لو كنت أعلم؟
مقالات
لو كنت أعلم؟
حليم خاتون
16 نيسان 2025 , 22:52 م


كتب الأستاذ حليم خاتون:

في المقابلة مع مريم البسام بعد حرب تموز ٢٠٠٦، خرجت هذه الجملة على لسان السيد الشهيد حسن نصرالله...

الجملة بسيطة جدا وتقول ان السيد ما كان ليقوم بحرب تموز لو كان يعلم مدى الإجرام الذي سوف تذهب إليه إسرائيل ومن ورائها العالم ومعهم كلاب العالمين العربي والإسلامي...

أخذت إسرائيل هذه الجملة، وبنت عليها...

في مؤتمر فك شيفرة حزب الله في أبو ظبي، خرج لقمان سليم وهو من شيعة السفارة الأميركية ليقول الكلام نفسه، ولكن بصيغة أشد وحشية...

قال لُقمان أن النيل من حزب الله لا يمكن أن ينجح اذا لم يتم النيل من الطائفة الشيعية...

"نقطة ضعف السيد نصرالله هي في الناس..." قال لُقمان...

لقمان الذي جاء إلى جنازة دفنه في الضاحية الجنوبية كل أركان المخابرات الغربية والعربية في منطقتنا، وعلى رأس هؤلاء سفراء الغرب المعتمدين في بيروت؛ لقمان هذا، أعطى عرب الخيانة، كما أعطى الغرب سلاح التدمير الشامل الذي بموجبه يمكن تدمير المقاومة...

تدمير الناس وارتكاب الإبادة، هذه كانت رسالة لقمان سليم...

هذا ما خرج به مؤتمر فك شيفرة حزب الله في ابو ظبي؛ وهذا بالضبط ما قامت به إسرائيل طيلة اكثر من شهرين من الحرب على لبنان...

كلما كان المقاتلون يوجهون الضربات الموجعة العنيفة إلى فرقها العسكرية على الحافة الأمامية مع فلسطين المحتلة، كانت إسرائيل بغطاء أميركي/ أطلسي/ عربي تقوم بارتكاب الإبادة ضد المدنيين في الجنوب والبقاع والضاحية...

هل أخطأ السيد حين قال هذه الجملة؟

هذه الجملة التي تلفظ بها السيد نصرالله والتي لاحقه عليها كل زناة الليل من الإعلام العربي... ولكن من الإعلام اللبناني خاصة يجب مراجعتها بعد كل الذي حصل...

بعد ال ٤٨، لم يعش الفلسطينيون وحدهم عصر النكبة...

عاشها معهم أهل جبل عامل في جنوب لبنان...

حتى في مجازر الصهاينة، كانت حصتنا لا تقل عن حصص الفلسطينيين...

تم تهجير اكثر من أربعين قرية وبلدة مما يطلق عليهم مصطلح "القرى السبع" التي سكت عليها نظام بيروت...

حتى الذين تحدثوا عن مجزرة حولا التي ذهب ضحيتها أكثر من ثمانين قرويا، قام مخفر الدرك بحبسهم بتهمة التحريض على النظام العام...

مشكلة لبنان مع الكيان ليست فقط في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا...

معظم المستعمرات الملاصقة لحدود الهدنة مع فلسطين المحتلة هي قرى وبلدات لبنانية وفق اتفاق نيو كامب وترسيم الحدود الذي جرى سنة ١٩٢٣...

لكن سلطة بيروت لم تكن تعبأ بالأطراف...

كان الجيش اللبناني يومها مشغولا بإقامة مباراة كرة قدم ودية مع المستعمرين الآتين من أوروبا لسرقة الأراضي المقدسة...

بعد حزيران ٦٧، عاش جنوب لبنان النكسة بأقسى صورها...

لم يعد جنود الاحتلال يكتفون بالإغارة وسرقة المواشي من القرى الحدودية، تقدموا وقضموا المزيد من الأراضي ومنعوا الناس من أبسط مظاهر الحياة الطبيعية...

كان الناس لا يجرؤون على الخروج من بيوتهم بعد صلاة المغرب، لأن الإسرائيلي يستطيع الدخول متى يشاء؛ يقيم حواجز ويخطف الناس...

لتأديب من يتحدث من اليسار عن فلسطين، ارسلت إسرائيل قوة كوماندوس إلى مطار بيروت سنة ٦٨، دمر كامل أسطول شركة الخطوط الجوية التابعة للميدل إيست ثم مر على السوق الحرة وانتقى ما يشتهي منها وشرب الشامبانيا قبل أن يبول على كرامة نظام بعبدا، وكرامة كل اللبنانيين الذين ابتلعوا البصقة وسكتوا...

كثيرون لا يذكرون...

منذ ٤٨ و٦٧؛ ثم ٧٨ و٨٢ ونحن نعيش الذل والهوان...

الإسرائيلي يصول ويجول كما يريد...

ونحن نضع ايدينا على خدودنا عاجزين ك"النسوان" مع الاعتذار من سناء محيدلي ويولا عبود وسهى بشارة...

فقط بعد التحرير سنة ٢٠٠٠، بدأنا نعرف معنى الكرامة الوطنية...

كان تفاهم نيسان ٩٦ قد أعاد إلى الجنوبيين الشعور بأن هناك مقاومة تحميهم وتحمي ديارهم...

لكن الهدوء الكامل والحياة بعزة وشرف ورأس مرفوع لم نعرفه إلا بعد تموز ٢٠٠٦...

كرس السيد نصرالله معادلة ردع جعلت الغرب كله وأنظمة الذل العربية تحشد كل الإمكانيات لهزيمة هذه المقاومة العظيمة التي يقودها هذا السيد...

