الصراع المستمر..و إصرار واشنطن على عودة *كوبا - باتيستا
مقالات
الصراع المستمر..و إصرار واشنطن على عودة *كوبا - باتيستا
علي وطفي
18 نيسان 2025 , 07:12 ص


إنه يوم 10 نيسان الذي مضى و تكون فبه *كوبا* قد اجتازت اربع و ستين عاما من العقوبات الامريكية الاوروبية الصارمة و الأطول في التاريخ.

في خضم مبادرات ترامب لإحلال السلام في أوكرانيا مر قرار الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا بإلغاء قرار بايدن باستبعاد كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب دون أن يلاحظها أحد تقريبا تم التوقيع على الوثيقة من قبل ترامب في الأيام الأولى بعد تنصيبه ، يستمر الضغط بالحصار و العقوبات الأمريكية على "جزيرة الحرية" بلا رحمة. تعد العقوبات المفروضة على كوبا واحدة من أطول العقوبات في تاريخ العلاقات الدولية، اتت هذه العقوبات على الفور تقريبا بعد التأميم الذي قام به "فيدل كاسترو" بعد انتصار الثورة ، حينها سارعت واشنطن بفرض حظر جزئي لأول مرة على تصدير و استيراد البضائع من و إلى كوبا و بعد عام و نصف فقط، فرضت إدارة ج . كينيدي حصارا كاملا شاملاً على كوبا حيث ربطها بقانون التجارة مع العدو و منع الأمريكيون من السفر إلى الجزيرة المتمردة و فرض حظر على استخدام الدولار الأمريكي في المعاملات المالية التي تجريها كوبا مع جهة ثالثة و تم تشديد العقوبات بشكل دوري كل عام منذ عام 1982 ثم أدرجت الولايات المتحدة كوبا في قائمة الدول الراعية للإرهاب ، مما يعني ضمنا حظر جميع المعاملات المالية أو دعمها من قبل دول ثالثة . في أوائل التسعينيات خلال عهد كلينتون، تم حظر التحويلات المالية إلى كوبا و في عام 1996 بموجب قانون "هيلمز بيرتون"، إلى حدث تخفيف طفيف للعقوبات في عهد أوباما و أزال كوبا في عام 2015 من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، لكن هذا لم يدم طويلا، إلى ان أعاد ترامب التشديد و من الواضح أنه لا ينوي التخلي عن سياسته المتشددة تجاه كوبا خلال فترة ولايته الرئاسية الثانية.

إن عبثية إعلان كوبا دولة راعية للإرهاب واضحة، حتى إدارة بايدن اعترفت رسميا بعدم وجود أي علاقات بين كوبا و الإرهاب الدولي و قد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالفعل إلى إنهاء الحصار 32 مرة (كقاعدة عامة، اعترضت الولايات المتحدة و إسرائيل فقط ) لكن الولايات المتحدة تلعب لعبة طويلة ضد الأنظمة غير المرغوب فيها ، في عام 2022 تم نشر النص الأصلي للمذكرة ، الذي أعدها مساعد وزير الخارجية لشؤون البلدان الأمريكية "ليستر ميلو" في شهر نيسان عام 1996 لأول مرة الذي يتحدث عن الحاجة إلى "إعدام الحياة الاقتصادية لكوبا" من خلال تدابير مثل " الحرمان من المال و إمداد السلع ، و تخفيض الأجور و خلق الجوع و اليأس للإطاحة بالحكومة". بقيت أهداف سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا دون تغيير ، في فترة ولايته الرئاسية الثانية و قام ترامب بتكليف نجل المهاجرين الكوبيين "ماركو روبيو" وزيرا جديدا للخارجية ، بمهمة عزل كامل للجزيرة المتمردة ، بما في ذلك ماليا و استخدام جميع الوسائل المتاحة من أجل تغيير مسار هذه القلعة الكاريبية المحاصرة

لم يكن الحصار الوسيلة الوحيدة لممارسة الضغط على كوبا المتمردة ، فمنذ الأيام الأولى لانتصار الثورة ، تم تنفيذ عدد كبير من عمليات التخريب و الهجمات الإرهابية و غيرها من العمليات السرية التي نظمتها الأجهزة الخاصة الأمريكية. تم ارتكاب أو التخطيط لأكثر من 700 محاولة موثقة لاغتيال فيدل كاسترو و وفقا لما ذكره بطل جمهورية كوبا، ضابط المخابرات غير الشرعي جيراردو هيرنانديز نورديلو، نفذت الولايات المتحدة في الفترة 1959-1997 780 5 عملا إرهابيا ضد كوبا، و قادت وكالة المخابرات المركزية 299 مجموعة شبه عسكرية قوامها 4000 مسؤولة عن مئات جرائم قتل المدنيين الكوبيين ، كما دأبت الولايات المتحدة على تنظيم استفزازات مختلفة لتبرير تشديد الحصار المفروض على كوبا و التدخل العسكري المحتمل قائم بشكل دائم و من الأمثلة على ذلك الانتهاك المتعمد للمجال الجوي الكوبي في شباط/فبراير 1996 من قبل ثلاث طائرات تابعة للولايات المتحدة ردت الحكومة الكوبية بقسوة: أسقطت مقاتلة كوبية طائرتين ، و تمكنت الثالثة من الفرار.

