتقاتل الشيعي والسُنّي والمسيحي والدرزي وتنهار دول وأنظمة...
آخر هذه الابتكارات سوريا بعد ليبيا والعراق والصومال... والحبل على الجرار...
لماذا هذا؟
ببساطة لأن عندنا في العالم العربي والعالم الإسلامي لا يوجد مراكز دراسات يستعين بها حزب او تجمع او مجموعة او سلطة او حتى مقاومة...
عندنا عدد قليل جدا من المحللين لا يتجاوز عدد أصابع يدين اثنتين، لكل منهم رؤيته الفردية التي لا يمكن أن تصل يوما إلى دراسات استراتيجية شاملة متكاملة؛ بينما تنتشر على الشاشات وعلى صفحات الصحف مجموعة ضخمة من الأبواق التي "تتعنتر" يسارا أو يمينا في حكي نسوان الفرن ليس أكثر...
حتى كاتب هذه الأسطر لم يجد لنفسه مركز دراسات عربي او اسلامي جدي واحد، وعندما طلبه مركز أوروبي مع بداية حرب طوفان الأقصى تهيّب وخشي من سطوة الموساد في الغرب...
رغم هذه الصورة السوداوية عن حق يجب الاعتراف أن كل المصائب جاءت تقريبا من القيادات الإسلامية لهذه المقاومة وإن القلة القليلة جدا من المقاومين الذين ذهبوا إلى الحد الأقصى من العنف الثوري ردا على الإرهاب الدولي الذي يحطم هذا العالم إنما كانوا من المسيحيين أمثال الدكتور جورج حبش او الدكتور وديع حداد...
هؤلاء ليس لديهم استخارات دينية غيبية؛ هؤلاء لديهم خيارات ولو ملكوا ما ملكت المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين من سلاح وإمكانيات لكانت إسرائيل جزءا من الماضي منذ سنين...
عودة إلى الموضوع...
ماذا يخبئ دونالد ترامب لإيران؟
إيران المصرة على ادعاءات انتصارات دونكيشوتية تلقت من الصفعات ما يكفي للتنبوء بدخول المنطقة في عصر اسرائيلي قد يستمر سنوات وحتى عقود إلى أن تولد مقاومة جديدة بعيدة عن "الهتر" الإيراني المتمثل بالصبر الاستراتيجي الغبي أو حياكة السجاد الأكثر غباء...
لا يهم ما يملك المرء من مقدرات وسلاح...
المهم هو امتلاك القرار باستخدام هذا السلاح وهذه المقدرات...
هذا ما لم تمتلكه لا إيران ولا حزب الله...
أما النظام الرسمي العربي فهم مجرد زومبي ( اموات في الحياة من ذوي الدماء الباردة)
أما حماس والجهاد والشعبية فالله يكون بعونهم...
أقصى ما كان بإمكانهم فعله كان طوفان الأقصى الذي برعت إيران في إجهاضه بعد الولادة مباشرة...
لا ضرورة للصراخ والحديث عن الأنظمة العربية وماذا قدمت...
كاتب هذه الأسطر لا يساوي عنده كل النظام الرسمي العربي فرنك تنك واحد...
لكن الآمال الكبيرة التي تولدت بعد انتصار حزب الله سنة الفين في تحرير القسم الأعظم من جنوب لبنان، والتصدي الرائع سنة ٢٠٠٦، والبسالة التي أظهرها بضعة مئات من المجاهدين في قرى الحافة الأمامية...
كل هذا سقط؛
البنيان بأكامله على وشك الانهيار...
ذهبت إيران إلى مفاوضات "غير" مباشرة سوف تتحول مباشرة إلى التفاوض المباشر...
سوف يفرض ترامب على إيران اتفاقا سوف يمس السيادة الإيرانية بشكل من الأشكال...
إيران تخلت عن اليمن حتى قبل أن يبدأ التفاوض...
حزب الله في لبنان دخل في تركيبة نظام جديد تابع بالمطلق للهيمنة الأميركية...
لن تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن القتل ومزيد من القتل على كامل الجغرافيا اللبنانية...
سوريا على طريق الزوال من الخارطة وتأثيرات ذلك على الوضع في المنطقة عموما، وفي فلسطين ولبنان خصوصا لا يبشر بخير...
لقد أُكِلَت إيران يوم أُكِل الثور الأبيض...
هزيمة المقاومة الشيعية تلت مباشرة هزيمة العالم السُنّي بكل أطرافه من باكستان وإندونيسيا إلى مصر والسعودية...
تهجير غزة والضفة سوف يترافق مع الإبادة، ومليارا مسلم لا يساوون قشرة بصل في المعايير الوطنية والدينية...
بين اليهودي التقدمي الإنساني البروفيسور نورمان فينكيلشتاين الذي يرفض الإبادة، والمجرم السوري الأصل مصطفى سليمان الذي يضع كل مقومات الذكاء الصناعي في مايكروسوفت في خدمة إبادة الفلسطينيين، يقف المرء مشدوها يتساءل اذا ما كان هناك فعلا شعورا بالانتماء الحضاري والثقافي عند الاغلبية العظمى من العرب والمسلمين...
بعد أن أنهى ياسر عرفات المقاومة الفلسطينية في أوسلو وقام محمود عباس بدفن ما تبقى منها على السطح عميقا في التربة حتى لا يقوم لها قيامة بعد اليوم..
.
بعد أن أنهى محمد انو السادات والنظام الرسمي العربي اي إمكانية مقاومة عند العرب...
بعد أن أنهى الإخوان المسلمون والسلفيون الجاهليون الجدد من أحفاد إبن تيمية عصر المقاومة السُنّية...
ها هي إيران تدخل عصر الزنوج والأمريكان لتضع حدا لمقاومة شيعية كان لديها السلاح الكافي لاجبار أميركا والعالم على قبول زوال إسرائيل لكنها تمنعت عن استخدامه لأنها ضاعت بين الخيار الفعلي والاستخارة الغيبية، فنجت إسرائيل، وكسبت أميركا الجولة وربما تأجلت إمكانية قيامة الأمة إلى البعد الآخر، والوجود الغيبي الآخر في الدنيا الأخرى...


