كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة PNAS Nexus عن روابط قوية بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية وظهور الأمراض النفسية ، مشيرةً إلى أن هذه العوامل، المعروفة باسم "المحددات الاجتماعية للصحة"، تُعد من أبرز المؤثرات البيئية التي تتفاعل مع العوامل البيولوجية في تشكيل الحالات النفسية.
العوامل البيئية والاجتماعية في نشأة الأمراض النفسية
تُعد الأمراض النفسية نتاج تفاعل معقد بين العوامل البيولوجية والبيئية، ومن بين العوامل البيئية، تلعب المحددات الاجتماعية مثل الوضع المالي، والعلاقات الاجتماعية، والمشاركة المجتمعية، دورا كبيرا في التأثير على الصحة العقلية، وفقا لما أكدته الدراسة التي أجراها الباحث آدم سكينر وزملاؤه.
تحليل بياني متقدم يربط المتغيرات الاجتماعية بالصحة العقلية
اعتمد الباحثون على تحليل شبكي ديناميكي قائم على الشبكات البايزية، لتحليل بيانات تمثيلية على المستوى الوطني من مسح "ديناميكيات الأسر والدخل والعمل في أستراليا" (HILDA)، والذي شمل نحو 25,000 مشارك.
وقد مكّن هذا النموذج التحليلي من رسم خريطة للعلاقات السببية المعقدة التي تربط بين المتغيرات الاجتماعية والحالة النفسية.
الشعور بالوحدة وسوء الوضع المالي أبرز مسببات التدهور النفسي
أشارت النتائج إلى وجود أربعة متغيرات أساسية تتنبأ مباشرة بحدوث اضطرابات نفسية:
1. الصحة الجسدية
2. الشعور بالوحدة
3. الرضا عن المجتمع المحلي
4. الرضا عن الوضع المالي الشخصي
واللافت أن هذه المتغيرات لا تؤثر فقط على الصحة النفسية، بل تتأثر بدورها بها، مما يشير إلى وجود دوائر تغذية راجعة تعزز من تدهور الحالة النفسية في غياب تدخلات فعالة.
تحسين الرضا المالي والمجتمعي قد يقلص نسبة المرض النفسي بشكل كبير
يرى الباحثون أن النتائج التي توصلوا إليها تتيح إمكانية تطوير استراتيجيات تدخل اجتماعي واقتصادي فعّالة للتقليل من معدلات المرض النفسي على نطاق واسع.
فعلى سبيل المثال، إذا شعر كل مشارك في الدراسة بالرضا عن وضعه المالي، فإن معدل الإصابة بالأمراض النفسية سينخفض بنحو 3 نقاط مئوية، أي ما يقارب ثلث الحالات النفسية في أستراليا.
فرص تدخل مجتمعي ووطني لتحسين الصحة النفسية العامة
توصي الدراسة بتحقيق مكاسب كبيرة في الصحة العامة من خلال:
تعزيز المشاركة المجتمعية
تحسين اللياقة والصحة البدنية
تشجيع التطوع والعمل الخيري
زيادة فرص التوظيف
ويقترح الباحثون إمكانية تنفيذ هذه التوصيات من خلال برامج وطنية مثل ضمان التوظيف الممول من الحكومة، مما يسهم في تقوية الروابط الاجتماعية، وتحسين نوعية الحياة، وبالتالي الوقاية من الانحدار النفسي.