كشفت دراستان حديثتان من جامعتي هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن رابط غير متوقع بين الجهاز المناعي والدماغ، ووفقا لهذه الدراسات، فإن جزيئات يفرزها الجسم أثناء الالتهابات – تُعرف باسم السيتوكينات – لا تؤثر فقط على صحة الجسد، بل تلعب دورا مباشرا في تنظيم المشاعر والسلوك الاجتماعي وحتى القلق واضطرابات التوحد.
- كيف تؤثر الالتهابات في مزاج الإنسان؟
لطالما لاحظ الأطباء تغيّرات عاطفية وسلوكية لدى بعض المرضى بعد الإصابة بالعدوى أو تفاقم أمراض المناعة الذاتية.ط، هذه الملاحظات أثارت الشكوك حول وجود علاقة بين الالتهاب والصحة النفسية، لكنها كانت تفتقر إلى تفسير بيولوجي واضح.
الدراستان المنشورتان في مجلة Cell في 7 أبريل، واللتان أُجريتا على فئران التجارب، أظهرتا كيف يمكن للسيتوكينات التأثير على الخلايا العصبية في الدماغ بشكل مباشر. هذه النتائج تمثل تقدما كبيرا في فهم التفاعل المعقد بين الجهازين العصبي والمناعي.
- السيتوكينات: رسل المناعة التي تؤثر في العاطفة
بينما كان معروفا أن السيتوكينات قد تؤثر في الحالة النفسية، لم يكن العلماء يدركون بدقة كيف وأين يحدث ذلك. تكشف الأبحاث الجديدة عن شبكة من الإشارات العصبية التي تتفاعل فيها السيتوكينات مع خلايا دماغية مسؤولة عن المزاج والقلق والسلوك الاجتماعي.
تقدم هذه النتائج بصيص أمل لعلاج اضطرابات القلق والتوحد من خلال تعديل الاستجابات المناعية بدلاً من التأثير المباشر في كيمياء الدماغ كما تفعل الأدوية النفسية التقليدية.
- القلق والخوف: كيف يتدخل الجهاز المناعي؟
إحدى الدراستين ركزت على منطقة اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهي مركز معالجة الخوف في الدماغ. وجد الباحثون أن السيتوكينات IL-17A وIL-17C تؤدي إلى زيادة النشاط في هذه المنطقة، مما يرتبط بزيادة سلوكيات القلق مثل تجنّب الأماكن المفتوحة.
في المقابل، لاحظ الباحثون أن السيتوكين المضاد للالتهاب IL-10 يقلل من هذا النشاط، مما يؤدي إلى تقليل القلق. هذا التفاعل بين الإشارات الالتهابية والمضادة للالتهاب يوضح كيف يمكن أن تتسبب الالتهابات في تقلّبات المزاج والسلوك.
- تحسين السلوك الاجتماعي لدى المصابين بالتوحد
الدراسة الثانية أظهرت أن السيتوكينات IL-17A وIL-17B وIL-17E وIL-17F قد تعزز السلوك الاجتماعي لدى فئران تعاني من أعراض شبيهة بالتوحد. فعند إعطائها هذه الجزيئات، أصبحت الفئران أكثر تفاعلًا مع أقرانها وأظهرت انخفاضًا في السلوكيات التكرارية.
والمثير أن IL-17E يُفرز من الخلايا العصبية نفسها في الدماغ، مما يشير إلى أنه قد يكون معدّلا عصبيا جديدا، مثل السيروتونين والدوبامين، وهو اكتشاف يغيّر نظرتنا لوظائف الدماغ الأساسية.
- آفاق مستقبلية لعلاج جديد
يرى العلماء أن تعديل السيتوكينات أو مستقبلاتها قد يشكل طريقة جديدة لعلاج القلق واضطرابات التوحد، دون الحاجة لاختراق الحاجز الدموي الدماغي، وهو العائق الطبيعي الذي يمنع المواد الكيميائية من الوصول إلى الدماغ.
كما أن بعض النظريات تشير إلى أن الالتهاب المزمن قد يضعف هذا الحاجز، مما يسمح للسيتوكينات بالتأثير بشكل مباشر على الدماغ – وهو موضوع بحاجة لمزيد من البحث.
- كلمة أخيرة من الباحثين
علّق الدكتور جون هو، أستاذ علم المناعة في معهد بلافاتني بهارفارد وأحد المشرفين على الدراستين، قائلاً:
> "من خلال تحديد مواقع وآليات عمل مستقبلات السيتوكينات في الدماغ، بدأنا بفكّ لغز العلاقة المعقدة بين الجهازين العصبي والمناعي وتأثيرها في المشاعر والسلوك".
أما البروفسورة غلوريا تشوي من MIT فقالت: "نتائجنا تسلط الضوء على الدور المحوري لإشارات المناعة في تشكيل المشاعر والسلوك من خلال مسارات دماغية محددة."