صحيح ان النظام الرسمي العربي والغرب لم يتركوا لحظة تمر دون التآمر علينا منذ هزيمة إسرائيل في تموز ٢٠٠٦...

لكننا كنا نعيش بكرامة...

كرامة لا يفهمها طوني ابو نجم او كميل شمعون...

كرامة لا يفهمها فؤاد السنيورة وديانا منعم وفريق "كلنا إرادة" والمهرجون مما يسمى مجتمعا مدنيا هو في الأصل مجتمع التبعية للإمبريالية الأميركية من الذين لم يروا في حزب الله إلا أسوأ ما قدمه هذا الحزب في السياسة الداخلية بكل أسف...

في النهاية، هذا الحزب من هذا الجسم العفن الذي اسمه النظام الطائفي في لبنان، ومن المؤسف أن نظافة هذا الحزب في العداء لإسرائيل لم تصل إلى النظافة والطهارة الكاملة من العفن الطائفي اللبناني...

لكن ما يجري في لبنان اليوم يفرض سؤالا جديدا...

نحن دخلنا العصر الإسرائيلي في لبنان...

ديانا منعم أو طوني بولس أو وضاح الصادق أو مارك ضو وغيرهم...

كل هؤلاء يلتحفون العباءة الأميركية أحيانا، والعباءة السعودية أحيانا أخرى؛ لكنهم لا يستطيعون إخفاء الميول الإسرائيلية في كل تفكيرهم...

عقليتهم صهيونية بامتياز حتى لو لبست ثوبا مزركشا من الفولوكلور اللبناني...

تحت مسمى تحرير لبنان من هيمنة دولة حزب الله، يذهب هؤلاء إلى نفس الدولة للتي عرفناه منذ ال ٤٨ والتي كانت تبيع كل الوطن لإسرائيل تحت عناوين أميركية...

يطالب هؤلاء ب"نزع سلاح المقاومة دون ذكر كلمة واحدة عن كيفية حفظ كرامتنا ومنع إسرائيل من قتلنا...

يعيشون في العصر الإسرائيلي دون لفظ كلمة واحدة عن كيفية تأمين السيادة التي يتغنون بها فقط حين الحديث عن حزب الله...

خلافاتهم في حل المشاكل الاقتصادية في البلد لا تخرج أبدا عن مبدأ التبعية لما تريده أميركا، وما تريده السعودية...

مشكلتهم في السيادة هي فقط في هوية السيد...

اذا كانت السيادة تحت البوط الأميركي، يرون ذلك تاجا على الرؤوس..

هل يتحمل هؤلاء مسؤولية ما حدث؟

هل يتحمل الخائن أو العميل مسؤولية الهزيمة اذا وقعت؟

المنطق يقول، نعم...

هم مسؤولون...

لكن المسؤول الحقيقي الأكبر هو من ذهب إلى نصف حرب...

المشكلة ليست ابدا في اننا ذهبنا لإسناد غزة، أو تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة...

المشكلة هي أننا لم نذهب إلى حرب شاملة خوفا من أثمان الحرب الشاملة، فإذا بنا نعيش تحت البوط الأميركي/ السعودي مسنودا بكلام الداخل في لبنان ندفع اثمانا اكبر من اثمان الحرب الشاملة...

نعود لطرح.السؤال مجددا؛

لو كنا نعرف...

هل كنا نعرف فعلا...

حسنا،

الآن نحن نعرف...

أميركا هي أم الإبادة وأبوها...

السعودية، والنظام الرسمي العربي، ليسوا جميعا أكثر من حذاء القمع في الرجل الأميركية...

توقفوا عن تسليم السلاح إلى جيش مورغان أورثاغوس...

لقد خسرنا خمسة آلاف شهيد... صحيح...

لكننا لا نزال نملك خمسين ألف مقاتل على أقل تقدير...

هل نريد الحرية والسيادة الحقيقية ام نوافق على ما يهمس به إبن فرحان في آذان عملاء أميركا في لبنان...

هل يحق لحزب الله الاستسلام؟

هنا السؤال...

ما يجري اليوم في لبنان هو استسلام...

نحن لا نخاف إسرائيل، ولا نخاف الجولاني وكلابه...

لا تهددونا بالحرب الأهلية...

إذا وقعت هذه الحرب سوف تكونون انتم حطبها...

لا إسرائيل سوف تنقذكم، ولا أميركا..

إذا خُيّرنا بين السلة والذلة سوف نقاتل قتال الكربلائيين...

افضل ألف مرة الموت بشرف من العيش تحت جزمة الاحتلال الأميركي/ السعودي/ الإسرائيلي...

نحن نعرف الآن...

نقولها لأي نظام أو تنظيم أو منظمة أو حزب...

لا ترتكبوا الخطأ الذي ارتكبه حزب الله حين كان بالمستطاع تدمير إسرائيل حتى لو سقط الهيكل على رؤوس الجميع، ولم يفعل...

حين تمتلكون الإمكانية لهذا كما حصل مع عبد الناصر يوما وكما حصل مع السيد حسن،

اذهبوا إلى خيار التفجير الشامل...

هذه المنطقة لم تعش بسلام حقيقي بوجود إسرائيل، ولن تعيش...

نهاية إسرائيل تستوجب قتالا لا رافة فيه ضد أميركا والغرب واتباعهم في المنطقة، كل اتباعهم بما في ذلك كلاب القوات...

أرامكو ليست عربية..

أبراج الإمارات وقطر ليست عربية...

حريتنا تستوجب مواجهة استشهادية لم يقم بها حزب الله، ولا الحشد الشعبي، ولا إيران...

الأمل الباقي هو في اليمن...

اذا كانت نهاية إسرائيل تتطلب نهاية المنطقة فليكن...

الحياة وقفة عز...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري