هل شعرت من قبل أن عقلك توقف فجأة عن التفكير؟ أن كل الأفكار تلاشت، ولم يتبق سوى فراغ ذهني غريب؟ هذه الحالة التي اختبرها كثيرون تُعرف علميا باسم "الذهول الذهني" (Mind Blanking)، وهي ليست مجرد شرود عابر بل ظاهرة حقيقية أثارت اهتمام علماء الأعصاب والوعي حول العالم.
- من شرود عادي إلى حالة دماغية فريدة
لفترة طويلة، كان يُنظر إلى الذهول الذهني على أنه شكل من أشكال شرود الذهن، لكن الدراسات الحديثة تؤكد أنه ظاهرة مستقلة بذاتها، لها خصائص عصبية وسلوكية مميزة، وتحدث عندما يتوقف تدفق الأفكار بشكل كامل، مصحوبا بشعور بالنعاس والتراخي العقلي.
- كم من وقتنا نقضيه في الذهول الذهني؟
تشير الدراسات إلى أن الإنسان يقضي ما بين 5% إلى 20% من وقته في هذه الحالة، ما يجعلها أكثر شيوعا مما نعتقد، وقد تختلف تجربة الذهول من شخص لآخر؛ فبينما يراها البعض كفراغ ذهني تام، يصفها آخرون كصعوبة مؤقتة في استحضار الأفكار.
- ماذا يحدث في الدماغ أثناء الذهول الذهني؟
كشفت دراسات تصوير الدماغ أن هذه الظاهرة ترتبط بتغيرات محددة في النشاط العصبي، خصوصًا في المناطق الأمامية والزمنية من الدماغ، ويصاحبها انخفاض في معدل ضربات القلب، وانكماش في بؤبؤ العين، إضافة إلى موجات دماغية شبيهة بتلك التي تُرى أثناء النوم.
بعض العلماء وصفوا هذه الظاهرة بأنها شكل من "النوم الموضعي"، حيث تنام أجزاء من الدماغ بينما يبقى الشخص مستيقظا ظاهريا.
- الذهول الذهني ... خمول دماغي أم نشاط مفرط؟
في مفارقة مثيرة، وجدت بعض الدراسات أن الذهول الذهني قد يحدث أيضا نتيجة فرط النشاط في مناطق دماغية خلفية. فعندما ينشغل الدماغ بالتفكير الزائد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى شلل مؤقت في القدرات الإدراكية، ما يطرح تساؤلات جديدة: هل الذهول نتيجة خمول أم نشاط مفرط؟
- أبعاد سريرية ونفسية للذهول الذهني
لا تقتصر أهمية الذهول الذهني على البحوث العصبية فقط، بل له أبعاد سريرية مهمة. فهو أكثر شيوعا لدى الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، كما يُدرج كأحد أعراض اضطراب القلق العام، وقد يكون مرتبطا بحالات مثل السكتات الدماغية وإصابات الرأس.
- نظرية جديدة لفهم الظاهرة
اقترح الباحثون إطارا تفسيريا جديدا يرى أن الذهول الذهني ناتج عن تقلبات في مستويات اليقظة الفسيولوجية. فعندما يرتفع أو ينخفض مستوى التنبيه في الدماغ عن الحد الطبيعي، يصبح الشخص أكثر عرضة لنوبات من التوقف الذهني.
- أسئلة بلا إجابة حتى الآن
رغم التقدم في فهم الظاهرة، إلا أن هناك أسئلة لا تزال مفتوحة:
ما المدة النموذجية لنوبات الذهول الذهني؟
هل هناك أنواع متعددة من هذه الظاهرة؟
وهل يمكن التحكم بها أو تقليلها؟
- نهاية الوعي المستمر؟
أهمية هذه الدراسات لا تكمن فقط في كشف ظاهرة غامضة، بل في أنها تتحدى المفهوم التقليدي للوعي البشري كتيار متواصل من الأفكار. وقد تفتح آفاقًا جديدة لفهم أعماق العقل البشري وآليات عمله الدقيقة.

