كتب الأستاذ حليم خاتون:
من يستمع إلى أبواق محور المقاومة هذه الأيام يكاد يلامس مدى ارتفاع نسبة الغباء في إعلام هذا المحور، وخاصة في جمهرة المحللين من ذوي الرؤوس المربعة...
لا يضاهي هذا الغباء عند محور المقاومة إلا غباء أكبر وأشد بأضعاف مضاعفة عند ما يسمى محور الاعتدال العربي الذي رضي الدخول اكثر في العبودية لنظام الهيمنة الانكلوساكسونية في العالم والذي لن يلبث أن يلتهم هؤلاء الأغبياء رغم سجودهم وركوعهم للرب الاميركي الأكبر...
القول بأن هناك مفاوضات جدية تجري بين أميركا وإيران في عُمان هو مجرد اختباء وراء الإصبع...
أميركا ذهبت إلى هذه المفاوضات للوصول إلى إركاع إيران دون حرب اذا كان ذلك ممكنا، وعندما تجد أن الحرب لا بد منها فإن أسلحة التدمير الضخمة التي تأمنت لإسرائيل طيلة الوقت السابق سوف تكون كافية لبداية هذه الحرب...
إذا ظهر في إيران ميل لرد كامل وشامل على إسرائيل وهذا أمر مُستبعد، وإذا تبين أن إسرائيل غير قادرة على مواجهة هذا الرد، سوف نكون أمام احتمالين:
إما أن تسرع أميركا، ويسرع الغرب والنظام الرسمي العربي التابع لهما لإنقاذ إسرائيل كما فعل في السابع من أكتوبر...
وإما أن تلجأ أميركا إلى البراغماتية التي عُرِفت بها بعد هزائم فيتنام والعراق وأفغانستان وتعطي القليل القليل إلى إيران بشكل يحفظ لنظام ولاية الفقيه بعض ماء الوجه مقابل الحصول على مكاسب باتت في واقع الأمر في جيب الأميركي فعلا والمتمثلة بالسيطرة على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق...
لو كانت إيران لجأت فعلا إلى الرد كما يجب منذ اليوم التالي للسابع من أكتوبر ٢٠٢٣، لكان من الممكن الوثوق بأن النظام الإيراني سوف يصمد في هذه المفاوضات ولن يتخلى عن أجزاء مهمة من سيادة هذا النظام الإيراني داخل إيران نفسها...
لكن رد إيران الباهت والسخيف على اغتيال قاسم سليماني، كما تعامل إيران الأكثر سخافة والأكثر بهتانا مع عملية اغتيال الرئيس الإيراني رئيسي ووزير خارجيته عبداللهيان ينبئ سلفا أن الذي سوف يتراجع في هذه المفاوضات هو النظام الإيراني وليس أميركا...
يكفي للتأكد من هذا، رؤية كل ما فعلته أميركا في المنطقة منذ أن دخلت مع إسرائيل في السنوات الأخيرة في القيام بكل الترتيبات التي تم استعمالها في غزة ولبنان والتي أظهر فيها الغرب عدم اهتمامه بكل القوانين الدولية والإنسانية وإصراره على حماية قرار الإبادة والتهجير القسري للفلسطينيين من كامل فلسطين التاريخية وفقا لرؤية ونستون تشرشل النازية الذي قال بالحرف إنه يجب إخراج العنصر العربي من فلسطين لاستبداله بعنصر أكثر تطورا هو العنصر الأوروبي حتى لو كان ساميا يهوديا...
قد يتساءل المرء عن سبب هرولة إيران إلى هذه المفاوضات إذا كان ما ذُكر أعلاه هو ما سوف يحصل...
الحقيقة هي ان تكتيك واستراتيجية إيران لا تختلف عما رأيناه مع حزب الله في لبنان الذي كان يمتلك القدرة على تدمير إسرائيل ولم يفعل...
كما لا يختلف عن تكتيك واستراتيجية آل الأسد الغبية في سوريا والتي كانت قائمة على خوف إسرائيل والغرب من الغموض الذي كان يختبئ خلفه النظام دون معرفة أن هذا الغرب كان قد اخترق هذه العقلية عبر اختراق تركيا والإخوان المسلمين وتأكد أن لدى هؤلاء الأخيرين نظرية غبية ورثوها عن ابن تيمية منذ القرون الجاهلية الوسطى...
تقوم هذه النظرية على العدو القريب والعدو البعيد بحيث ان إيران والشيعة والعلويين والمسيحيين هم من يشكل العدو الأقرب الواجب محاربته بينما يشكل الغرب عدوا بعيدا ممكن تأجيل محاربته إلى أن يتم وأد فلسطين ووأد حتى هؤلاء الاغبياء أنفسهم في المستقبل المناسب...
نحن نرى اليوم ما يحدث في لبنان حيث تسود أميركا وتفرض ما تريد...
كل الصراخ الذي حصل وطلب من حزب الله الذهاب إلى الحرب لأنه مهما بلغت خسائر هذه الحرب فإنها سوف تكون بالتأكيد أقل مما سوف يخسره الحزب إذا لم يذهب إلى الحرب ويقبل بفرض السلم الأميركي الأسود عليه...
اليوم يعترف الكثيرون من جماعة أبواق المقاومة في لبنان أن لبنان لم يكن مهزوما حتى السابع والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني، وأن الهزيمة لحقت به في اليوم التالي لقبول حزب الله بتسوية اميركية سوداء أدت إلى رفع نسبة التدمير في قرى الحافة من ثلاثين وأربعين بالمئة لتصل إلى ما يقارب المئة بالمئة بعد هذا التاريخ...
هذا ما حصل مع حزب الله بعد دخوله في وقف نار من جانب واحد وسط سخافة إسطوانة إعادة ترميم لا يصدقها إلا المخبولون في بيئة المقاومة طالما ان حزب الله سلم اكثر من ألفي صاروخ كورنيت لا تملكها حتى ايطاليا الى جيش مورغان اورثاغوس الذي قام بتدميرها تاركا اللبنانيين عراة امام آلة القتل الأميركية الإسرائيلية...
هذا ما حصل أيضا مع سوريا حيث ظل بشار الأسد يصر على الزمان والمكان المناسبين إلى أن طارت سوريا وسقطت في أيدي من كان يرسل الانتحاريين والإنغماسيين لقتال الشيعة والأقليات والوسطيين من السُنّة، بينما يهرب ويترك أرض المعركة لإسرائيل تحت شعار عدم وجود اسباب عداوة مع اليهود حتى لو قتلوا اكثر من عشرة ملايين سُنّي في فلسطين وحتى لو هدموا المسجد الأقصى وأقاموا هيكل سليمان المزعوم مكانه...
هل سوف تختلف استراتيجية طهران عن كل ما سلف...؟
لا النباح ولا الزمامير ولا القنابل الصوتية يمكن أن يلغي واقعا ويفرض واقعا آخر...
إيران اليوم سوف تحصد مما زرعت...
هي زرعت التردد والحيرة وسوف تحصد الضرب على الرأس كما حصل مع سوريا وحزب الله...
هذا ما لا نتمناه...
لكن بكل أسف، من يزرع سياسة اكل الهواء ينتهي به الأمر في الأخير إلى أن يأكل الهواء...