في عام 1993 ، كتب "غين شارب"، الأستاذ في جامعة ماساتشوستس و منظر استراتيجية العمل اللاعنفي ، "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. استراتيجية و تكتيكات التحرير"، التي أصبحت طريقة جديدة في أساليب مكافحة الأنظمة غير المرغوب فيها، بأسلوب الثورات الملونة و في أوائل التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت كوبا في وضع صعب للغاية بعد أن فقدت دعم شريكها الاقتصادي الرئيسي ، اضطرت إلى تقليص جميع برامج التنمية و مشاريع البناء المهمة و خفض الاستهلاك إلى أقصى حد و عاشت البلاد بحكم الأمر الواقع في حالة طوارئ ، و لم تكن هناك كهرباء في المنازل لمدة 13 ساعة في اليوم تمكن فيدل كاسترو من الحفاظ على أخلاق و ثقافة المجتمع و الموارد البشرية و المعايير العالية للطب و التعليم في مواجهة النقص التام في جميع الموارد حرفيا و نجت كوبا! ثم بدأت واشنطن التي اختبرت في التسعينيات أساليب جديدة للعمل في البلقان و فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي في الانتقال تدريجيا في كوبا من التخريب إلى أساليب التأثير المستهدف على الجيل الشاب و المتوسط من الكوبيين من أجل إعداد النخبة الكوبية الصاعدة للإنقلاب على السلطة فبدأت واشنطن في إيلاء أهمية خاصة للعمل في مجال المعلومات بتمويل أساسي من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية و الصندوق الوطني للديمقراطية، ووزارة الخارجية و مؤسسة المجتمع المفتوح التابعة لجورج سوروس.

تم بالفعل استثمار مئات الملايين من الدولارات في محاولات لتغيير وعي الكوبيين و تنظيم ثورة ملونة و كان أول مشروع واسع النطاق لتطوير مساحة المعلومات في كوبا و تم انشاء شبكة تويتر الكوبية في عهد أوباما ، شبكة ZunZuneo ، بهدف إنشاء قاعدة بيانات المشتركين الكوبيين في المراسلة (بما في ذلك الجنس و العمر و الآراء السياسية) و تجنيد الشباب الكوبي المناهض للحكومة و تم استخدام مجتمعات الهيب هوب و مغنيّ الراب و مجموعة متنوعة من البرامج الترفيهية حتى ندوات الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية لجذب الشباب ، من المثير للاهتمام ، أن الهجوم المعلوماتي في كوبا تكثفت بشكل كبير في الولاية الأولى لترامب عام 2018.

أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية فريق عمل الإنترنت الكوبي ، الذي ضم ممثلين عن الحكومة الأمريكية و المنظمات غير حكومية و تم تكليفه "تعزيز التدفق الحر و غير المنظم للمعلومات في كوبا" لتعزيز التفكير الليبرالي و الأفكار الأمريكية حول الديمقراطية و الحرية و نشر المعلومات "حول إخفاقات الثورة" و تحديد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد الغير راضين بشكل خاص عن الوضع من الشباب و في وقت قصير تم إنشاء شبكة من المواقع التخريبية الدعائية المناهضة لكوبا عبر الإنترنت ، مثل ADN Cuba و CyberCuba و Cubanos por El Mundo و Cubanet و Cubita Nau و El Estornudo و Pergiodismo de Barjo و El Toque و YucaByte و التي تعمل على زعزعة استقرار الوضع بتمويل هذه المصادر المشبوهة "المستقلة".

في فترة ولاية ترامب الثانية، بالتوازي مع الهجوم الإعلامي، يتم تشديد الحصار المالي المفروض على كوبا إلى أقصى حد يجبر المؤسسات المالية لدول ثالثة على تعليق جميع عملياتها مع كوبا ، و إلغاء عمليات تسليم المواد الضرورية، و إنهاء عقود التصدير ، و منع الاستثمارات مما يؤدي إلى نقص في السلع الأساسية الناتج عن الحصار المالي إلى تدهور مستوى معيشة السكان بشكل حاد، و إثارة الاحتجاجات، و بالتالي زعزعة استقرار الوضع و تغيير السلطة. الهدف الدائم لواشنطن،و بعد عام 2021، كانت هناك محاولات لتكرار المسيرات الاحتجاجية التي تهدف إلى لفت انتباه الحكومة إلى الوضع الاقتصادي الصعب لذلك ، في 17 مارس 2024 ، أقيم عرض في سانتياغو دي كوبا بسبب انقطاع التيار الكهربائي و نقص الغذاء و كانت تقارير وسائل الإعلام الغربية تعلن عن حشود غاضبة و مذابح و أعمال شغب ، بينما كانت الاحتجاجات سلمية وفقا لمعظم الكوبيين الذين يقودون أن السبب الرئيسي للصعوبات هو الحصار الأمريكي.

