تُعد القراءة من أكثر المهارات البشرية قيمة، إذ تمكّن الإنسان من اكتساب المعرفة، ومتابعة التعليم، وإنجاز العديد من المهام اليومية. وعلى مرّ العقود، سعت العديد من الدراسات في مجالي علم النفس وعلم الأعصاب لفهم الأسس العصبية المعقّدة لهذه العملية، ولمعرفة كيف يفهم الدماغ النصوص المكتوبة ويعالجها.
في هذا السياق، أجرى باحثون في "معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك والدماغ البشرية" مراجعة شاملة لدراسات سابقة عديدة تتعلق بأنماط نشاط الدماغ أثناء القراءة. وقد نُشرت نتائجهم في مجلة Neuroscience & Biobehavioral Reviews، حيث قدّموا رؤية موسعة للعمليات والمناطق الدماغية المرتبطة بمستويات مختلفة من القراءة.
- أهمية القراءة وتأثيرها العصبي
ذكرت الباحثات سابرينا توركر وبياتريس فوماغالي وزميلاتهما في الورقة العلمية:
"تُعد القراءة بوابة للتواصل الاجتماعي والتعليم والعمل، وتؤثر بشكل كبير في الصحة النفسية والرفاه العام".\
وقد حلّلت الدراسة 163 بحثًا سابقًا باستخدام تحليل بيانات قائم على الإحداثيات لتحديد الأنماط المشتركة في نشاط الدماغ أثناء قراءة الحروف، والكلمات، والجمل، والنصوص الكاملة. وأظهرت النتائج أن مناطق اللغة الكلاسيكية في النصف الأيسر من الدماغ، بالإضافة إلى المخيخ، تلعب دورا جوهريا في كل هذه المهام.
- نشاط دماغي مميز لكل مستوى من القراءة
شملت الدراسات التي راجعتها الباحثات استخدام تقنيات تصوير دماغي متعددة لدراسة نشاط الدماغ أثناء قراءة أنواع مختلفة من النصوص بعدة لغات أبجدية.
قراءة الحروف: نشّطت منطقة محددة واحدة في القشرة القذالية اليسرى (OTC).
قراءة الكلمات والجمل والنصوص: نشّطت مناطق إضافية في الدماغ، مما يدل على تعقيد أعلى للمعالجة.
ووجد الباحثون أيضا أن القراءة تُفعّل مناطق مختلفة في الدماغ اعتمادًا على ما إذا كانت القراءة جهرية (overt) أو صامتة (covert). فعلى سبيل المثال:
القراءة الجهرية حفّزت مناطق مرتبطة بالحركة ومعالجة الصوت.
القراءة الصامتة اعتمدت بدرجة أكبر على مناطق متعددة المهام في الدماغ.
- الفروقات بين القراءة الواعية واللاواعية
من الجوانب اللافتة في الدراسة تحليل الفرق بين:
القراءة الصريحة (قراءة الكلمات واللا-كلمات بصمت)
قرارات المعالجة اللغوية (القراءة الضمنية)
وقد أظهرت النتائج أن القراءة الصريحة حفزت مناطق في القشرة الجبهية المدارية اليسرى، والمخيخ، والقشرة الزمنية، بشكل أكثر اتساقًا من القراءة الضمنية. بينما أظهرت الأخيرة نشاطا في مناطق الجبهة السفلية الثنائية وجزيرة الدماغ.
- أهمية النتائج وتطبيقاتها المستقبلية
تقدّم هذه الدراسة الشاملة خريطة عصبية تفصيلية لأنواع مختلفة من القراءة، وقد تفتح آفاقًا جديدة لفهم العمليات العصبية لدى الأفراد الذين يواجهون صعوبات في القراءة، مثل المصابين بعسر القراءة أو اضطرابات التعلم الأخرى. كما يمكن أن تساعد هذه النتائج في تطوير تدخلات تعليمية وعلاجية متقدمة لدعم هؤلاء الأفراد.