كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون من جامعة "روتجرز" الأمريكية عن آثار مدمرة وعميقة لاكتئاب الآباء على النمو السلوكي والاجتماعي للأطفال، والتي قد تمتد لسنوات طويلة وتؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم النفسي والاجتماعي.
- دراسة طويلة ترصد سلوك الأطفال وتأثير الصحة النفسية للآباء
نشرت نتائج الدراسة في مجلة American Journal of Preventive Medicine، حيث تتبع الباحثون حالة 1,422 أسرة أمريكية على مدى عدة سنوات، بهدف تحليل العلاقة بين الاكتئاب الأبوي وتغيرات سلوك الأبناء، وركزت الدراسة على الأطفال الذين بلغ آباؤهم مستويات ملحوظة من الاكتئاب عندما كان عمر الطفل خمس سنوات، وهو سن حساس ومفصلي في التطور النفسي والاجتماعي.
- سلوك عدواني وضعف اجتماعي لدى الأطفال
بحسب التقييمات التي قدّمها معلمو الأطفال عند بلوغهم سن التاسعة، أظهرت النتائج أن هؤلاء الأطفال عانوا من مشكلات سلوكية واضحة، تمثلت في زيادة معدلات العدوانية والتمرد، وضعف ملحوظ في المهارات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين، هذا الترابط المباشر بين حالة الأب النفسية وتطور سلوك الطفل، يؤكد وجود علاقة سببية تستحق اهتماماً خاصاً من الأطباء والمعالجين والأسر.
- تفكيك الصورة النمطية حول الصحة النفسية الوالدية
أهمية هذه الدراسة تكمن في تحطيم الصورة النمطية السائدة التي تربط مشاكل الصحة النفسية بالأمهات فقط، وتتجاهل الجانب الأبوي، فالبيانات الحديثة تشير إلى أن ما بين 8% و13% من الآباء يعانون من درجات متفاوتة من الاكتئاب في السنوات الأولى من حياة أطفالهم، وفي حالات الاكتئاب المشترك بين الوالدين، قد تصل هذه النسبة إلى 50%.
- تحليل دقيق لبيانات آلاف الأسر الأمريكية
قاد فريق البحث الطبي الدكتورة كريستين شميتز من كلية روبرت وود جونسون الطبية، واعتمد على بيانات ضخمة جمعتها دراسة "مستقبل العائلات ورفاهية الطفل"، والتي تتابع آلاف الأسر الأمريكية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، واستخدم الباحثون معايير علمية دقيقة لقياس أعراض الاكتئاب لدى الآباء، ثم قارنوها بالتقييمات السلوكية المقدّمة من المعلمين بعد أربع سنوات من بدء الدراسة.
- الاكتئاب الأبوي: تأثير يمتد إلى بيئة الطفل وعلاقاته
توضح نتائج الدراسة أن الاكتئاب الأبوي لا يؤثر فقط على الأب نفسه، بل يُحدث خللاً في بنية البيئة الأسرية، ويقلل من قدرة الوالد على تقديم الدعم العاطفي والتفاعل الإيجابي مع أطفاله. وكنتيجة لذلك، تصبح البيئة العائلية أكثر توتراً وأقل استقراراً، ما ينعكس سلباً على سلوك الطفل وثقته بنفسه وعلاقاته بالمحيط.
- الأمل في الكشف المبكر والعلاج الفعّال
ورغم هذه النتائج المقلقة، فإن الدراسة تحمل جانباً إيجابياً، حيث تشير بوضوح إلى أن الاكتشاف المبكر لاكتئاب الآباء والتدخل العلاجي في الوقت المناسب يمكن أن يحدّ بدرجة كبيرة من التأثيرات السلبية على الأطفال. وتدعو الدراسة إلى توسيع نطاق فحوصات الصحة النفسية لتشمل الآباء، جنباً إلى جنب مع الأمهات، في إطار رعاية شاملة للأسرة.