لا تزال الحالة الاقتصادية في كوبا صعبة للغاية وفقا للبيانات الرسمية ، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بنسبة 2٪ ، و بلغ التضخم 31% نتيجة لوباء فيروس كورونا و انخفض إنتاج السكر بشكل حاد ، و الذي لم يعد كافيا حتى لتلبية الطلب المحلي و اضطرت كوبا إلى إيقاف العقد مع الصين لتوريد السكر و بلغ إنتاج الأرز في عام 2024 حوالي 30٪ فقط من مستوى عام 2018 ، و بالتالي انخفض عائداتها بمقدار النصف انخفض إنتاج البيض و اللحوم و القهوة و الحبوب و تعتمد كوبا اليوم بشكل كبير على واردات الغذاء و الوقود و العديد من السلع الأخرى كما تواجه وسائل النقل العام مشاكل خطيرة بسبب نقص الوقود و اهتراء البنية التحتية.

المهم اليوم محاولة انقاذ إالوضع في كوبا المحاصرة و يمكن للصين و روسيا البلدان الصديقان دعم هافانا السياسية في هذه الظروف القاسية، سواء في إطار الشراكة التجارية و الاقتصادية الثنائية التي لها تاريخ وخاصة الحقبة السوفيتية بالنسبة لروسيا ، أو بتعميق و تسهيل التعاون مع مجموعة "دول البريكس" (حيث كوبا عضوة فيها) و من خلال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (الذي تعد كوبا دولة مراقب فيه).

اليوم و بعد الإنفتاح الإقتصادي المقنن و السماح بالملكية الخاصة في بعض المجالات بدات تظهر ملامح الفروق الطبقية الاجتماعية في تتزايد و الإجور في الشركات الخاصة أعلى بعدة مرات من الرواتب في القطاع العام و نظرا لإغلاق العديد من مكاتب أطباء الأسرة، أصبحت الرعاية الطبية عالية الجودة أقل سهولة لغالبية السكان و بدأت أفضل العيادات في تقديم خدمات مدفوعة الأجر و تعيد توجيه نفسها تدريجيا إلى الزبائن الأثرياء و بدأ الكوبيون في مغادرة البلاد بشكل جماعي منذ عام 2022 وصل أكثر من 500 ألف مهاجر من كوبا إلى الولايات المتحدة ليصل مجموع المغادرين إلى الولايات المتحدة ما يقارب حاليا 1.3مليون شخص و لكن يحتفظون بالجنسية الكوبية بالإضافة إلى ذلك ظهرت فئة من الكوبيين و التي تسميها مواقع المعارضة " ما قبل المهاجرين" هؤلاء هم أولئك الذين لا تتاح لهم الفرصة في الوقت الحالي للمغادرة ، لكنهم اتخذوا بالفعل القرار المناسب لأنفسهم.

إن الجيل الذي نفذ انتفاضة التحرر الوطني يغادر الحياة تدريجيا، و معه ذكرى ما كانت عليه كوبا قبل الثورة، عندما قتل 20 ألف شخص خلال السنوات السبع من ديكتاتورية "باتيستا" العسكرية ( التي أطلق عليها هو نفسه "الديمقراطية المنضبطة") فكان البؤس ، الأمية ، 40٪ البطالة ، 8500 بيت دعارة في هافانا وحدها و أكثر من 70% من الاقتصاد في أيدي الأمريكيين ، الأطفال الذين لم يعرفوا طعم الحليب. تدرك الأجيال الأكبر سنا من الكوبيين جيدا ثمن "الحرية و الديمقراطية على الطريقة الأمريكية". مثل هذه الدعاية عاجزة ضدهم. و لكن مع تغير الأجيال ، تنفتح آفاق جديدة للتلاعب بالوعي. يعيش "الشباب الكوبي مثل أقرانه في بقية البلدان حرفيا على الإنترنت ، مما يفتح فرصا جديدة للتلاعب بالرأي العام و استخدام اللون البرتقالي المشؤوم من جديد لقلب الاوضاع الحالية و السيطرة على الجزيرة التي مازالت عاتية ضد امواج التوحش الراسمالية الامريكي.

ديمقراطية على النمط الأمريكي يعني العودة إلى نموذج جعل كوبا ملحق سياحي للقمار و مراهنات سباق الخيول بالنسبة للولايات المتحدة، حيث سيحظى الشباب الكوبي بالكثير من التيك توك ، الكازينوهات ، الكحول و المخدرات ... إن المواجهة الطويلة بين كوبا و الولايات المتحدة مستمرة و قال الزعيم الثوري الكوبي فيدل كاسترو ذات مرة : "لا توجد قوة في العالم يمكنها أن تسحق قوة الحقيقة و الأفكار". و لهذا السبب بقي (شرطي العالم) عاجزاً عن اخضاع الحزيرة المتمردة .

المصدر: موقع إضاءات الإخباري