مقالات
"من الكفاح المسلح إلى نزعه بالقوة : ثورة تطفئ ذاتها"
مجد شاهين
5 أيار 2025 , 20:59 م


بقلم مجد شاهين

منذ انطلاقتها عام 1965، كانت حركة “فتح” رمزًا للكفاح المسلح الفلسطيني، و بعيدا عن الحقيقة التاريخية اعتبرها الكثير او اعتبرت نفسها “الرصاصة الأولى” في مواجهة الاحتلال، ومحرّكًا لثورات المخيمات والمنافي. لكن بعد عقود من التحولات السياسية، وقفت الحركة في مسيرتها على مفترقات عديدة , لكنها اليوم امام مفترق حاد: من حامل راية التحرير بالسلاح، إلى من يسعى إلى نزعه، ولو بقوة السلطة.

تأسست فتح على قاعدة مركزية: أن الكفاح المسلح هو الطريق الاستراتيجي والوحيد لتحرير فلسطين، كما ورد بوضوح في نظامها الداخلي. لكن منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، تراجعت هذه العقيدة تدريجيًا. باتت الحركة، بقيادة رئيسها محمود عباس، تنتهج خطًا سياسياً تفاوضيًا معولة على ما تسميه “المقاومة السلمية” كخيار واقعي.

إلا أن الأهم من الانحراف عن النصوص، هو ما تجسّد ميدانيًا في ممارسة السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني ، ما دفع كثيراً من المحللين السياسيين و الاعلاميين الى وصفها تدريجيًا بأنها جهاز إداري أمني أكثر من كونها سلطة مقاومة، في تناقضٍ صارخ مع النظام الداخلي و المبادئ التأسيسية للحركة الأم.

في تطور بالغ ، كشفت تقارير إعلامية عن زيارة مرتقبة للرئيس محمود عباس إلى بيروت في 21 أيار/2025، هدفها الأساسي: مناقشة خطة لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، بما فيها “فتح” نفسها.

بحسب مواقع اخبارية، فإن عباس سيعرض على السلطات اللبنانية خطة تتضمن نقل مسؤولية الأسلحة الموجودة في المخيمات إلى الجيش اللبناني، مع السماح له بمراقبة مخازن هذه الأسلحة. وتشير التقارير إلى أن الخطة قد تشمل استخدام القوة إذا لزم الأمر لتنفيذها .

ليست المبادرة فردية. فالمصادر الإعلامية تشير إلى أن هذه الخطوة تأتي بناء على طلب سعودي، نقله وزير الخارجية فيصل بن فرحان، ويستهدف جميع الفصائل دون استثناء، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي.

بين نزع السلاح واغتيال الذاكرة

ما يجري لا يقتصر على بُعد أمني، بل يتعداه إلى البُعد الرمزي والتاريخي. سلاح المخيمات، ولو كان رمزيًا أو منتهي الصلاحية القتالية، هو آخر بقايا “الحلم الثوري” الفلسطيني في الشتات. نزعُه لا يعني فقط تغييب البندقية، بل نسف الذاكرة الوطنية والاجتماعية للمخيمات والشتات ، وإعادة صياغة الهوية الفلسطينية تحت وقع التنسيق، وضغوط الإقليم، وقيود الواقعية المزعومة.

في هذا السياق، يصبح واضحًا أن الانتقال من الكفاح إلى نزع السلاح ولو "بالقوة" ، لم يكن تحولًا تكتيكيًا، بل انزياحًا وجوديًا في هوية حركةٍ بدأت ثورة، وتنتهي على شكل غير مرضي لحركة اساسية بالهوية الثورية الفلسطينية ,إنها لحظة التيه الاستراتيجي: حيث تنقلب شعارات التحرير إلى إجراءات تفكيك المقاومة.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري